انفراد لـ”نافذة الشرق” | المتحدث بإسم الداخلية السورية يكشف تفاصيل التحديات الأمنية وخطة الدولة بعد حادث مار إلياس: رؤية تحليلية لمواقف أوروبا وأمريكا من الإرهاب في سوريا

17

كتبت : ضحى ناصر

في الوقت الذي تُحاول فيه سوريا النهوض من تحت أنقاض أزمة طاحنة امتدت لأكثر من خمسة عشر عامًا، يقف الإرهاب كحجر عثرة في طريق هذا التعافي، متربصًا بكل محاولة لإعادة بناء الدولة، ممسكًا بمعول الهدم ليضرب ما تبقى من وحدة وطنية ويستهدف الأقليات، مستخدمًا سلاحه الأخطر: تفكيك المجتمعات من الداخل حيث كانت أخر جرائمه تفجيرات كنيسة مار إلياس.

في هذا التقرير، نسلط الضوء على ملامح خطة الإدارة السورية الجديدة في التصدي للتنظيمات الإرهابية وإجهاض عملياتها قبل أن تتسع رقعتها، إلى جانب استعراض موقف كل من الولايات المتحدة وأوروبا، خاصةً في ظل ربط دعمهما لسوريا بمدى قدرتها على اجتثاث الإرهاب من جذوره.

انتصار الثورة.. ضربة موجعة لتنظيم داعش
وللاقتراب أكثر من حقيقة ما جرى، تحدث إلينا السيد نور الدين البابا، المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، مؤكدًا أن انتصار الثورة السورية مثّل ضربة ثانية قاصمة لتنظيم داعش، بعد الضربة الأولى التي تلقاها في أواخر عام 2013 وبدايات 2014، حين تم طرده من مساحات واسعة من سوريا، وتحييد عدد كبير من قادته على يد الثوار.

وأشار إلى أن التنظيم استغل الفوضى التي أعقبت سقوط نظام الأسد لإعادة تنظيم صفوفه، مستفيدًا من انهيار مؤسسات الدولة ونهب مستودعات السلاح والعتاد، ومحاولًا إعادة التمركز والانطلاق من الصحراء باتجاه المدن الحيوية، مستعينًا بمقاتلين أجانب وجدد من داخل سوريا.

وتابع البابا أن دوافع هذه الجماعات في تنفيذ هجماتها تنبع من عدة عوامل، أبرزها استهداف الدولة السورية نتيجة امتلاكها طرحًا سياسيًا مختلفًا، وتبنّيها أيديولوجيات تكفيرية ترفض الآخر وتُعادي الدولة والمجتمع، إلى جانب سعيها لاستعادة السيطرة على البلاد عبر نشر الفوضى وزعزعة الأمن.

تفكيك خلية “مار إلياس” في أقل من 24 ساعة

وعن تفجير كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة، قال المتحدث باسم الداخلية إن التنظيم نجح في تنفيذ الهجوم، لكن الأجهزة الأمنية السورية استطاعت في أقل من 24 ساعة تحييد الخلية المنفذة، وقتل أحد المهاجمين، وإحباط تفجير انتحاري ثانٍ، وضبط دراجة نارية مفخخة، بالإضافة إلى اعتقال “أبو عماد الجميلي” الملقب بـ”والي الصحراء”، أحد أبرز قيادات التنظيم، وعدد من عناصره.

تحركات متعددة الأوجه لتجفيف منابع الإرهاب

شدد البابا على أن الدولة السورية تبذل جهودًا حثيثة لتحييد خطر داعش من خلال ثلاثة مسارات متوازية:

تنسيق دولي مع الأطراف المعنية بمكافحة الإرهاب.
برامج توعية تستهدف فئة الشباب لمنع استقطابهم.
نشاط أمني وقائي يشمل تعقب الخلايا النائمة والمشبوهين في الداخل.

كما أشار إلى تقاطع مصالح خطير بين بعض الأطراف الخارجية والتنظيمات الإرهابية، موضحًا أن تفتيت سوريا إلى كانتونات طائفية وعرقية يخدم أجندات خارجية معادية لمصلحة الشعب السوري، ويجعل من التنظيمات المسلحة أدوات طيّعة في تنفيذ هذا المخطط.

هل هناك تنسيق أمني بين سوريا والاتحاد الأوروبي؟
نفى البابا وجود أي دعم أمني أو تنسيق مع الاتحاد الأوروبي فيما يخص تدريب العناصر الأمنية أو تلقي دورات متخصصة في مكافحة الإرهاب.
وأوضح أن التنسيق في هذا المجال يقتصر حاليًا على عدد من الدول العربية، حيث يتم التعاون في إعداد الكوادر الأمنية وتدريبها لمواجهة التحديات والمخاطر الأمنية المتزايدة.

أبرز التحديات التي تواجه الإدارة السورية في مكافحة الإرهاب
استعرض البابا مجموعة من التحديات الجوهرية التي تعرقل جهود الدولة السورية في التصدي للإرهاب، أبرزها:

تدهور الأوضاع الاقتصادية والخدمية، والتي تُشكّل بيئة خصبة لانتشار الفكر المتطرف ونمو الجماعات الإرهابية.
الحاجة إلى إعادة بناء الجيش والأجهزة الأمنية، في ظل غياب حالة الاستقرار الضرورية لإنجاح هذه العملية.
صعوبة تأمين الدعم اللوجيستي والتقني اللازم لتدريب العناصر الأمنية وتجهيزها بالوسائل الحديثة التي تُمكّنها من أداء مهامها بكفاءة.
تعدد الأهداف المحتملة للهجمات الإرهابية، بدءًا من التجمعات المدنية، والمؤسسات الحكومية، وشخصيات الدولة، والإعلاميين، وصولًا إلى المصالح الغربية، مما يُصعّب من مهمة الأجهزة الأمنية في تغطية وحماية هذه النقاط كافة في ظل الإمكانيات الحالية.

كيف ترى أوروبا استمرار العمليات الإرهابية في مناطق سيطرة النظام؟

يجيب عن هذا التساؤل الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الأوروبي، طارق عجيب، في تصريحات خاصة لـنافذة الشرق، موضحًا أن أوروبا تنظر إلى هشاشة الوضع الداخلي في سوريا بكثير من القلق والترقّب، وترسل العديد من الرسائل التحذيرية عبر وفودها ومسؤوليها، سواء خلال زيارات إلى سوريا أو من خلال لقاءات تُعقد مع وزير الخارجية السوري في الخارج.

وتابع: “يرى الأوروبيون أن استمرار العمليات الإرهابية، حتى داخل العاصمة دمشق، وبشكل مركز على الأقليات، يُعدّ مؤشرًا خطيرًا على وجود جماعات متطرفة لا تزال تتحرك بحرية. كما يُعدّ ذلك دليلًا على عجز الإدارة السورية الجديدة عن تحييد هذه الفصائل، وغياب سيطرة مؤسسات الدولة على الأرض، مما يُضعف الثقة في قدرتها على استعادة الأمن والاستقرار.”

هل استمرار الانفلات الأمني يُفشل جهود إعادة التأهيل السياسي؟
وحذّر عجيب من أن تأخر الإدارة السورية الجديدة في وقف العمليات الإرهابية، سواء الكبيرة أو تلك المصنفة كأعمال فردية، ينعكس سلبًا على تقييم الأوروبيين لمدى أهلية النظام الحالي في إعادة تأهيل الدولة، وفق معايير قانونية ومؤسساتية.
وأشار إلى أن هذا التأخر يعزز القناعة الأوروبية بعدم وجود خطوات ملموسة لكبح الانفلات الأمني، ويؤدي إلى مزيد من التريث في اتخاذ قرارات إيجابية مثل تخفيف العقوبات أو فتح قنوات دبلوماسية أوسع، ما يُبقي سوريا في دائرة العزلة الرسمية والاقتصادية.

ما تأثير الوضع الأمني على الدعم الإنساني وإعادة الإعمار؟
كما أكّد أن تدهور الوضع الأمني وتزايد الهجمات الإرهابية يدفع الأوروبيين لإعادة النظر في تقديم مساعدات إنسانية أو تمويل مشاريع إعادة الإعمار.
وأشار إلى أن القلق الأكبر يتمثل في احتمال تسرب الدعم إلى جهات غير موثوقة، في ظل ضعف الشفافية والرقابة، وعدم قدرة الإدارة السورية على ضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها.
وأضاف أن البيئة الأمنية غير المستقرة، وانتشار الفساد، يُشكلان عائقًا كبيرًا أمام أي دعم دولي أو استثماري، مما يُعمق الفجوة بين الشعب السوري والجهات المانحة.

هل تؤثر الهجمات ضد الأقليات المسيحية على موقف أوروبا؟
واختتم عجيب تصريحاته بالتأكيد على أنه رغم استهداف الجماعات الإرهابية لمختلف الأقليات السورية، إلا أن الهجمات التي طالت الكنائس المسيحية، مثل تفجير كنيسة مار إلياس، تثير حساسية خاصة لدى الدول الغربية ذات الأغلبية المسيحية.
وأشار إلى أن هذا النوع من الاستهداف يعيد إلى الأذهان مشاهد العنف الطائفي في أوروبا نفسها، ما يُشكّل ضغطًا إضافيًا على الحكومات الأوروبية، نتيجة التأثير المباشر على المزاج الشعبي.
وأوضح أن ذلك قد يؤدي إلى مزيد من التحفظ السياسي الأوروبي في التعامل مع الإدارة السورية الجديدة، وتأخير الانفتاح أو أي دعم مرتقب لسوريا.

واشنطن وحادث كنيسة مار إلياس: هل يمثل تهديدًا استراتيجيًا
في تعليقه على حادث كنيسة مار إلياس، أكد الدكتور مهدي عفيفي، المحلل السياسي والمتخصص في الشأن الأمريكي، في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، أن الولايات المتحدة لا تنظر إلى الحادث كتهديد استراتيجي مباشر.
وأشار إلى أن ما جرى يأتي في سياق طبيعي بعد سنوات من التقلبات التي مرت بها سوريا، موضحًا أن مثل هذه العمليات قد تصدر عن مجموعات تابعة للنظام السابق أو جماعات تنتمي إلى أقليات بعينها.

وأضاف عفيفي أن لدى واشنطن تجربة مماثلة في العراق، حيث لا تزال بعض المناطق غير مستقرة وتشهد عمليات إرهابية متقطعة، وهو ما يجعل حادث مار إلياس “مؤسفًا لكنه متوقعًا”، على حد وصفه، مشيرًا إلى أن استعادة الاستقرار الكامل في سوريا ستتطلب مزيدًا من الوقت.

هل ترى واشنطن في أحمد الشرع شريكًا محتملًا في مواجهة الإرهاب؟
كما تطرق إلى موقف واشنطن من أحمد الشرع، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية قد أبدت دعمًا واضحًا له، خاصةً أنه يحظى بتأييد شعبي واسع، وهو ما يعزز من فرصه في مواجهة التحديات القادمة.

واعتبر أن ما شهدته البلاد من حوادث ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير، إلا أن الموقف الأمريكي، كما عبّر عنه الرئيس السابق دونالد ترامب، يعكس ثقة في قدرة إدارة الشرع على التعامل مع المستجدات ومواجهة التهديدات الإرهابية.

دعم استخباراتي وتدخلات محدودة: ما خيارات واشنطن في سوريا؟

وحول الدعم الأمريكي المحتمل لإدارة الشرع، أشار إلى أن الدعم الاستخباراتي يأتي في صدارة أولويات واشنطن، يليه الدعم اللوجستي والمادي، مؤكدًا أن هناك رغبة أمريكية حقيقية في مساعدة سوريا على تجاوز أزمتها.

ولفت إلى أن التعددية العرقية والحزبية، إضافة إلى التحديات المتراكمة، تجعل من سوريا ساحة مفتوحة للدعم الخارجي، لا سيما في ما يتعلق بالخبرات الأمنية والمعدات، مشددًا على أن هذا النوع من الدعم سيستمر خلال المرحلة المقبلة.

إعادة التموضع الأمريكي في سوريا: مراجعة أم تحول استراتيجي؟

وفيما يتعلق بما إذا كانت الولايات المتحدة بصدد إعادة تموضع استراتيجي في الملف السوري، أوضح عفيفي أن الأمر لا يتعلق بتحول جذري في الحضور الأمريكي، بقدر ما هو “إعادة نظر” في أدوات التعامل مع الملف السوري والتحديات المطروحة.

وأشار إلى أن دوائر صنع القرار داخل الكونجرس — الذي يُعد من أكثر المؤسسات تأثيرًا في السياسة الخارجية الأمريكية — باتت تميل إلى ضرورة دعم سوريا في مسارها نحو الاستقرار، رغم صعوبة المشهد وتعقيداته، من وجود جماعات إرهابية، إلى الخلافات المذهبية والعقائدية.

وختم بالإشارة إلى أن إدارة أحمد الشرع تبدو، في نظر كثيرين، قادرة على تجاوز هذه العقبات، وهو ما يعزز فرصها في كسب دعم أمريكي أكبر خلال المرحلة المقبلة.

وهكذا و في ظل هذا المشهد المعقد الذي تتقاطع فيه حسابات الأمن والسياسة، وتتشابك فيه مصالح الداخل مع ضغوط الخارج، تبدو سوريا وكأنها تسير فوق حقل ألغام. فمن جهة، تحاول الإدارة السورية الجديدة تثبيت أركان الدولة واستعادة ثقة المواطن، ومن جهة أخرى تواجه تحديًا وجوديًا يتمثل في الخلايا الإرهابية التي تتغذى على الفوضى والانقسام، وتُعيد تموضعها مع كل فراغ أو ضعف أمني.

المعادلة لم تعد أمنية فقط، بل سياسية بامتياز، حيث باتت قدرة سوريا على ضبط أمنها الداخلي ومكافحة الإرهاب معيارًا حاسمًا في تقييم المجتمع الدولي، وبالأخص واشنطن والعواصم الأوروبية، لجدية مشروع الدولة واستحقاقها للدعم والانفتاح.

ورغم ما تحققه الأجهزة الأمنية من نجاحات ميدانية كإحباط خلية مار إلياس في أقل من 24 ساعة، إلا أن الرهان الأكبر لا يزال قائمًا على القدرة على استئصال جذور الفكر المتطرف، وتجفيف منابعه الاجتماعية والاقتصادية، وسط بيئة مثقلة بالأزمات والإرث الثقيل للحرب.

إن ما بين العواصم الدولية ودمشق اليوم ليس فقط مسافة جغرافية، بل فجوة ثقة بحاجة إلى خطوات شجاعة وعملية تُثبت أن سوريا لم تعد أرضًا خصبة للفوضى، بل دولة تبحث عن السلام بثمنه الصعب، وترغب في إعادة تموضعها في الخريطة الدولية كطرف مسؤول وشريك في مواجهة الإرهاب، لا مجرد ساحة للصراع عليه.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.