أحمد نبيل افضل خبير في علم البانتومايم على مستوى العالم :جورج سيدهم منعني من تواجدي كأحد اضلاع ثلاثي أضواء المسرح واعتزلت التمثيل في 2012 لأني احترمت تاريخي
محمد صفوت
أحمد نبيل تاريخ طويل بدأ منذ حقبة الستينات في التمثيل واستمر حتى عام 2012 ، حينها قرر الفنان الكبير إعتزال التمثيل بعدما احس انه من الواجب ألا يستمر إحتراما لمسيرته المهنية ، لكنه في مجال فن البانتومايم استطاع أن يكون أبرز متخصص في هذا العلم عبر تاريخه داخل جمهورية مصر العربية وحتى في الكثير من الدول الأوروبية وتحديدا ألمانيا أصبح الرقم الصعب في هذا الاختصاص شديد التعقيد والمهنية.
بعد تكريم الفنان أحمد نبيل خلال حفل إفتتاح المهرجان القومي للمسرح المصري خصصت له إدارة المهرجان في خطوة تستحق الإشادة ندوة خاصة لتكريمه ، ومن ثم تم تقديم كتاب خلال الندوة عن سيرته الذاتية بعنوان “الصامت الضاحك” من تأليف محمود التميمي ، بينما أدار الندوة الروائية المتميزة هبه محمد علي , ولذا أجرينا معه الحوار التالي :
أصعب خطوة في مسيرتك المهنية ما فعله معك جورج سيدهم حينما كان سببا في خروجك من ثلاثي أضواء المسرح ، حدثنا عن تلك الفترة الصعبة ؟
خلال حقبة الستينات كان محمد سالم قناص المواهب مدير المنوعات في ماسبيرو وقام بإنشاء برنامج اسمه “اضواء المسرح” وخلاله تم تقديم اسكتش “دكتور الحقني” بين الثلاثي سمير غانم وجورج سيدهم وعادل نصيف ، لكن عادل نصيف غادر وضمني العبقري محمد سالم مكان نصيف لاستعراض عن عالم التليفزيون بعنوان “سوسوسو لالاري” في برامج التليفزيون المصري وبه يتخيل الثنائي سمير غانم وجورج سيدهم أنفسهم وهم يقدمون أغنية بعنوان “سوسوسو لالاري” بلغات مختلفة تختلف باختلاف لهجات الشعوب بينما أكمل انا الثلاثي الموهوب بدور أشاد به الجميع واصبحنا بلغة الأيام الحالية تريند في الشارع المصري.
بعدها اعترض جورج سيدهم بشدة على وجودي معه بصحبة سمير غانم لأكون معهم الثلاثي الشهير وقال حرفيا بأن صوتي ضعيف وجسمي ضئيل وأنني لا أصلح للبطولة معهم ، ورشح الضيف احمد ومع ذلك كملت مع الفرقة كمساعد مخرج وممثل دور ثاني برغم “الكتف” بلغة الفن الذي أخذته من الفنان جورج سيدهم.
الأغرب أنه حتى بعد وفاة الضيف احمد في 6 ابريل سنة 1970 اجمعت كل الأوساط الفنية على أني استحق أن أكون ضمن ثلاثي اضواء المسرح بدلا من الضيف احمد لكني فوجئت بإصرار غريب من جورج سيدهم على استبعادي وقال ما صدقنا خلصنا من واحد لكي يأتي آخر مكانه ، وقرروا الإكتفاء بالثنائي جورج سيدهم وسمير غانم.
ثم كانت الضربة الموجعة من جورج ، بعد أيام قليلة من رحيل الضيف احمد، كنت أنا والثلاثي شركاء في شركة أسسناها بأسم فرقة ثلاثي اضواء المسرح، وفوجئت باستدعاء جورج سيدهم لي وأخبرني أن أشقاء الضيف احمد طلبوا نصيب اخوهم المتوفي في الشركة والضيف له ابنة هي الأولى بهذا النصيب ، لذا الحل هو إعلان إفلاس الشركة وتاسيس شركة جديدة والأغرب أن الشركة الجديدة لم تتضمن اسمي وحينما عاتبتهم قال لي جورج : “عندك المحكمة , روح اشتكي”.
وربما من عجائب القدر حينما حدثت القصة المعروفة وقام شقيق جورج سيدهم بالاستحواذ على كل أموال جورج وهرب بيها إلى أميركا أصيب جورج سيدهم بالشلل بعد الصدمة وذهبت لزيارته وحينما رآني احتضنني ثم بكى بشدة وكانت عيونه وكأنها تقول سامحني لأني ظلمتك كثيرا، وأحسست حينها وكأن الله اراد أن يرد لي حقي.
بخصوص فن البانتومايم أصبحت فيه رقم واحد في تاريخ مصر وانتقلت شهرتك فيه لتكون الرقم الصعب على مستوى العالم في هذا الاختصاص ، كيف بدادأت وكيف وصلت لهذا المستوى العالي ؟
حينما التحقت بكلية التجارة جامعة الإسكندرية كنت رئيس فريق التمثيل وكنت بارع في عمل عروض أقلد فيها مثلي الاعلى شارلي شابلن لكنني فوجئت بعد أحد العروض برجل مثقف امريكاني يقول لي “انت للأسف تقلد شارلي شابلن ولن تكون ذرة في بحر شارلي شابلن ، رجاءا بدل ملابس المسرح ودعنا نتكلم عن إنفراد”
ولما جلسنا سويا قال لي انت بتمثل صامت من غير كلام بشكل ممتاز ، انت بتعمل بانتومايم” فرديت بدهشة لأنني كنت اول مرة اسمع هذا المصطلح فقلت له هل تقصد التمثيل الصامت فقال لي هذا فن مختلف”.
وفعلا بدأنا بعدها نعقد جلسات سويا ، وعلمني بدايات هذا الفن لأنه أخذ كورس عن فن البانتومايم في أميركا قبل عدة سنوات ، وقال لي أني سأكون ممثل بانتومايم شاطر لكن ليس قبل 10 سنوات من التدريب والمذاكرة، وقال لي يجب أن تكون أحمد نبيل وليس نسخة من اي فنان آخر، وقال لي لازم تسافر امريكا تتعلم هذا الفن ، فقلت له ومين هيسفرني انا من الإسكندرية أساسا وابويا لما بيسفرني مصر بيبقى كويس أننا زرنا السيدة زينب” وبعدها تحديت نفسي في هذا المجال وأخذت ادرب نفسي بنفسي واعمل مشاهد بانتومايم في المسرحيات التي يكون لي دور فيها.
ما فعله معي جورج سيدهم من عرقلتي فنيا ساهم في بدء تركيزي أكثر وأكثر في مجال البانتومايم وعندما بلغت 26 سنة نفذت حلمي بالسفر إلى أوروبا حتى لو برحلة صعبة جدا لكنها رخيصة ، بدأت الرحلة بركوب الباخرة إلى اليونان ثم التنقل بالقطار إلى إيطاليا وسويسرا لمتابعة المسارح وعروض البانتومايم ومحاولة التعلم أكثر وأكثر في رحلات قصيرة لكنها مفيدة .
في منتصف عام 1969 جاءت فرصتي حينما صادفت إعلان عن الدراسة في معهد مارسيل مارسو وهو أكبر معهد لفنون البانتومايم في العالم ، وبعد أن سافرت إلى هناك وجدت المصروفات اكبر من قدرتي المالية ، وقلت لهم إنني لا املك أموال كافية ، فقالوا لي بأنهم ليسوا جمعية خيرية ، فجاءت في خاطري فكرة مختلفة وقلت لهم سأقوم بعمل عرض بانتومايم أمام مارسيل مارسو نفسه وهو حينها من اشهر الممثلين في العالم ولو عجبه ادائي يضمني للمعهد ، ووافقوا بعد إلحاح مني ، وفعلا اعجب بعرضي لكنه كان بين متناقضين موهبتي ومصاريف الدراسة لكنه وافق بشرط أن أقوم كل يوم في الصباح بتنظيف دورات المياه والصالة الخاصة بالمعهد ثم اقف أثناء التدريبات في الزاوية بجانب الطلاب لكي أشاهد التدريبات واتعلم.
بعد ذلك أصبحت في نهاية فترة الدراسة المتفوق على كل الطلاب في التدريبات، وكنت اقوم بعمل عروض في مسارح أوروبية احاول من خلالها سد احتياجاتي المعيشية.
حينما عدت إلى مصر ذاع صيتي ، وأصبحت الأشهر في هذا المجال وقدمت فقرات في برامج تليفزيونية لعدة سنوات ، ثم جاءت لي منحة في الأتحاد السوفيتي وهناك وصلت لمرحلة افضل وأعلى ، وحصلت هناك على المركز الثالث عالميا بين 42 دولة على مستوى العالم في نهاية المنحة ، ولما رجعت لمصر مرة أخرى كنت أقوم بعمل فقرات تليفزيونية مرة أخرى عن البانتومايم ، واستعانت حينها بوجوه جديدة هي فاروق الفيشاوي وسميه الألفي وبسبب ذلك بدأوا ينطلقوا في مشوار النجومية ، وللأسف كانت مشكلتي ان الفنانين الذين كانوا يشاركوني في الفقرات سريعا ما يتركوني لأن اغلب العاملين في المجال الفني يتعاملون مع ممثل البانتومايم أنه ممثل صامت أو كومبارس.
الحمد لله بعد ما عدت من منحة الاتحاد السوفيتي قام الوزير حينها بتغيير راتبي الذي كان 2 جنيه فقط لاغير ووضع لي راتب مناسب ثم كانت الإنطلاقة الكبيرة لي بعمل مسلسلات بانتومايم وبعدها فوازير بانتومايم وأكثر ما اشتهرت بيه خلال الثمانينيات والتسعينيات برنامج يتضمن عروض بانتومايم في رمضان كان بعد العصر واكتسبت بسببه شهرة كبيرة في الشارع المصري.
وخلال تلك الفترة كثيرا ما قدمت عروض بانتومايم في فرنسا وألمانيا ، وفي ألمانيا بالتحديد قابلني أحد مديري المحطات التليفزيونية بطريقة غريبة وحاول يتحداني بأنه لا يعرفني وأنه لا يتخيل أن هناك شخص غير اوروبي يستطيع عمل عرض بانتومايم بتفوق ، وحينما رأي العرض الخاص بي جاء لي واعتذر لي وأنحنى أمام الجميع وقال أسف لأنني لم اعطيك قدرك الذي تستحقه لأنك ابهرتني ، انا كنت أعتقد أن فن البانتومايم لا يوجد فيه من يوازي مارسيل مارسو لكنني وجدتك مثله وربما أفضل.
من الغرائب أيضا أن الممثلين الألمان الذين يشاركوني عروض البانتومايم حينما ننهي العروض ونذهب بعدها لتناول وجبة العشاء في المطاعم يجدون مديري المطاعم يرحبون بي اكثر منهم وقالوا لي انهم مبهورين بحب الجمهور الالماني لك لأن الجمهور الالماني تحديدا معروف بأنه لا يجامل ويثني دائما على المتفوق في مجاله ، وحينما حضر أشهر ممثلة ألماني معي في مجال البانتومايم إلى مصر ادهشة الشعبية الطاغية لي في أغلب الأماكن في مصر حينها وقال لي أنني الوحيد الذي يخاف من شعبيته في المانيا في فن البانتومايم.
الا تتعجب من عدم وجود مادة في المعهد العالي للفنون المسرحية بأسم “البانتومايم” برغم وجوده في كل معاهد التمثيل في أميركا وانجلترا وفرنسا وألمانيا ؟
لا افهم لماذا ولا املك الإجابة على هذا السؤال لكنني أقدمه حتى الآن في كورسات خاصة وأملك العديد من الطلاب المتفوقين في هذا المجال.
ما هو السبب الخفي لإعتزالك التمثيل في سنة 2012 ؟
لا يوجد سبب للأمر سوى رغبتي في إحترام تاريخي لأنني لست من الفنانين الذين يمكن أن يطلبوا ادوار لهم أو أن اكلم مخرج ما او منتج كما أن أغلب العاملين في المجال تغيروا ولم يعد أغلبهم يعرفونني ، وأحسست أني لو أكملت سأكون قد أسأت إلى تاريخي كما أنني ما زلت محب لتعليم البانتومايم لكل الاجيال الجديدة , وانا احب هذا المجال بشكل غير طبيعي وهو يكفيني معنويا وماديا.
وبرغم القيمة العالمية الكبرى للفنان أحمد نبيل في مجال البانتومايم لكنه اخطأ بشكل واضح حينما ترك مهمة كتابة الكتاب الذي يتناول سيرته الذاتية للصحفي محمود التميمي الذي تجاوز كل الأعراف الموجودة في ندوات التكريم واطال في الحديث خلال الندوة وكأنه الصالون الثقافي الخاص به وليست ندوة تكريم لفنان مصري عالمي ، حتى أنه لم يترك الفرصة مطلقا للفنان أحمد نبيل لكي يتكلم عن نفسه ووصل الأمر خلال الندوة إلى طلب أحمد نبيل منه أن يكمل الحديث فقال له في سقطة لا تحدث مطلقا في تاريخ ندوات التكريم “دعني انا أتكلم عنك” ، بل تجاوز مرارا وتكرارا دور الكاتبة هبة محمد علي في إدارة الندوة ووصل به الأمر إلى رفض بعض الأسئلة من الصحفيين وهو ما جعل بعض الصحفيين يقوموا بشكوى شديدة اللهجة إلى الصحفي الكبير جمال عبد الناصر رئيس اللجنة الإعلامية للمهرجان ، وكان رد الاستاذ محمود التميمي بأنه ينظم صالون شهري اسمه “أرواح في المدينة” في المسرح الصغير بالأوبرا وأنه في اخر مناسبتين بصالونه الفني حضر وزير الثقافة له خصيصا ، وهو ما جعل اغلب الصحفيين يحسوا بأن الصحفي محمود التميمي أصبح يتعالى مؤخرا على الصحافة والإعلام المصري.
في النهاية يبقى الحديث عن الفنان العالمي أحمد نبيل كونه الفنان الذى حظى بتقدير كبير في أوروبا لأنه من اشهر فنانين البانتومايم بينما في مصر لا يعمل تقريبا منذ 20 سنة في محال التمثيل ويكتفي فقط بكورسات خاصة في علم البانتومايم لتكون مسيرة الفنان العالمي أحمد نبيل حاليا اشبه بعنوان ” لا كرامة لنبي في وطنه.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.