تصريحات محافظ شمال سيناء تثير قلق نتنياهو: قراءة في الكواليس والتأثيرات

24

تقرير : علياء الهواري

في مشهد سياسي وأمني شديد التعقيد، جاءت تصريحات اللواء خالد مجاور، محافظ شمال سيناء، لتعيد رسم حدود الخطاب بين القاهرة وتل أبيب. مجاور حذّر بوضوح من أي اقتراب من الحدود المصرية، متوعدًا بـ رد مفاجئ للعالم في رسالة مباشرة تحمل دلالات استراتيجية ونفسية عميقة. وبينما التقطت إسرائيل الإشارة بقلق واضح، حاول بعض مسؤوليها وإعلامييها الرد بسخرية أو تهديدات مضادة، ما فتح الباب لتحليل أبعاد الموقف من منظورين متكاملين: استراتيجي ونفسي.

الإعلامي وخبير العلاقات الدولية الدكتور محمد العزبي يرى أن التصريح يعكس استراتيجية ردع واضحة، هدفها تأكيد أن سيناء خط أحمر للأمن القومي المصري.
من وجهة نظره، تحمل كلمات مجاور أربعة رسائل مركزية

تأكيد السيادة الوطنية: في ظل حساسية سيناء كمسرح تاريخي للصراع يشدد التصريح على أن مصر لن تسمح بأي اختراق أو فرض واقع جديد على حدودها الشرقية.

إظهار القوة العسكرية: الحديث عن قدرات غير معلنة يعكس ثقة القاهرة في منظومة ردع متطورة، تشمل تسليحًا حديثًا وخططًا تكتيكية غير متوقعة.

إطار إقليمي مضطرب: التصريح جاء وسط تصاعد التوترات بسبب الحرب في غزة، ومخاوف التهجير القسري للفلسطينيين نحو سيناء وهو ما تعتبره القاهرة تهديدًا وجوديًا.

رسائل مزدوجة: داخليًا لطمأنة المصريين، وخارجيًا لإبلاغ تل أبيب أن مصر مستعدة للرد الفوري على أي تجاوز.

ويضيف العزبي أن الرسائل المصرية تتضمن تحذيرًا من التصعيد، ورفضًا قاطعًا لأي مخطط تهجير قسري، وتأكيدًا على الجاهزية العسكرية الكاملة. فالتصريح، برأيه، تحرك استباقي للردع وليس ردًا على تهديد مباشر، إذ لا توجد مؤشرات على نوايا إسرائيلية معلنة لمهاجمة مصر، لكن الظرف الإقليمي يفرض الحذر الشديد

ردود الفعل الإسرائيلية التي تراوحت بين القلق والتهكم تكشف إدراكًا حقيقيًا في تل أبيب لتطور القدرات العسكرية المصرية. الإعلام الإسرائيلي وصف تصريحات مجاور بأنها تهديد مباشر، ما يعكس خشية من أن تترجم القاهرة كلماتها إلى أفعال إذا تجاوزت إسرائيل الخطوط المرسومة.
تقييم الجيش المصري في إسرائيل يأخذ في الحسبان

تحديث التسليح: من مقاتلات “رافال” الفرنسية و”سو-35″ الروسية إلى الغواصات الألمانية، عززت مصر قدراتها البرية والبحرية والجوية.

الكفاءة العملياتية: نجاح الجيش المصري في مكافحة الإرهاب بسيناء أظهر جاهزية عالية وانضباطًا ميدانيًا.

القدرات الاستخباراتية: الخلفية الاستخباراتية لمجاور تعزز الانطباع بأن التصريحات تستند لمعلومات دقيقة

يضع العزبي عدة احتمالات للتصعيد

مواجهة مباشرة في حال انتهاك الحدود أو محاولة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو استهداف مصالح مصرية.

مواجهة غير مباشرة عبر احتكاكات حدودية، أو دعم غير مباشر للفصائل، أو خلافات اقتصادية وسياسية.
ورغم أن معاهدة السلام تجعل الصدام المباشر غير مرجح، إلا أن أي خرق جسيم قد يقلب المعادلة سريعًا

من منظور علم النفس الاجتماعي يفسر الدكتور محمد الزغبي الانقسام في ردود الفعل الإسرائيلية بأنه انعكاس لآليتين دفاعيتين

القلق الواقعي لدى فئات تدرك خطورة الموقف وتستحضر في وعيها الجماعي صدمات تاريخية مثل حرب أكتوبر 1973 أو هجوم 7 أكتوبر 2023، ما يجعلها حساسة لأي تهديد مشابه

السخرية كآلية دفاعية بعض الإسرائيليين يلجؤون للتهكم لتقليل الإحساس بالعجز أو للخروج من حالة التوتر النفسي، وهي استراتيجية شائعة للهروب من الاعتراف بالخوف أمام الذات والجماعة

يرى الزغبي أن التصريحات العسكرية القوية ترتبط في الوعي الإسرائيلي بإطار مرجعي من الصدمات والانتصارات:

صدمات الهزيمة: حرب أكتوبر ما زالت حاضرة كجرح استراتيجي ونفسي، يعزز الحذر من القوة المصرية.

إرث الردع: في المقابل، هناك رواية ذاتية لدى بعض الإسرائيليين عن القدرة على الصمود والرد، ما يولد ثقة أو حتى غرورًا في التعامل مع التهديدات.

يشير الزغبي إلى أن الإفراط في التهديد هو شكل من التعويض المفرط عن القلق، بينما السخرية تخدم كوسيلة لتفريغ التوتر. كلا السلوكين يهدف إلى التغطية على الإحساس بالهشاشة في مواجهة خصم يُنظر إليه كقوة حقيقية.

تصريحات خالد مجاور لم تكن مجرد كلمات في سياق إعلامي، بل كانت جزءًا من معركة ردع تتجاوز الحدود الجغرافية إلى حدود الوعي النفسي للطرف الآخر.
الرسائل المصرية أصابت نقطة حساسة في الذاكرة الإسرائيلية، وأعادت تذكير تل أبيب بأن معادلة الأمن في المنطقة ليست في صالحها دائمًا.
وبين القلق والسخرية، تبقى الحقيقة أن الصراع العربي الإسرائيلي لا يُدار بالسلاح وحده بل أيضًا بالكلمة المدروسة التي قد تفتح أو تغلق أبواب الحرب.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.