أبو عبيدة بين الروايات الإسرائيلية وتكتم حماس.. السفير مسعود معلوف يوضح (خاص)

كتب: اسلام ماجد

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية والسياسية، أعلنت إسرائيل اغتيال أبو عبيدة، المتحدث العسكري باسم كتائب القسام، خلال غارة على مبنى في مدينة غزة. ورغم تأكيد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الخبر، وتبني الجيش وجهاز “الشاباك” العملية بشكل رسمي، فإن حركة حماس لم تصدر أي تعليق حتى الآن، وهو ما زاد من غموض الموقف وأطلق سيلاً من التساؤلات حول صحة الادعاءات الإسرائيلية.
غياب الرد الرسمي من حماس يفتح المجال أمام أكثر من تفسير: فإما أن الحركة تفضل استخدام الصمت كسلاح في حربها النفسية، أو أنها لا تزال تتحقق من مصير الرجل الذي ارتبط اسمه في الوعي الفلسطيني والعربي بالمقاومة والرسائل الإعلامية المؤثرة منذ أكثر من 15 عاماً.

أبو عبيدة: من الظل إلى واجهة الحرب النفسية

منذ ظهوره الأول عام 2006 في عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، تحول أبو عبيدة إلى أيقونة للمقاومة الفلسطينية، ليس فقط في غزة بل في العالم العربي والإسلامي. أسلوبه في الظهور الملثم، وخطاباته التي تبثها كتائب القسام في أوقات حرجة، جعلا منه عنصراً أساسياً في معركة الوعي والإعلام.
المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تعاملت معه لسنوات كأحد أهم “أهدافها النوعية”، واعتبرته رمزاً لا يقل أهمية عن القيادات العسكرية الفعلية مثل محمد ضيف أو يحيى السنوار. وبحسب تقارير عبرية، فقد حاولت إسرائيل اغتياله أكثر من مرة منذ اندلاع الحرب الأخيرة، لكنها فشلت مرتين قبل أن تعلن نجاحها هذه المرة.
هذا الإصرار على استهدافه يعكس إدراك تل أبيب لخطورة “الكلمة” التي كان يمثلها أبو عبيدة، إذ لم يكن مجرد متحدث رسمي، بل واجهة لآلة دعائية مؤثرة قادرة على رفع معنويات جمهورها وإرباك خصومها.

إعلان إسرائيلي ورسائل متعددة

إعلان اغتيال أبو عبيدة، حتى وإن لم تؤكده حماس، يحمل في ذاته عدة رسائل. أولها موجّه إلى الداخل الإسرائيلي، حيث يسعى قادة المؤسسة الأمنية إلى إظهار إنجاز عسكري يعزز ثقة الجمهور بقدرتهم على حسم المعركة. الرسالة الثانية موجهة إلى المقاتلين في غزة، إذ تريد إسرائيل القول إن رموز القسام لم يعودوا في مأمن وأن يدها الطويلة قادرة على الوصول إليهم.
لكن في المقابل، قد ينقلب هذا الإعلان إلى أداة دعائية بيد حماس إن تبين لاحقاً أنه غير دقيق. عندها سيُقدّم صمتها الحالي باعتباره جزءاً من خطة تهدف إلى ترك إسرائيل في حالة ارتباك وتشكيك. وهذا السيناريو ليس غريباً على حركة أثبتت خلال سنوات أنها تتقن توظيف الإعلام كسلاح موازٍ للصواريخ.

التأثير على المعادلة الإعلامية والمعنوية

بغض النظر عن صحة الرواية الإسرائيلية، فإن الحديث عن اغتيال أبو عبيدة يشكّل لحظة فارقة في الحرب الإعلامية الدائرة. فالرجل الذي مثّل “صوت المقاومة” أصبح في قلب مواجهة جديدة حول الحقيقة والخداع. بالنسبة للجمهور الفلسطيني، قد يُنظر إلى الحدث كجزء من حرب نفسية تهدف إلى كسر الروح المعنوية، بينما قد يراه آخرون دليلاً على حجم التضحيات التي تقدمها القيادات.
على المستوى العربي، سيظل أبو عبيدة رمزاً يتجاوز شخصه، لأن صورته ارتبطت بالمقاومة كفكرة وهوية. لذلك، حتى إذا كان خبر اغتياله صحيحاً، فمن المتوقع أن تواصل كتائب القسام إنتاج خطاب إعلامي يحمل ذات النبرة والتأثير عبر متحدثين آخرين مدرَّبين على النهج نفسه.
اللافت أن مسؤولين إسرائيليين أنفسهم أقرّوا بأن للرجل خلفاء جاهزين لتولي مهمته، وهو ما يعني أن غيابه، في حال تأكد مقتله، لن يُسكت “صوت القسام”، بل قد يضاعف من تأثيره إذا تم تحويله إلى “شهيد الكلمة” الذي استمر في التأثير حتى بعد رحيله.

السفير مسعود معلوف: أبو عبيدة أصبح أسطورة باستشهاده

وفي سياق متصل، أكد السفير مسعود معلوف، المحلل السياسي ، في تصريح خاص لـ”نافذة الشرق”، أن مقتل أبو عبيدة يمثل ضربة كبيرة لحركة حماس، موضحًا أنه على مدى عشرين عامًا كان الصوت الرسمي الذي ينقل أخبار العمليات العسكرية دون مبالغة، وهو ما جعله يحظى باحترام وثقة الفلسطينيين.

وأضاف معلوف أن “الجيش الإسرائيلي وأجهزة مخابراته بذلوا جهودًا مضنية لتعقبه ومعرفة مكان وجوده، حتى تمكنوا من استهداف الشقة التي كان فيها وقتله مع جميع من كانوا برفقته”.

وأشار إلى أن حماس خسرت العديد من قادتها وكبار مسؤوليها منذ السابع من أكتوبر، لكنها ما زالت صامدة أمام الهجمات الإسرائيلية “الوحشية” التي أودت بحياة عشرات الآلاف من النساء والأطفال الفلسطينيين الأبرياء.

وختم معلوف تصريحه بالتأكيد على أنه “لا شك بأن حماس ستجد سريعًا من يخلف أبا عبيدة، الذي أصبح باستشهاده أسطورة بارزة في وجدان الشعب الفلسطيني”.