كتب/ محمد عبدالوهاب
تشهد منطقة الشرق الأوسط حالة من الترقب والقلق المتزايد في ظل تطورات عسكرية متسارعة وتحولات استراتيجية مفاجئة، خاصة مع ظهور تقارير إعلامية وأمنية تشير إلى أن إسرائيل باتت تمتلك أو على وشك امتلاك أحد أخطر الأسلحة التدميرية في العالم، والمعروف باسم “أم القنابل”. هذا السلاح، الذي صُمم لاختراق التحصينات الخرسانية العميقة وتدمير المنشآت تحت الأرض، يعكس تغيرًا نوعيًا في ميزان القوى العسكرية في المنطقة، ويثير تساؤلات ملحّة حول النوايا الإسرائيلية، والأهداف التي قد توجه إليها هذه القوة الفتاكة.
وسط هذه الأجواء، يتجدد الجدل حول ما إذا كانت إسرائيل تسعى من خلال هذه القنابل إلى توجيه رسالة ردع مباشرة إلى إيران، أم أن القاهرة قد تكون ضمن سيناريوهات محتملة للتهديد، خاصة في ظل توترات أمنية قائمة عند الحدود الجنوبية لقطاع غزة، وتلويحات إسرائيلية بالتصعيد تجاه سكان رفح وممر فيلادلفيا. وبينما تحاول بعض القوى الإقليمية إعادة ضبط بوصلة تسليحها وتحالفاتها، تظل الأسئلة معلّقة: إلى أي مدى يمكن أن تؤثر هذه التطورات على الأمن القومي العربي؟ وهل تمتلك الدول العربية، وعلى رأسها مصر، القدرة على مواجهة هذه المعادلة الجديدة؟
قال الدكتور نزار نزال، الباحث السياسي المختص بالشأن الإسرائيلي وقضايا الصراع، في تصريحات خاصة لموقع “نافذة الشرق”: “القنابل الخارقة للتحصينات المتطورة موجودة بالفعل داخل إسرائيل، لكنها لا تزال تحت السيطرة الأمريكية المباشرة، ولم يتم الإعلان رسميًا عن امتلاك الجيش الإسرائيلي لها.
إسرائيل لم تطور نسخة محلية من هذه القنابل، نظرًا لعدم امتلاكها لمصانع عسكرية متقدمة قادرة على إنتاج هذا النوع من الأسلحة الفائقة، وهو ما يجعل هذه القنابل تُعد سلاحًا استراتيجيًا أمريكيًا لا يزال يخضع للرقابة الصارمة من واشنطن.”
وأضاف: “من غير المرجح أن تسمح الولايات المتحدة لإسرائيل باستخدام هذه القنابل في أي توتر محتمل مع القاهرة، رغم ما تردد مؤخرًا عن نية إسرائيل توجيه قوات نحو إيران، وهي الرسائل التي تتابعها واشنطن عن كثب.
الوجود الإسرائيلي لهذه القنابل موجه بشكل واضح نحو طهران، وليس إلى القاهرة أو عمّان أو أنقرة أو دمشق أو بغداد، فكل المؤشرات تدل على أن الهدف الأول هو إيران. هناك تركيز إسرائيلي كبير على المفاوضات الجارية بين طهران وواشنطن بشأن الملف النووي.”
وتابع: “في حال فشلت إسرائيل في الحصول على الموافقة الأمريكية لاستخدام هذه القنابل، فإنها قد تضغط لاستيرادها بشكل مباشر من واشنطن، لتوجيه ضربات محتملة للمنشآت النووية الإيرانية.
وأكد نزار نزال أن هذه الأسلحة داخل الجيش الإسرائيلي يُشكّل تهديدًا للقاهرة، حتى وإن لم تكن موجهة لها بشكل مباشر. أعتقد أن مصر تدرك أهمية هذه التكنولوجيا وتتابع تطوراتها عن قرب، لكنها تواجه تحديات زمنية في مجال التسلح والإنتاج. هذه القنابل شديدة الفعالية، مضيفًا: لكنني لا أعتقد أن مصر تمتلك القدرة التقنية أو العسكرية لامتلاك هذا النوع من القنابل أو الصواريخ المتقدمة في الوقت الراهن.”
وأكد الدكتور نزار نزال: “أنا أثق في الجانب المصري وفي هذه الحكومة تحديدًا، لأنها حكومة قادرة على فعل أي شيء. لقد حذرنا مرارًا وتكرارًا من أن إسرائيل تُفكر بشكل جدي في إدخال سكان رفح إلى ممر فيلادلفيا، وذلك لدفع السكان الفلسطينيين نحو الخروج إلى سيناء. ومصر اتخذت إجراءات كبيرة جدًا في هذا الإطار.”
وأضاف: “يبدو لي أن مصر بدأت تعيد النظر في مسألة تسليحها، لأن الوضع الحالي يتطلب من الجيش المصري إعادة تقييم قدراته التسليحية. وأعتقد أن مصر قد تلجأ إلى الصين أو روسيا للحصول على القنابل، إلى الحد الذي قد تضطر فيه للتضحية ببعض المصالح من أجل ذلك. وبالطبع، لا أظن أن الدول العربية تمتلك هذه التكنولوجيا.”
وأكدنزار نزال الباحث السياسي والمختص بالشأن الإسرائيلي والباحث في قضايا الصراع: “إذا استثنينا الجيش المصري، فإن مصر هي الدولة الوحيدة التي تمتلك أسلحة متقدمة، سواء من حيث الدفاع الجوي أو المدفعية أو الدبابات، بالإضافة إلى كونها تملك قواعد بحرية.
مؤكدًا أن الجيش المصري يحمل العلم المصري، وهو جيش قوي ومُتطور إلى حد ما، لكن لا أعتقد أن الدول العربية الأخرى تمتلك هذا النوع من القنابل أو التكنولوجيا التي تملكها إسرائيل.”
وأردف: “أرى أن الدول العربية حاليًا تمر بحالة من الجمود. نحن لا نتحدث هنا عن تونس أو تشاد أو ليبيا، وربما الجزائر لديها جيش إلى حد معين، لكن في النهاية الجيش المصري والجزائري فقط هما من يمكن الحديث عنهما.
مضيفًا أن الجيش العراقي يعاني من حالة من التراجع، لأن الولايات المتحدة ما زالت مؤثرة وحاضرة بقوة في الجغرافيا العراقية.”
واستطرد قائلًا: “أعتقد أن الدفاع الجوي متوفر بشكل جيد في السعودية وفي الأردن، وبالطبع في مصر. الجزائر أيضًا تمتلك أنظمة دفاع جوي جيدة، خاصة الأنظمة الروسية والصينية. وأعتقد أن مصر تتحرك الآن نحو الصين من أجل تجهيز الجيش المصري بتقنيات مرتبطة بمنظومات الدفاع الجوي، خاصة أن الطائرات الصينية من طراز J-10 أثبتت كفاءتها.”
وأكد: “أظن أن مصر تُفكر في التراجع خطوة للوراء، لأن عقيدة الجيش المصري هي عقيدة دفاعية، وليست هجومية. إذا تم الاعتداء على مصر، فبالتأكيد تمتلك القدرة على صد هذا العدوان، وإذا كان هناك من يفكر في غزو مصر، فلا أعتقد أنها ستبقى خارج الحسابات. حتى لو توسعت إسرائيل في المنطقة، وحاولت فرض واقع جغرافي جديد، فإن الجيش المصري سيتدخل، وأعتقد أنه يمتلك الوسائل لذلك.”
واختم نزار تصريحاته قائلًا: “هذه حكومة حرب، وليست حكومة ذات رؤية سياسية أو منظور سياسي. وأعتقد أن مصر ستكون آخر من يتدخل، حتى وإن كان هناك تحرك عسكري إسرائيلي، لكنها في جميع الأحوال لن تسمح تحت أي ظرف بالاعتداء على جغرافيتها. وأعتقد أن مصر ستظل حاضرة في المشهد الإقليمي، ولن تبقى خارج المعادلة.”
ترسم تصريحات الدكتور نزار نزال صورة دقيقة ومقلقة في آنٍ واحد لمستقبل التوازنات العسكرية في المنطقة، خاصة إذا ما تحولت القنابل الخارقة للتحصينات من مجرد ورقة ضغط استراتيجية إلى أدوات فعلية على أرض الواقع.
فوجود هذا النوع من الأسلحة المتطورة بيد إسرائيل، حتى وإن كان تحت الرقابة الأمريكية، يحمل في طياته رسائل متعددة الاتجاهات: تهديد صريح لطهران، وضغط ضمني على محيطها الإقليمي، وتحفيز واضح لدول مثل مصر لإعادة التفكير في عقيدتها التسليحية ومصادر تسليحها.
كما تؤكد هذه التصريحات أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة من سباق التسلح، قد تفرض واقعًا جيوسياسيًا أكثر تعقيدًا، يتطلب من الدول العربية وخصوصًا مصر، أن تكون على قدر عالٍ من الجاهزية والتخطيط الاستراتيجي.
ففي زمن التحالفات المتغيرة والتوازنات القابلة للاشتعال، لم يعد من الممكن الاكتفاء بسياسات رد الفعل، بل بات من الضروري أن تبادر القوى الإقليمية بترسيخ معادلات جديدة تحفظ الأمن والاستقرار، وتمنع اختلال موازين القوى لصالح طرف واحد يملك سلاحًا بمثل هذا التأثير التدميري.
نزار نزال، الباحث السياسي