ترامب ينتقد بوتين بعد الهجوم الروسي الأعنف على أوكرانيا
كتب: إسلام ماجد
في أعقاب الهجوم الجوي الروسي الأعنف على الأراضي الأوكرانية منذ بدء الغزو في فبراير 2022، أطلق الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب سلسلة من التصريحات النارية ضد نظيره الروسي فلاديمير بوتين، واصفًا إياه بـ”المجنون للغاية”، ومتهمًا إياه بقتل الأبرياء دون داع.
وقال ترامب في منشور له عبر منصته “تروث سوشيال” إن ما حدث في أوكرانيا “دليل على أن شيئًا ما قد حدث لبوتين”، في إشارة إلى تغير حاد في سلوكه السياسي والعسكري، وذلك بعد مقتل 13 شخصًا نتيجة إطلاق 367 طائرة مسيرة وصاروخًا على الأراضي الأوكرانية، في هجوم وصفه مراقبون بأنه الأكبر منذ اندلاع الحرب.
الكرملين يرد ويتهم ترامب بالانفعال العاطفي
ردّ الكرملين على تصريحات ترامب لم يتأخر، إذ وصف المتحدث باسمه ديمتري بيسكوف ما قاله الرئيس الأمريكي السابق بأنه يعكس “انفعالات عاطفية زائدة”، معتبرًا أن هذه التصريحات ليست إلا جزءًا من الجدل السياسي الداخلي في الولايات المتحدة، ولا تعكس موقفًا رسميًا.
وفي الوقت ذاته، أدلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بتصريحات أكثر حدة، اعتبر فيها أن التصعيد الأوروبي في تسليح أوكرانيا – خصوصًا الصواريخ بعيدة المدى – يعكس قرارًا غربيًا مسبقًا، متهمًا الناتو بالسعي عمدًا لإطالة أمد الحرب واستنزاف روسيا اقتصاديًا وعسكريًا.
ضغوط داخلية على ترامب لفرض عقوبات جديدة
وفي سياق متصل، كشفت شبكة “سي إن إن” عن أن الدوائر المقربة من ترامب تدرس مجموعة من الإجراءات العقابية الجديدة ضد روسيا، وسط ضغوط متزايدة من نواب جمهوريين وديمقراطيين في الكونغرس، يطالبون برد أكثر صرامة على موسكو.
وأوضحت الشبكة أن فريق ترامب طرح عليه بالفعل مقترحات لعقوبات اقتصادية ومالية وعسكرية، لكنه لم يمنح الضوء الأخضر حتى الآن، خوفًا من أن تتسبب هذه الخطوة في إفشال أي مساعٍ للعودة إلى طاولة المفاوضات بين موسكو وكييف.
ترامب وبوتين… رسائل مزدوجة وغموض في العلاقة
تأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه العلاقة بين ترامب وبوتين حالة من الغموض والتناقض. فعلى الرغم من التصريحات الأخيرة التي بدت شديدة في لهجتها، إلا أن ترامب لطالما تحدث عن “علاقة جيدة” جمعته ببوتين خلال فترته الرئاسية، مشيرًا إلى أن التفاهم بينهما منع اندلاع صراعات جديدة.
لكن هذه اللهجة تغيرت مؤخرًا، إذ قال ترامب إن بوتين “يلعب بالنار” وإن الهجمات الأخيرة تمثل “خطرًا لا يمكن تجاهله”، فيما يرى بعض المحللين أن مواقفه قد تكون جزءًا من استراتيجية انتخابية تهدف لإظهار موقف صارم من روسيا دون الانجرار إلى تصعيد عسكري.
تصعيد عسكري تمهيدًا للتفاوض؟
وفي تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، قال الدكتور أيمن سمير، أستاذ العلاقات الدولية، إن الهجوم الروسي الأخير، رغم عنفه غير المسبوق، لا يُعد بالضرورة مؤشرًا على تغيير استراتيجي، بل محاولة لتحسين الوضع التفاوضي قبل جولة محتملة من المفاوضات.
وأضاف: “الهجوم شمل استخدام 355 طائرة مسيرة وأكثر من 17 صاروخًا باليستيًا ومجنحًا، وقد اعتبرته حتى السلطات الأوكرانية أكبر هجوم من نوعه، وهو يعكس رغبة موسكو في تحقيق مكاسب ميدانية سريعة تعزز من أوراقها التفاوضية”.
إسطنبول تعود إلى الواجهة
وكشف سمير أن موسكو تستعد حاليًا لجولة مفاوضات جديدة قد تُعقد في إسطنبول، خاصة أن المحادثات السابقة التي انطلقت في مارس 2022 بدأت من هناك قبل أن تتوقف فجأة.
وأشار إلى أن تبادل نحو ألف أسير مؤخرًا بين الجانبين يُعد مؤشرًا مهمًا على وجود قنوات تواصل غير معلنة، وقد يفتح الباب أمام تفاهمات جديدة، خاصة إذا توافرت إرادة سياسية من الطرفين.
الصراع بين رؤية ترامب وحسابات أوروبا
أما عن موقف ترامب من الحرب، فأوضح سمير أن الرئيس الأمريكي السابق يسعى فعليًا إلى وقف النزاع في أسرع وقت، ويُعد من أشد الداعمين لإطلاق عملية سلام شاملة في أوروبا، على عكس بعض القوى الأوروبية الكبرى التي ترى في استمرار الحرب فرصة لتقليص النفوذ الروسي.
وأضاف: “ترامب يرى أنه إذا لم يكن موجودًا في المشهد السياسي الأمريكي، فإن فرص التهدئة ستكون أقل بكثير، وهو يعتبر نفسه القادر على فرض تسوية توقف الحرب وتعيد الاستقرار للقارة العجوز”.
موسكو تضع شروطًا صعبة
في المقابل، تسعى موسكو إلى فرض ما تسميه بـ”جذور الحل”، وتضع قائمة شروط طويلة تشمل توقيع ضمانات مكتوبة من الناتو بعدم التوسع شرقًا، وهي وعود تقول إنها تعرضت فيها للخداع منذ تسعينيات القرن الماضي.
كما تطالب روسيا بضمانات لاحترام حقوق المتحدثين باللغة الروسية في شرق أوكرانيا، وتعتبر أن حرمانهم من لغتهم وثقافتهم يمثل انتهاكًا فادحًا لحقوق الإنسان.
السباق نحو 2030… ومخاوف من صراع شامل
واختتم د. سمير تصريحاته بالإشارة إلى أن الحرب في أوكرانيا لم تعد صراعًا ثنائيًا فقط، بل أصبحت مسرحًا لصراع أوسع بين مشاريع استراتيجية متنافسة، فبينما تسعى بعض الدول الأوروبية الكبرى إلى إضعاف روسيا بالكامل بحلول عام 2030، يتبنى ترامب رؤية مغايرة تقوم على إنهاء الحرب الآن قبل أن تتحول إلى نزاع إقليمي يصعب السيطرة عليه.
وقال: “الصراع الحقيقي الآن ليس فقط بين روسيا وأوكرانيا، بل بين رؤية أوروبية تستهدف الإطاحة بالنفوذ الروسي، وبين ترامب الذي يرى في السلام مصلحة أمريكية وأوروبية مشتركة”.