استطلاعات الرأي العام فى تل أبيب تكشف تآكل الثقة في نتنياهو.. هل بدأ المزاج الإسرائيلي يتغير تجاه الأزمة فى القطاع؟

حوار علياء الهواري

بين استطلاعات الرأي التي تصفع الحكومة الإسرائيلية، وتظاهرات مثيرة للجدل أمام السفارات في قلب تل أبيب، تشهد المنطقة واحدة من أكثر لحظاتها اشتعالًا بعد مرور عشرة أشهر على حرب غير مسبوقة على غزة. في ظل صدمة الحرب والانقسام الداخلي الإسرائيلي والارتباك الفلسطيني، تظهر أسئلة حرجة هل يتغيّر المزاج الإسرائيلي حقًا؟ ومن يقف خلف حراك يضع مصر، الداعم الأبرز لغزة، في مرمى الاتهامات؟
في هذا الحوار نناقش مع الباحث السياسي والتاريخي محمد أيمن ومع الدكتور ماهر صافي، باحث فلسطيني، أبرز المؤشرات الميدانية والسياسية التي قد ترسم ملامح مرحلة قادمة قد تكون أخطر من الحرب ذاتها.
من الإنهاك إلى التهدئه هل غير الداخل الإسرائيلي اتجاهه؟
يرى الباحث محمد أيمن أن حالة الإنهاك التي يعيشها الداخل الإسرائيلي بعد الحرب الأخيرة دفعت البعض إلى التطلع إلى هدنة ولو مؤقتة بحثًا عن استعادة الاستقرار لكنّه يشير إلى أن القرار في إسرائيل لا يُصنع في الشارع بل في غرف الأجهزة الأمنية والمؤسسات العسكرية التي تبني خياراتها على مصالح استراتيجية لا على رغبات الجمهور.

ويتفق معه الدكتور ماهر صافي الذي أوضح أن ميول التهدئة الإسرائيلية لا تنبع من رغبة في إنهاء العدوان أو الاعتراف بحقوق الفلسطينيين، بل من الحاجة إلى صفقة تؤمّن إعادة الجنود الأسرى لدى المقاومة في غزة، سواء أحياءً أو جثامين. فالمجتمع الإسرائيلي لا يتحرك بدوافع إنسانية بقدر ما تدفعه الحسابات الأمنية والنفسية الخاصة به

حين سُئل الخبيران عن تأثير الأزمات الأمنية والاقتصادية والقضائية داخل إسرائيل على المزاج العام، أكد محمد أيمن أن هذه الأزمات تسببت في تباينات حادة داخل المجتمع خصوصًا بين الشباب الذين بدأ بعضهم في فقدان الثقة في المشروع الصهيوني برمته وبين فئات لا تزال تتمسك بـالحلم الإسرائيلي رغم كل ما يعتريه من اهتزازات.

لكن الدكتور صافي اعتبر أن ما يُصدَّر للإعلام من أزمات إسرائيلية سواء قضائية أو اقتصادية هو جزء من سياسة التضليل المقصودة التي تتبعها إسرائيل لتشتيت أنظار العالم عن جريمتها الكبرى في غزة، فالإعلام الإسرائيلي يعرف كيف يُشغل العالم بنقاشات جانبية بينما تستمر الآلة العسكرية في استباحة الدم الفلسطيني.

تظاهرات تل أبيب غضبٌ موجه أم تشويه متعمد؟
واحدة من أكثر النقاط إثارة للجدل كانت التظاهرات التي نُظمت أمام السفارة المصرية في تل أبيب. الدكتور ماهر صافي عبّر بوضوح عن رفضه لهذا الشكل من الاحتجاج، واعتبر أن الشعب الفلسطيني بريء من الجهات التي نظّمت هذه التظاهرات مؤكدًا أن مصر كانت ولا تزال الدولة التي فتحت أبوابها لغزة وأدخلت أكثر من 85% من المساعدات ووقفت في وجه مخططات التهجير.

وأضاف صافي أن منطق التظاهر أمام السفارة المصرية لا يحمل أي معنى سياسي عقلاني، بل يُعطي رسالة مقلقة توحي بوجود توجه متعمّد لتحويل الأنظار عن العدو الحقيقي، وهو الاحتلال. كما اعتبر أن اختيار هذه الوجهة للتظاهر يخدم مصالح إسرائيل بالدرجة الأولى، ويشكّل تشويهًا متعمدًا للدور المصري الداعم للقضية الفلسطينية.

إخواني الطابع؟ اتهامات ومسارات مشبوهة؟

ورداً على اتهامات بوجود طابع إخواني للتظاهرات، قال صافي إن هناك بالفعل مؤشرات على اختراق من أطراف خارجية لها أجندات لا تمت بصلة إلى النضال الفلسطيني الحقيقي. وأشار إلى أن التظاهر أمام السفارة المصرية أو الأردنية هو تحريف متعمّد للبوصلة الوطنية لا يخدم سوى مشاريع تسعى لضرب العلاقة بين الشعب الفلسطيني والدول العربية الداعمة له، وعلى رأسها مصر.

وأضاف: هذا الحراك لا يخدم إلا إسرائيل، ويبدو أنه جزء من مشروع أكبر لتحويل غضب الشارع من الاحتلال إلى الجهات الوسيطة والداعمة لفلسطين.

المتظاهرون رفعوا مطالب تتعلق بفتح معبر رفح بشكل دائم وتسهيل عبور المساعدات، لكن د. صافي أوضح أن هذه المطالب مبنية على مغالطات متعمدة، لأن معبر رفح لم يُغلق من الجانب المصري بل من قبل إسرائيل التي تمنع مرور المساعدات وهو ما يعكس جهلًا سياسيًا، أو نية خبيثة تهدف لتوجيه الاتهام إلى الجهة الخطأ.

الانقسام المتجدد بين حماس وفتح واثره؟

داخليًا لم تلقَ هذه التظاهرات قبولًا شعبيًا بل قوبلت برفض واسع. حركة فتح وصفتها بأنها مؤسفة ومخجلة واتهمت من يقف خلفها بمحاولة تشويه صورة مصر. ورغم أن البعض حاول تبريرها كنوع من التعبير عن الغضب، إلا أن الاتهامات بالتنسيق مع الاحتلال الذي سمح بهذا الشكل من التظاهر فتحت الباب واسعًا أمام الحديث عن “تواطؤ” لا يمكن تجاهله.

هل الحراك الجديد مختلف؟ أم تكرار لمشهد مختل؟
ما يميز هذا الحراك وفق صافي، أنه حراك يخدم إسرائيل من كافة الجوانب . فهو يمنح الاحتلال فرصة إضافية للظهور بمظهر الضحية أمام المجتمع الدولي ويغطي على جرائمه اليومية في غزة. أما الحراكات السابقة فكانت تنبع من داخل الأرض المحتلة وتستهدف مقاومة الاحتلال لا الدول العربية الشريكة في دعم القضية.
في خضم كل هذه التناقضات يظل السؤال الأهم من المستفيد؟ التظاهرات التي يفترض أن تُوجَّه نحو الاحتلال تنحرف نحو شركاء النضال والأزمات الإسرائيلية التي يُفترض أن تضعف قبضة التطرف يتم تحويلها إلى مادة إعلامية تضليلية. وبين هذا وذاك تبقى الحقيقة واضحة فلسطين لا تحتاج إلى تحركات انفعالية بل إلى وعي سياسي يُميّز بين العدو والحليف ويعرف أن المعركة ليست فقط على الأرض بل على الوعي أيضًا.