الأمن الغذائي …فى ظل التغيرات المناخية العالمية

كيف تواجه مصر تحديات التغيرات المناخية وكيف استعدت؟
دول الخليج العربي كيف تجابه التغيرات المناخية ؟

كتبت بسنت السيد

التغيرات المناخية شبح يهدد العالم ،ولا يمكن تجاهله سواء من الدول المتقدمة أو الدول النامية أو حتى الفقيرة فتأثير إرتفاع درجات الحرارة وما يتبعه من ظواهر مناخية، بات يهدد الأمن الغذائي العالمي.
تقديرات الخبراء
فى دراسة علمية أجريت عام 2018، خلصت إلى أن ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية يمكن أن يتسبب في خسائر كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي تتراوح بين 0.2% و0.5% انخفاض سنوي بعد عام 2027 وانخفاض سنوي بنسبة 1.5% إلى 3% بدءاً من عام 2067.
وأشارت أنه من المُتوقع أنه بحلول عام 2075 ستصبح المنطقة غير صالحة للسكن بسبب ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 4 درجات مئوية، لدرجة أن المنطقة ستشهد ارتفاعاً في أعداد الوفيات الناجمة عن موجات الحر من 5 آلاف حالة وفاة سنوياً في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى 15 ألف حالة وفاة سنوياً بحلول خمسينيات القرن الحالي.وفقا لتقرير نشره مركز مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.
كما أن ارتفاع مُستوى سطح البحرسيؤدى لمخاطر حقيقية على المناطق الساحلية المنخفضة في البحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة، إضافة إلى أن أكثر من ثلثي سكان دول مجلس التعاون الخليجي يعيشون في المناطق الحضرية الساحلية، وبالتالي، هناك تقديرات تفيد بأن نحو 12% من سكان الخليج سيواجهون مخاطر النزوح الجماعي من منازلهم بسبب ارتفاع مستويات سطح البحر بسبب التغيرات المناخية.
ويذكر أن تعرض منطقة الخليج العربي لعواصف ترابية وأعاصير وفيضانات مُفاجئة، فعلى مدار السنوات القليلة الماضية، تعرضت دول مثل المملكة العربية السعودية وعُمان واليمن لفيضانات قاتلة، فعلى سبيل المثال، تعرضت عُمان في أكتوبر 2021 لإعصار شاهين، الذي تسبب في فيضانات وانهيارات أرضية، وأسفر عن مقتل سبعة أشخاص ونزوح مئات الأفراد، علاوة على ذلك، تشهد المنطقة عواصف ترابية ورملية شديدة، وعادة ما تكون ناجمة عن الرياح القوية وقلة الغطاء النباتي وغياب هطول الأمطار.

فضلا عن الفقر الغذائي حيث تشكل ندرة المياه مصدر قلق كبير لدول الخليج، ولاسيما وأن الدول الست في مجلس التعاون الخليجي ضمن أكثر 17 دولة في العالم تعاني من الإجهاد المائي؛ إذ تقع كل دول مجلس التعاون الخليجي حالياً تحت عتبة الفقر المائي البالغة 500 متر مكعب للفرد من المياه المتاحة سنوياً. ولا شك في أن موجات الحر الشديدة والمتكررة بالإضافة إلى ندرة المياه تؤثر سلباً في الإنتاجية الزراعية، مما يقوّض الأمن الغذائي. لذا سنحاول أن نستطلع رأى الخبراء في هذا الصدد

استعدادات الدولة المصرية لمجابهة التغيرات المناخية
بداية أدركت الدولة المصرية خطورة التغيرات المناخية وتأثيرها على الأمن الغذائي ،فكيف استعدت الدولة المصرية لتلك التغيرات ،وماذا استخدمت من تقنيات وإجراءات لمجابهة هذا الشبح الذي خيم على العالم ؟
وعلى صعيد آخر كيف تواجه دول الخليج العربي تلك التغيرات ،كل هذا وأكثر في التقرير التالى.
في حديثه لموقع نافذة الشرق يقول الأستاذ الدكتور إبراهيم درويش استاذ المحاصيل الزراعية أن موضوع التغيرات المناخية التي تواجه العالم وبالتالي الدولة المصرية،من أهم الموضوعات التى تمس الأمن القومى الغذائي والمائى
ويوضح درويش أن التغيرات المناخية معناها، أنه كان من المتوقع إرتفاع في درجات الحرارة تصل إلى 1.4إلى 1.5ولكن مع الأسف وبالرغم من كل الجهود الدولية وصلت درجات الحرارة إلى 1.9.
درجة وهوما يعد في منتهى الخطورة لأن هناك تغير كامل ف ظواهر مناخية كالرياح وشدتها واتجاهاتهاوالامطار وكميتها وأماكن سقوطهاوما يترتب عليها من ظواهر أخرى كالتصحر وندرة المياة وهجرة السكان بحثا عن الماء ،وفرص العمل .
ذوبان الجليد وارتفاع منسوب مياه البحر
وتابع ،التغيرات المناخية لا تحدث في دولة دون أخرى وإنما تشمل الكون كله ، فمثلا ذوبان الجليد في المناطق القطبية نتيجة ارتغفاع درجات الحرارة يؤدى إلى إرتفاع منسوب المياه في البحر ،وبالتالى يؤدى إلى غرق بعض الجزر والبلاد القريبة من الشطوط.
تملح الأراضي الزراعية
ويستكمل أستاذ المحاصيل في حديثه للموقع الآثار المترتبة على ارتفاع درجات الحرارة إن البعض يتنأ باختفاء الدلتا في مصر نتيجة لارتفاع منسوب مياه البحر ولكن إرتفاع منسوب المياه يؤدى إلى تملح الأراضي الزراعية الشاطئية الملاصقة للساحل ومن ثم تخرج هذه الأراضي من تصنيف الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة وتصبح أراض هامشية .
هجرة السكان
وأضاف ، أن الأراضي التى تعانى من التملح والتصحر والجفاف نتيجة ندرة المياه تؤدى إلى هجرة السكان سواء داخلية أو خارجية لذا فمن المقدر وفقا لإحصائيات متعددة أن تزداد معدلات الهجرة غير الشرعية نتيجة للتغيرات المناخية بحثا عن الماء والغذاء وفرص العمل .
كمية الأمطار
وأشار، إلى أن ارتفاع درجات الحرارة يؤثر على كمية الأمطار والتى تتفاوت من دولة لأخرى مشيراً إلى أن كمية الأمطار قد تؤدى ندرتها إلى ما يعرف بالشح المائى والجفاف والتصحر وما يترتب عليه من تبوير للأراضي وخروجها من تصنيف كونها أراضي زراعية ،وبالتالى هجرة سكانها بحثا عن فرص عمل.
الاحتياج المائى
وكشف الدكتور ابراهيم درويش أستاذ المحاصيل الزراعية أن مصر تحتاج إلى كميات كبيرة من الماء تصل إلى 120مليار متر مكعب من المياه في حين تبلغ حصة مصر من مياه النيل والسد العالى 55مليون متر مكعب والتى لا تكفي حاجة السكان ،مؤكدا أن الدولة المصرية إتخذت العديد من الإجراءات لتعظيم الإستفادة من الا الموارد المتاحة وتوفير احتياجاتها المائية .
وذكر درويش على سبيل المثال لا الحصر محطة المحسمة ومحطات الصرف الصناعي والتى يعاد تدويرمياة الصرف للاستفادة منها في الزراعة ،كما اعتمدت الدولة أساليب الرى مثل الرى بالرش أو التنقيط لتوفير المهدر من المياة بطرق الرى بالغمر والرى السطحى التقليدية.
وأضاف ،كما اعتمدت الدولة استخدام تراكيب وراثية لمحاصيل أكثر تحملا للجفاف وتستهلك مياه أقل وتم استبعاد المحاصيل المستهلكة لمياة أكثر ،إضافة لاستنبات محاصيل جديدة تتحمل التغيرات المناخية وتراعي فيها الاشتراطات البيئية والتغيرات المناخية.
وأكد أن التنمية المستدامة هى تنمية إقتصادية مع مراعاة المحافظة على البيئة في مجابهة التغيرات المناخية.
المشروعات الصناعية والبصمة الكربونية
وأشار إلى أن الدولة المصرية حريصة في المشروعات الصناعية على مراعاة تقليل البصمة الكربونية التى تؤدى إلى إرتفاع درجات الحرارة.مشيرا إلى أنه حتى مشروعات الطرق والكبارى الهدف منها منع التكدس المرورى الذي يؤدى لزيادة الانبعاثات الكربونية، إضافة لاستخدام الطاقة الكهربائية النظيفة في كل مشروعات المواصلات الحديثة كالقطار الكهربائى والاتوبيسات الترددية وكل المشروعات التى تبنتها الدولة المصرية ،في توشكى والدلتا الجديدة، وشرق العوينات تمثل رئة تتنفس منها الدولة المصرية لنشر المساحات الخضراء مستخدمة التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي وفقا لتوصيات مؤتمر كوب 27الذى استضافته مصر وكان لها السبق في اعتراف دول العالم بالجهودالمصرية لمواجهة التغيرات المناخية.
من يدفع فاتورة الدول الصناعية المتقدمة
واختتم حديثه قائلا :”ولكننا في النهاية نحتاج لجهود أكبر لأننا كدول ندفع فاتورة تقدم الدول الصناعية المتقدمة ،والتى لاتفى بالتزاماتها تجاه الدول الفقيرة والنامية التى تعانى من تبعات التقدم الصناعي المذهل الذى انعكس على التغيرات المناخية والتى قدرت ب100مليار سنويا. ولكن هذه الدول لم تف بهذه الالتزامات والتى نأمل أن تلتزم بها بعدما طالب بها واوصى مؤتمرى كوب 28و29.
ماذا عن دول الخليج كيف تؤمن أمنها الغذائي في ظل التغيرات المناخية ؟
وعلى الجانب الآخر قال الدكتور خالد عياد أستاذ البحوث الزراعية في حديثه لموقع نافذة الشرق أن دول الخليج ليست دولا زراعية بالأساس وتستورد غذائها نظرا لارتفاع درجات الحرارة بها وتلجأ إلى استخدام الصوب المكيفة كإسلوب للزراعة ،كما أنها تستورد 80%من غذائها من دول أخرى .
الزراعة الرأسية
وأوضح أن دول الخليج تعتمد على الزراعة الرأسية والتى يقصد بها الزراعة في صوب مكونة من عدة أدوار وهى تقنية متبعة وناجحة اذ تعتمد على الزراعة فوق الأرض أو تحتها لذا يمكن التحكم في درجات المقننات المائية بحسب نوع كل نبات وفقا لمعايير كشدة الاضاءة وكمية المياة وتعطى إنتاجية جيدة ولكن تكلفتها باهظة جدا لانها مستوردة من أوروبا لذا فالمنتج النهائي ترتفع تكلفته على المستهلك و لكن دول الخليج قادرة علي تكاليفها.
مشروعات تبطين الترع
أما بالنسبة للدولة المصرية فقد اعتمدت مصر مشاريع تبطين الترع لتقليل كمية المياة المهدرة بالتبخير في أوقات الحرارة الشديدة والتى تتعرض للتبخير ،وحتى لاتنمو عليها الحشائش والنباتات المستهلكة للمياة.
بنك جينات عالمى
وصرح الدكتور خالد عياد استاذ البحوث الزراعية أن مصر تستعين باستنبات بذور تتحمل الحرارة وتقاوم التغيرات المناخية العالمية وتم بالفعل استحداث أصناف جديدة من البطيخ والشمام والكانتلوب المقاومة للتغيرات المناخية ل100عام قادمة.
التربية بالطفرات
كما تطرق عياد إلى ما يعرف بالتربية بالطفرات حيث تعتمد على ما تمنحه لنا الطبيعة من محاصيل مقاومة للظروف المناخية المتغيرة فيلاحظ الباحث ظهور نباتات لها صفات وراثية محددة تتكرر فيدرسها ويعمم صفاتها ويتم اعتمادها فيما يعرف بالتربية بالطفرات
وتابع أن التغيرات المناخية تتحكم في العالم كله ومن الممكن أن تؤثر على المناخ فنتوقف عن زراعة نبات ما أو نستحدث آخر وفقا لعوامل المناخ ومعدلات تعرض النبات للحرارة والضوء وكمية المياة.
وأضاف أن التغيرات المناخية تؤثر على ظهور بعض الآفات دون غيرها ،والتى تستلزم أشكال مختلفة من المكافحة أو أن تجعلها الحرارة المرتفعة آفة مستديمة والتى قد تتطلب وسائل محددة كزراعة النبات في صوب تحت ظروف خاصة مؤكداً لدينا علماء وباحثين يعملون دوما على دراسة المناخ للتنبوء بماسيحدث واتخاذ التدابير اللازمة لمجابهة تغيرات المناخ فقضية الأمن الغذائي ترتبط بعدة تخصصات وتتطلب تضافر كل الجهود بمختلف التخصصات لمواجهتها.
مبادرات خليجية لمجابهة التغيرات المناخية
وعلى صعيد آخر تسعى دول الخليج لمجابة التغيرات المناخية بالعديد من المبادرات الخضراءحيث حدّدت كل من الإمارات والسعودية والبحرين والكويت وعُمان سقفا زمنيا لتحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفرية بحلول منتصف القرن أو حول ذلك التاريخ.
وقد جاء بالتنسيق مع جهود المجتمع الدولى في الحد من انبعاثات غازات الدفيئة بنحو النصف بحلول عام 2030، وتحقيق هدف صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050. وفي هذا الإطار، وضعت الإمارات المبادرة الاستراتيجية للحياد المناخي 2050، وبهذا أصبحت أول دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعلن عن هدفها لتحقيق الحياد المناخي، وعلى الجانب السعودي، أطلقت الرياض في عام 2021 “مبادرة السعودية الخضراء”، وتسترشد المبادرة بثلاثة أهداف شاملة هي تقليل الانبعاثات الكربونية، وتشجير السعودية، وحماية المناطق البرية والبحرية. وعلى الجانب البحريني،
تستهدف المنامة الوصول إلى “الحياد الصفري” من الانبعاثات الكربونية بحلول العام 2060، وبالتالي، أطلقت “خطة التشجير” ومبادرة المدن الخضراء”. وسعياً لخفض الانبعاثات.
كما انضمت كل من السعودية وقطر إلى الولايات المتحدة الأمريكية والنرويج وكندا لإنشاء منتدى “الحياد الصفري للمُنتجين”، وسيطوّر المنتدى استراتيجيات عملية للوصول بالانبعاثات إلى الحياد الصفري، تشمل الحد من انبعاثات الميثان، وتعزيز نهج الاقتصاد الدائري للكربون، وتطوير ونشر تقنيات الطاقة النظيفة واحتجاز الكربون وتخزينه، ويتوقع الخبراء نجاح هذا المنتدى إذ يُمثل أعضاؤه 40% من مُنتجي النفط والغاز العالمي.

الاستاذ الدكتور ابراهيم درويش استاذ المحاصيل الزراعية بكلية الزراعة جامعة المنوفية