تمثل مصر أهم المقاصد الاستثمارية بالمنطقة العربية الجاذبة لرؤوس الأموال الصينية لما تتمتع به من فرص ومقومات وحوافز استثمارية متميزة، وأصبحت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس قبلة لجذب الاستثمارات الصينية، بعد النجاح الذي حققته منطقة تيدا الصينية فى جذب الأموال الصينية خلال 15 عاما منذ بدء إنشاء المنطقة الصينية فى مصر، فضلا عن خطط المنطقة الاقتصادية لمضاعفة قيمة هذه الاستثمارات الفترة المقبلة، وهناك فرصا متميزة لزيادة مساهمة الشركات الصينية العاملة في مصر في مجالات البنية التحتية في مجال النقل الذكي، والمدن الذكية، والجيل الخامس فيما يخص الاتصالات.
وترتبط مصر والصين بعلاقات استراتيجية تمثل ركيزة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، مع حرص الدولة المصرية على دعم التعاون المشترك بين القاهرة وبكين والنهوض به إلى آفاق أرحب خلال المرحلة المقبلة بما يتناسب مع حجم العلاقات القوية بين البلدين، ويعكس علاقة الصداقة الوطيدة التي تربط القيادتين السياسيتين في مصر والصين في إطار الشراكة الاستراتيجية الشاملة، لرفع القدرات الإنتاجية ودفع عجلة التعاون الصناعي والاستثماري في القطاعات ذات الأولوية وتشمل صناعة السيارات والصناعات المغذية لها والصناعات النسيجية ومواد البناء والإلكترونيات والأجهزة المنزلية والصناعات الهندسية والبتروكيماويات والصناعات الخفيفة.
وتبحث البلدان مقترحات حول إنشاء منطقة صناعية صينية على البحر المتوسط لتوفير احتياجات السوق المحلي والتصدير للأسواق الأوروبية والأمريكية، مع توافق الرؤية بين البلدين في عدد من الموضوعات الدولية خاصة أن مصر تتابع عن كثب عددا من الموضوعات الجاري التفاوض بشأنها في إطار منظمة التجارة العالمية والتي تشمل المفاوضات الخاصة مصائد الأسماك، ومفاوضات اتفاقية الاستثمار من أجل التنمية وكذا عدد من الموضوعات الخاصة بمجالات الزراعة والأمن الغذائي والتنمية، فضلاً عن استعادة آلية التسوية وفض المنازعات، مع استفادة الشركات الصينية من منظومة الاتفاقيات التجارية التي تربط مصر بعدد كبير من الدول والتكتلات الاقتصادية الرئيسية حول العالم ومن أهمها اتفاقية الكويز التي تسمح بنفاذ الصادرات المصرية لأسواق الولايات المتحدة الأمريكية دون رسوم جمركية.
وتأتى مقترحات حول إنشاء منطقة صناعية صينية على البحر المتوسط، بعد نجاح صفقة “رأس الحكمة”، التى أعطت الدول الكبرى مؤشرات إيجابية حول مستقبل الاقتصاد المصرى، كما يأتى المشروع استكمالا لخطة الدولة لمواجهة مشكلة نقص الدولار، وفى إطار توجيه الرئيس عبدالفتاح السيسى بشأن توطين الصناعات الاستراتيجية والعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية، وكذلك فى إطار خطة خفض الدين العام الخارجى والعمل على الاستفادة من انضمام مصر لتجمع بريكس.
وكشف مصدر حكومي مطلع أن المفاوضات شملت إقامة منطقة صناعية للصناعات الاستراتيجية، مثل الصناعات النسجية، وصناعة السيارات الكهربائية والصناعات المغذية لها، وصناعة البتروكيماويات، وسيجرى ضخ استثمارات تقدر بنحو 100 مليار دولار فى تلك المنطقة الصناعية، إذ تخطط الصين لزيادة الصادرات مع مصر، وفتح أسواق جديدة لها فى أوروبا وأمريكا وإفريقيا، ويسهم المشروع فى زيادة الاستثمارات وخلق فرص عمل جديدة للسكان، إذ سيجرى توفير فرص عمل مستقرة وتحسين مستوى المعيشة بمرتبات جيدة.
وتمثل العاصمة الإدارية الجديدة، رمزا للتعاون البناء بين مصر والصين في مجال البنية التحتية والمدن الحديثة باعتبارها نقلة حضارية وإدارية كبيرة وإضافة مهمة للإنجازات التي حققتها الدولة المصرية في طريقها نحو الجمهورية الجديدة.
وتعد الصين أكبر شريك تجاري لمصر على مدار السنوات الماضية، مع حرص الجانب الصيني على إيجاد حلول ناجزة لإحداث توازن في الميزان التجاري بين البلدين وذلك من خلال زيادة السماح بنفاذ الصادرات الزراعية المصرية للسوق الصيني، كما أن مصر تمثل أهم المقاصد الاستثمارية بالمنطقة العربية الجاذبة لرؤوس الأموال الصينية لما تتمتع به من فرص ومقومات وحوافز استثمارية متميزة.
وتعد المنطقة الاقتصادية لقناة السويس مثال يجسد روح التعاون بين مصر والصين، من خلال توطيد العلاقات التجارية والصناعية وبناء شراكات حقيقية بين البلدين ، وتعمل الهيئة الاقتصادية لقناة السويس على تقديم كل أنواع الدعم والحوافز والتيسيرات للاستثمارات الصينية لجذب مزيد من المشروعات ورءوس الأموال. وفى منطقة العين السخنة وتقع منطقة “تيدا مصر”، على مساحة 7.3 مليون متر مربع، وهى من أهم المناطق الاقتصادية بمحور قناة السويس، حيث يصل حجم الاستثمارات لنحو مليارى دولار من خلال 150 شركة فى قطاعات صناعية ولوجستية متعددة، ومستهدف أن يصل عدد الشركات الصينية إلى 1000 شركة فى عام 2030.
وعلى هامش قمة منتدى التعاون الصيني ـ الأفريقي بالعاصمة بكين، نيابة عن الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، في سبتمبر الماضي قال الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، استعداد الحكومة المصرية لدعم توسعات شركة تيدا القابضة، في مصر، من خلال منح المزيد من الأراضي، سواء على ساحل البحر الأحمر، أو على ساحل البحر المتوسط بمدينة العلمين الجديدة، التي تتمتع بموقع فريد متميز يجعلها مقصدا مهما للاستثمار. و قبل 10 سنوات عقدت مصر والصين مستوي رفيع من الشراكة الاستراتيجية بينهما وهذا العام تحتفل البلدان بالذكري العاشرة للشراكة وخلال السنوات الأخيرة شهدت العلاقات حضورا صينيا كبيرا وجادا في مصر، خاصة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس ويمثل مجلس الأعمال المصري الصيني أحد أهم عوامل ازدهار العلاقات المصرية الصينية في ترتيب يلي التوافق الشديد بين القيادتين السياسية المصرية متمثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الصيني شي جين بينج ورغبتهما في تطوير العلاقات المشتركة علي جميع المستويات وخاصة الإقتصادية منها.. فضلا عن مبادرة “الحزام والطريق” و”رؤية مصر 2030″ واللتان حققتا تطورا مثمرا.
وتستهدف الصين تحقيق 5% نموا اقتصاديًا للعام 2024 وهذا النمو ينعكس على تطور العلاقات الاقتصادية “الاستثمارية والتجارية” بين الصين ومصر، وذلك من خلال الشراكة في مشروعات استثمارية جديدة وأصبحت الصين أكبر شريك تجاري لمصر لمدة 11 عاما متتالية، وتعد الصين من أكثر الدول نشاطا وأسرعها نموا في الاستثمار في مصر حسب السفير الصيني السابق بالقاهرة ليا ليتشيانج.
وتنتشر المشروعات الصينية في كل ربوع مصر وخاصة في العاصمة الإدارية الجديدة ومحور قناة السويس وتساعد الصين مصر لتصبح أول دولة أفريقية تتمتع بقدرات كاملة على تجميع واختبار الأقمار الاصطناعية واستكمال أكبر مشروع لإصلاح وتحديث شبكة الكهرباء. ويمكن للاقتصاد الصيني الاستفادة من خبرات الصينيين بعد أن تجاوز الناتج المحلي الاجمالي لبلادهم في عام 2023 معدل 126 تريليون يوان، بزيادة 5.2% ليحتل مرتبة متقدمة بين الاقتصادات الرئيسية في العالم.
وينشط مجلس الأعمال المصري الصيني في زيادة وتطور العلاقات عبر الجولات التعريفية بالفرص الاستثمارية بالبلدين وكذلك المؤتمرات والندوات حيث تستهدف مصر استقطاب استثمارات صينية جديدة بقيمة تصل إلى مليار دولار خلال العام الحالي وزيادة الاستثمارات الصينية بنسبة 30% والتي تقدر حاليا بنحو 3 مليارات دولار بخلاف الاستثمارات الصينية القائمة والمستهدف جذبها لمنطقة تيدا مصر بمدينة العين السخنة وهذه الاستثمارات تمثل نموذجا مهما وتعمل علي توطين الصناعات وخلق فرص العمل عبر أكثر من 60 اتفاقية وبروتوكول تعاون مع الجانب الصيني علي المستوي الحكومي تنظم كافة مسارات التعاون وفى مقدمتها اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين كما تستهدف الحكومة المصرية زيادة الصادرات للسوق الصينية بنسبة تتراوح بين 15 و20% بنهاية العام الحالي حسب جهاز التمثيل التجاري المصري.
ومن أسباب هذا التطور الاقتصادي بين البلدين تطور البنية التحتية في مصر وتعديل وتحديث التشريعات الاستثمارية في مصر وإقامة العديد من المدن الصناعية والمشروعات القومية العملاقة.
وهنا نشير الي أن مصر أول دولة عربية وإفريقية اقامت علاقات دبلوماسية مع الصين فقبل 68 عاما أسس الرئيس ماو تسي دونج ورئيس مجلس الدولة تشو آنلاي والرئيس جمال عبد الناصر العلاقة الصينية المصرية وأصبحت مصر أول دولة عربية وإفريقية أقامت العلاقة الدبلوماسية مع الصين.
وخلال العام الماضي احتفلت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والتي تضم أكثر من 500 شركة صینیة في مجالات مختلفة، بإجمالي استثمارات بلغت 1.6 ملیار دولار أمریکي بذكرى مرور 50 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والصين، و15 عاما على إطلاق منطقة تيدا الصناعية الصينية داخل المنطقة وهي أول منطقة صناعية صينية في أفريقيا وهي مشروع استثماري مشترك بين مصر والصين في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وتساهم في توفير فرص عمل وزيادة الإيرادات للدولة .
وتحل هذا العام الذكرى الخامسة والسبعون لقيام جمهورية الصين الشعبية ففى عام 1949 وصلت الثورة الصينية فى مسيرتها لتؤسس الجمهورية الشعبية فى الصين بقيادة ماوتسى تونج كما تحل ذكرى مرور عشر سنوات على توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مصر والصين فى ديسمبر 2014.
وفي مايو الماضي أشاد الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعلاقات “المصرية – الصينية”، مشيرا إلى مرور 10 أعوام على تدشين علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين وما شهدته تلك السنوات من تطور ملحوظ في العلاقات لتؤكد من خلال ذلك استمرار الحرص المتبادل على الارتقاء بالعلاقات الثنائية على تحقيق التكامل بين “رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة” مع أولويات مبادرة “الحزام والطريق”.. وأشار الرئيس السيسي إلى أن الانعقاد الدوري المنتظم للمنتدى العربي الصيني يحمل دلالة واضحة على الحرص المتبادل على تعزيز العلاقات المؤسسية “العربية – الصينية”، حيث يهدف المنتدى إلى تحقيق عدد من الأهداف السياسية والاقتصادية الرئيسية منها تعزيز التعاون “جنوب – جنوب” وتشكيل نظام عالمي أكثر عدالة مع العمل على تعزيز أوجه التعاون الفني المشترك في مواجهة التحديات المرتبطة بحوكمة الاقتصاد العالمي ونقل وتوطين التكنولوجيا إلى جانب مكافحة التغير المناخي وضمان الأمن المائي وذلك ضمن قائمة مطولة من التحديات والأخطار التي تفرض ضرورة حشد قدرات التعاون بين مختلف الأصدقاء بالمجتمع الدولى في كل المجالات.
بقلم : أبوبكر الديب