اسلام ماجد
في تطور دراماتيكي، تصاعدت التكهنات حول اقتراب سوريا وإسرائيل من اتفاق سلام تاريخي قد يعيد تشكيل ملامح الشرق الأوسط، ويضع حدًا لصراع دام عقودًا حول واحدة من أعقد المناطق الجغرافية والسياسية: هضبة الجولان. وبينما تتسارع وتيرة التصريحات والتسريبات، يبرز تساؤل جوهري: هل اقتربت دمشق فعلاً من توقيع صفقة سلام مع تل أبيب؟ وهل الجولان ستكون الثمن أم الجائزة؟
في تقرير بثته قناة “I24News” العبرية، نُقل عن مصدر سوري مقرب من الرئيس أحمد الشرع أن المفاوضات السياسية مع إسرائيل لم تعد مجرد تكهنات، بل تخضع لنقاشات واقعية، وسط تأكيد بأن “السلام لن يكون مجانيًا”، وأن دمشق تطالب على الأقل بثلث مساحة الجولان المحتل كشرط أساسي للدخول في أي تسوية.
الجولان على الطاولة: تسويات غير تقليدية
المعطيات المطروحة تشير إلى سيناريوهين رئيسيين يناقشهما الطرفان: الأول يقضي بأن تحتفظ إسرائيل بثلث الهضبة، وتسلم ثلثًا لسوريا، وتؤجر الثلث الثالث لمدة 25 عامًا، بينما يتضمن الثاني احتفاظ تل أبيب بثلثي الجولان وتسليم الثلث المتبقي لدمشق مع إمكانية تأجيره. هذه المقاربة، التي تجمع بين التأجير المؤقت والاعتراف الجزئي، تعكس براغماتية سياسية جديدة فرضتها الوقائع الجيوسياسية والضغوط الإقليمية، خاصة في الجنوب السوري حيث تتداخل الحسابات العسكرية والأمنية.
موقف رسمي ضبابي… وانفتاح غير معلن
بحسب نفس المصدر، فإن الرئيس أحمد الشرع أبدى استعدادًا لفتح قنوات اتصال مباشرة مع إسرائيل، لا سيما في الجانب الأمني والعسكري بجنوب البلاد. إلا أن هذا الانفتاح ما زال يصطدم بمواقف رسمية معلنة أكثر تحفظًا، حيث صرح مسؤولون سوريون أن الحديث عن سلام لا يزال مبكرًا، مؤكدين على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة والالتزام باتفاقية فك الاشتباك لعام 1974. هذا التناقض بين الواقع الدبلوماسي والخطاب الإعلامي يشي بمحاولة داخلية لـ”تهيئة الرأي العام” تدريجيًا لفكرة التطبيع، خصوصًا أن الشعب السوري لا يزال يرى في إسرائيل “عدوًا وجوديًا” لا شريكًا محتملاً.
الدكتور رامي عاشور: الجولان ليست مجرد أرض بل ورقة أمن وماء وغذاء
وفي سياق متصل، أكد الدكتور رامي عاشور أستاذ العلوم السياسية ،أن المجتمع السوري بدأ يطرح تساؤلات حقيقية حول توقيت الطرح التطبيعي. وأوضح أن الواقع الديموغرافي في الجولان تغيّر كثيرًا، حيث توجد اليوم أكثر من 30 مستوطنة إسرائيلية يقطنها حوالي 20 ألف مستوطن، إلى جانب عدد مماثل من السوريين، معظمهم من الدروز الذين “نسقوا مع إسرائيل في محاولة للحماية من عنصرية النظام السوري”، حسب قوله.
وأضاف عاشور أن الجولان يمثل أهمية قصوى لإسرائيل لعدة أسباب، أبرزها أنه يشكل “نقطة مراقبة عسكرية مثالية”، وأن طبيعته المرتفعة توفر دفاعًا طبيعيًا ضد أي تحرك سوري، كما أن المنطقة تزوّد إسرائيل بما يقارب ثلث احتياجاتها من المياه عبر الأمطار التي تصب في نهر الأردن. كذلك، فإن الجولان منطقة بركانية خصبة تساهم في دعم الأمن الغذائي الإسرائيلي، فضلًا عن قربها من دمشق (31 ميلاً فقط) وموقعها المشرف على جنوب لبنان وشمال إسرائيل.
التأجير كقناع للتنازل: منطقة منزوعة السلاح أم تنازل مغلف؟
يشرح الدكتور عاشور أن ما يُطرح اليوم تحت مسمى “تأجير الجولان” أو “منطقة منزوعة السلاح” ما هو إلا قناع سياسي لتنازل تدريجي. فالخطة تتضمن نزع السلاح من المنطقة، وعدم تبعيتها رسميًا لأي من الطرفين، مع بقاء الحماية الفعلية بيد إسرائيل. ويُروّج لهذا الطرح باعتباره نسخة معدلة من اتفاقية 1974، ولكن في الحقيقة هو يهيئ الأرض لتطبيع صامت، يمر من تحت أعين الرأي العام، خصوصًا مع غياب المؤسسات التشريعية الحقيقية في سوريا، ما يجعل النظام يبحث عن “شرعية دولية بديلة” لتغطية خطواته.
رعاية أمريكية… وتمويل أوروبي تحت ستار الكيميائي
يرى الدكتور عاشور أن هذه الترتيبات تتم برعاية مباشرة من واشنطن، وتحديدًا من إدارة دونالد ترامب، الذي عاد إلى واجهة المشهد بقوة، ويعمل على توسيع “اتفاقيات أبراهام” لتشمل سوريا ولبنان. وأضاف عاشور أن كل ذلك يجري في إطار “تحايل منظم”، حيث تلعب الأمم المتحدة دور الواجهة، بينما تُستخدم المساعدات الدولية كأدوات ضغط. واستشهد بدعم بريطانيا الأخير للنظام السوري بمبلغ 191 مليون يورو بزعم تدمير مخزونات الأسلحة الكيميائية، معتبرًا أن هذا الدعم هو في حقيقته تمويل غير مباشر لمشروع التطبيع السياسي.
وفي ختام رؤيته، يؤكد عاشور أن ما يحدث ليس فقط مفاوضات على قطعة أرض، بل تغيير استراتيجي في ميزان القوى الإقليمي، تحاول فيه إسرائيل فرض واقع جديد على الأرض، وتُجبر فيه سوريا على التكيّف مع معادلة قد لا تكون عادلة، لكنها مدفوعة بالضغوط لا بالخيارات.