محمد صفوت
لا صوت يعلو في الأوساط الاقتصادية عن صوت “خمول الدولار” داخل مصر وإنخفاض قيمته على مستوى العالم لما تمثله اقوى عملة سياسية في الكرة الأرضية من ارتباط وثيق بلغة المال والأعمال عبر العالم ، على العكس تصاعد الذهب في مستويات قياسية داخل وخارج مصر فوصل سعر جرام الذهب عيار 21 في الأيام الماضية إلى خمسة آلاف جنيه داخل مصر كما وصل سعر الذهب في البورصات العالمية إلى 3500 دولار.
و أوضح المستشار الإقتصادي / خالد إسماعيل عضو الجمعية المصرية للإقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع رأيه قائلا:
“مما لا شك فيه أن الدهب له تأثيره الكبير في الاقتصاد العالمي لأنه يعد من الأصول التي يتأثر سعرها بسبب الكثير من المتغيرات مثل الصراعات الإستراتيجية والتقلبات الاقتصادية والتضخم , وإذا ما نظرنا حاليا إلى سعر الذهب نجد أنه تصاعد لمستويات قياسية في البورصة ليصل 3300 دولار الٱن بعد أن لامس سعر 3500 دولار وذلك بنسبة ارتفاع 30 بالمائة بداية من عام 2025”.
وعلل المستشار خالد إسماعيل اسباب ارتفاع الذهب بسبب تصعيد الحرب التجارية من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مستوى العالم بشكل عام وضد الصين ودول الأتحاد الاوروبي بشكل خاص ، وتلك التوترات خلقت حالة من عدم الاستقرار في الأسواق العالمية ، في هذه الحالة يكون التوجه للملاذ الآمن وهو الذهب ، أيضا لا يمكن تجاهل عامل مهم أثر في سوق الذهب ويتعلق بتوقعات خفض الفائدة الأمريكية ثلاث مرات خلال عام 2025 ، والجدير بالذكر أننا ما زلنا في حالة عدم اليقين على مستوى العالم فيما يرتبط بتوتر الوضع بين روسيا وأوكرانيا و الأوضاع المتأججة في الشرق الأوسط.
وأوضح المستشار خالد إسماعيل اختلاف الأمر كليا على صعيد سعر الدولار قائلا : “على العكس فقد تراجع الطلب على الدولار ما أدى لتراجع قيمته عالميا مقارنة بالعملات الأخرى وأحد العوامل المسببة لذلك تمثل في الصدام الساخن بين الرئيس ترامب ورئيس مجلس الإحتياطي الفيدرالي الأميركي وتهديدات ترامب له بالإطاحة به من منصبه وهو ما أجبر الصناديق الدولية على البيع او الخلاص من الدولار متجهة للعملات الأخرى والمعادن النفيسة ، هذا التوتر أفقد المستثمرين الثقة في الدولار”.
ونقل المستشار خالد إسماعيل حديثه عن الدولار من الوضع العالمي إلى الشأن المحلي : “محليا نجد علاقة الدولار مع الجنيه المصري تتسم بالاستقرار نوعا ما ليصل إلى درجة الخمول ، بل وتراجع الدولار قليلا أمام الجنيه خاصة بعد تدفق الإستثمارات الخارجية إلى مصر ووصولها لنحو 29 مليار دولار وهو ما يؤدي إلى أستقرار سعر الصرف محليا”.
وختم المستشار خالد حديثه : “أخيرا نحن في تلك الفترة في حالة تسمى اقتصاديا بمصطلح عدم اليقين بسبب تسارع المتغيرات الدولية والتي تؤثر على كل نواحي الإقتصاد العالمي”
بالتأكيد قامت الدولة المصرية بجهود حثيثة لكي يصل السوق إلى مرحلة خمول الدولار ومن أهمها إحالة 237 قضية إلى محاكم الجنايات الاقتصادية، لارتكاب المتهمين في تلك القضايا جرائم غسل الأموال والتي تتعلق أغلبها بمشروعات إقتصادية استخدمها المضاربون في الدولار بالسوق السوداء كستار خفي لغسل الدولار كما أنهم كانوا في السابق يمارسون ما يطلق عليه إقتصاديا “تعطيش السوق بالدولار” وبذلك تم القضاء تماما على ما مفهوم السوق السوداء بعد قرار تحرير سعر الصرف في مارس 2024.
وقد مثلت التدفقات الدولارية العالية إلى الدولة المصرية حجر الأساس في خمول الدولار فكشفت المملكة العربية السعودية عن اسثتمارات تبلغ 15 مليار دولار في السوق المصري سيقوم بها مائة من رجال الأعمال السعوديين وشركات كبرى بجانب سبعة مليارات دولار استثمارات كويتية وقد تكون قطر صاحبة نصيب الأسد من الاستثمارات الخليجية في مصر برقم قد يصل إلى 80 مليار دولار وذلك بعد زيارة الرئيس السيسي مؤخرا لكلا من قطر والكويت.
وبالتأكيد ستجني الدولة المصرية الكثير من العملة الصعبة بسبب قناة السويس ومشروعات تصنيع الهيدروجين الاخضر.
ولأن ما يحدث في اسعار الذهب شغل الأوساط الاقتصادية فلذا تم سؤال الدكتور هانى بشير خبير أسواق المال العالمية عن الارتفاعات القياسية والتقلبات الكبيرة فى أسعار الذهب فى البورصة العالمية ليجاوب بأرقام تكشف الأمر بوضوح:
- الذهب حطم جميع الارقام القياسية بالأسواق العالمية وبالتحديد يوم الثلاثاء 22 ابريل محققا ارتفاع لم يحدث من قبل ، وخلال عام ارتفعت أوقية الذهب من 2228 دولار في ابريل 2024 إلى 3500 دولار في ابريل 2025 بزيادة تقدر بنحو 1272 دولار وارتفع سعر جرام الذهب عيار 24 من 72 دولار إلى 112.5 دولار بزيادة تقدر بنسبة 57%.
- لا يمكن تجاهل أنه خلال 5 شهور بعد الانتخابات الامريكية ارتفعت الاوقية من 2536 دولار إلى 3500 دولار و سعر جرام الذهب عيار 24 من 81 دولار إلى 112.5 دولار بنسبة ارتفاع تصل إلى 38%.
- سعر أوقية الذهب الان 3308 دولار حسب البورصة العالمية ، ولان الأتجاه العام للذهب خلال هذا الاسبوع عرضى، فإن التوقعات في حال ارتفاع سعر الذهب فإنها قد تصل قرابة 3350 دولار، أما في حال انخفاض الذهب تحت مستويات 3280 دولار فمن الجائز أن يصل الى 3260 دولار.
وتابع الدكتور هانى بشير حديثه قائلا :
“أداء مؤشر الدولار امام سلة العملات كالتالي :
ـ ارتفاع اليورو امام الدولار من 3 سنوات وشهرين.
ـ ارتفاع الجنية الاسترلينى أمام الدولار من 7 شهور
ـ انخفاض الدولار أمام الين اليابانى من 7 شهور
ـ انخفاض الدولار أمام الفرنك السويسرى من 14 سنة ونصف
ـ انخفاض الدولار أمام الدولار الكندى من 4 شهور. “
بالتأكيد سيبقى الذهب على المستوى المحلي المصري وبالأدق على المستوى الشعبي الملاذ الآمن لادخار الأموال لكنه ليس بالحل الآمن لمدة طويلة لكن على الصعيد العالمي فقد أدى إنخفاض سعر الدولار والحرب التجارية من قبل الرئيس الأميركي ضد الصين إلى إتجاه العديد من أصحاب رؤوس الأموال الكبرى في الولايات المتحدة وعبر العالمية للاتجاه نحو الحل المريح نسبيا وهو الذهب لكنهم بالتأكيد سيحاولون إعادة سوق المال إلى وضعه الطبيعي معتمدا على الدولار اقوى واهم عملة نقدية بالعالم.
في مصر لا لغسيل الأموال والدولار المخزون ونعم لاستثمارات خارجية وداخلية من العيار الثقيل أما البنوك المركزية حول العالم مثل الصين وروسيا ودول البريكس فقد قالت مؤقتا لا للاعتماد على الدولار ونعم لزيادة الإحتياطي من الدهب.
“نعم” و”لا” أوجزت وأفصحت عن ما أطلق عليه خبراء الإقتصاد مصطلح (خمول الدولار) والذي ارتبط ارتباطا وثيقا بالتصاعد المتسارع في اسعار الدهب ليكون السؤال الصعب هل سيعود الوضع الإقتصادي إلى وضعيته المعتادة ام يستمر إنخفاض الدولار عالميا وخموله محليا لفترة أطول خلال عام 2025.