الذهب بين قفزات ومطبات.. ماذا يحدث في السوق المحلية والعالمية؟

كتب: إسلام ماجد

شهدت أسعار الذهب خلال الشهور الستة الماضية تقلبات حادة بين انخفاضات مفاجئة وصعود متسارع، الأمر الذي أثار تساؤلات عديدة في الأسواق المحلية والعالمية حول مستقبل المعدن الأصفر وما إذا كان لا يزال يُمثل ملاذًا آمنًا للمستثمرين.

في بداية العام، خسر الذهب قدرًا كبيرًا من قيمته نتيجة مجموعة من العوامل الاقتصادية والمالية، أبرزها صدور بيانات اقتصادية أمريكية قوية أشارت إلى تعافي سوق العمل والنمو، مما دعم صعود الدولار، وتسبّب في تراجع الطلب على الذهب. كما لعبت تصريحات مسؤولي الفيدرالي الأمريكي دورًا محوريًا، إذ أشاروا إلى احتمالية تشديد السياسة النقدية ورفع أسعار الفائدة، وهو ما دفع المستثمرين إلى الابتعاد مؤقتًا عن الذهب وتحويل أموالهم نحو أدوات العائد الثابت.

وبحسب البيانات، فقد انخفضت أسعار الذهب بنحو 120 دولارًا للأونصة خلال النصف الأول من العام، وهو ما مثّل خسارة نسبية للسوق، خاصة بعد أن قامت صناديق استثمارية ببيع كميات كبيرة من الذهب لتقليل المخاطر والتحوّط من الخسائر.

لكن خلال الأسابيع الأخيرة، تغير المشهد تمامًا، حيث قفز الذهب مجددًا بشكل لافت، مدعومًا بعدة تطورات سياسية واقتصادية. فقد عادت التوترات الجيوسياسية للواجهة، لا سيما بعد التهديدات المتصاعدة بين روسيا وأوكرانيا، إلى جانب المخاوف المتجددة بشأن مستقبل التصنيف الائتماني للولايات المتحدة.

وأدى قيام وكالة “موديز” بتخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة من “Aaa” إلى “Aa1″، بسبب ارتفاع الدين العام والفوائد المتزايدة، إلى زيادة المخاوف في الأسواق، وهو ما رفع من الطلب على الذهب كملاذ آمن.

وعلى الجانب الآخر، أبدى الفيدرالي الأمريكي مرونة في تصريحاته الأخيرة بشأن وتيرة رفع الفائدة، مما زاد من التوقعات بإمكانية تثبيت أو حتى خفض الفائدة خلال الشهور المقبلة. هذا السيناريو عزز من ثقة المستثمرين في الذهب، وفتح المجال أمام موجة صعود جديدة.

عالميًا، سجّل الذهب خلال تداولات اليوم تحركات طفيفة بين مستويات 3204 و3237 دولارًا للأونصة، ليستقر حاليًا عند حدود 3232 دولارًا، وسط حالة من الترقب لنتائج مفاوضات سياسية وتجارية مؤثرة. وقد ساهمت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول بدء مفاوضات فورية لوقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا في تهدئة المخاوف نسبيًا، مما قلّص من مكاسب الذهب.

وفي آسيا، ساهم قيام البنك المركزي الأسترالي والبنك المركزي الصيني بخفض أسعار الفائدة في تحفيز المستثمرين نحو الأصول عالية المخاطر، وهو ما أثّر بدوره على حركة الذهب في المنطقة.

محليًا، تأثر الذهب المصري بالحركة العرضية للسوق العالمية، حيث افتتح عيار 21 الأكثر شيوعًا تداولات اليوم عند 4540 جنيهًا للجرام، ليصل إلى 4550 جنيهًا خلال منتصف اليوم، وسط تراجع نسبي في سعر صرف الدولار مقابل الجنيه. كما شهد الذهب المحلي أمس انخفاضًا بنحو 15 جنيهًا قبل أن يغلق عند 4550 جنيهًا.

في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، أكد الدكتور هاني بشير، الخبير الاقتصادي، أن أسعار الذهب في مصر تشهد استقرارًا نسبيًا منذ مارس 2024، تماشيًا مع أداء البورصات العالمية. وأوضح أن القفزات الأخيرة التي شهدها الذهب لا ترتبط بالسوق المصرية بشكل مباشر، وإنما تعود لتقلبات الأسواق العالمية.

وأشار بشير إلى أن العوامل المؤثرة في تحرك أسعار الذهب تتعلق بشكل أساسي بآليات العرض والطلب في الأسواق العالمية، مؤكدًا أنه لا توجد دولة بعينها قادرة على التحكم في تسعير الذهب، بما في ذلك تأثير السياسة النقدية الأمريكية، التي يرى أنها لا تملك تأثيرًا مباشرًا على المعدن الأصفر.

وأضاف الخبير الاقتصادي أن العلاقة التقليدية المفترضة بين سعر الذهب وسعر الدولار لم تعد ثابتة كما في السابق، موضحًا أن الأسواق تشهد حاليًا حالة من الاستقلال النسبي في حركة الذهب عن تقلبات الدولار.

وتابع قائلاً إن الحروب والصراعات المنتشرة في بعض مناطق العالم تُحدث تأثيرًا لحظيًا على أسعار الذهب، لكنها لا تملك القدرة على تغييره على المدى الطويل، مؤكدًا أن الاتجاه العام للذهب خلال الثلاثين عامًا الماضية يسير في منحى تصاعدي.

واختتم الدكتور هاني بشير تصريحاته مشيرًا إلى أن الفضة قد تمثل منافسًا قويًا للذهب خلال الفترات القادمة.

الدكتور هاني بشير الخبير الاقتصادي