كتبت علياء الهواري
في خضم واحدة من أعقد المراحل التي يمر بها السودان منذ سقوط نظام عمر البشير عام 2019، برزت تحركات لافتة لقيادات سياسية وعسكرية تنتمي للنظام السابق في عودة مفاجئة وإن كانت محسوبة إلى المشهد العام ، هذه العودة أثارت تساؤلات واسعة حول دوافعها وتوقيتها والقوى التي تقف خلفها وتأثيرها على توازنات الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع ومستقبل الدولة الممزقة بالصراعات.
من يقود الحراك؟ خلف الكواليس التيار القديم
يرى الباحث في الشأن الإفريقي إسلام فكري نجم الدين أن عودة رموز عهد البشير لم تأتِ من فراغ بل جاءت نتيجة انهيار التحالف المدني الذي كان يحيط بالسلطة بعد الثورة وتحول عدد من القوى المدنية لدعم قوات الدعم السريع في صراعها مع الجيش. ويشير إلى أن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، باعتباره أحد القيادات العسكرية التي خدمت في عهد البشير، وجد في التيار القديم حليفًا يمكنه الاعتماد عليه، ما سهّل إعادة دمج عناصر النظام السابق في القرار السياسي والعسكري.
لماذا الآن؟ الدوافع الحقيقية لعودة رجال البشير
ويضيف الباحث أن هذه العودة لم تكن عشوائية بل جزء من تنسيق كامل بين البرهان ودوائر النفوذ القديمة، في وقت يشهد السودان فراغًا سياسيًا كبيرًا بعد تفكك التيار المدني وحاجة الجيش إلى حلفاء تاريخيين قادرين على إدارة الدولة سياسيًا ولوجستيًا في ظل الحرب. كما استغلت الشخصيات القديمة الأزمة الحالية لاستعادة نفوذها الضائع بعد الثورة، بينما تصاعد خطاب الدعم السريع الذي يتهم الجيش بأنه حامي البشير ورجاله جعل هذه العودة تبدو تأكيدًا ضمنيًا لهذا الاتهام
ويؤكد الباحث أن الانتقال من النشاط السياسي إلى الدعم الميداني والعسكري ليس مفاجئًا، بل جزء من مشروع متبادل بين رجال النظام القديم والبرهان، حيث يسعى كل طرف لتعزيز موقفه، في وقت يزداد فيه تعقيد المشهد بسبب التحالفات مع حركات مسلحة أخرى تتشارك مصالحها مع الجيش. كما يشير إلى أن الصراع السوداني لم يعد محليًا فقط بل أصبح محاطًا بشبكات دعم إقليمية معقدة، حيث يدعم حلفاء الجيش التقليديون مثل مصر والسعودية وتركيا المؤسسة العسكرية الرسمية ما يمنح عودة النظام القديم دعمًا غير مباشر، في حين يرتكز دعم قوات الدعم السريع على طموحات قيادتها وخطوط الإمداد الإقليمية والشبكات التمويلية التي توفر لها تمويلًا وتأثيرًا.
حسابات التوقيت والحرب
وتتزامن عودة رجال البشير مع تسارع انهيار مؤسسات الدولة وتصاعد نفوذ الدعم السريع في مناطق عديدة، وسط رغبة كل طرف في استعراض قوته قبل أي مسار سياسي محتمل. ويؤكد الباحث أن خطاب الدعم السريع الذي يصف الجيش بأنه عاد لحماية النظام القديم يجد صدى دوليًا، في حين يرفض البرهان أي مسار سياسي قبل استسلام قوات الدعم السريع مما يزيد من طول أمد الحرب.
التداعيات: هل يهدد المشهد الاستقرار الإقليمي؟
ويحذر الباحث من التداعيات الخطيرة لهذه العودة، حيث أن استمرار الحرب يهدد السودان بالمجاعة خاصة في مناطق الصراع، ويشكل خطرًا وجوديًا على السدود والموارد المائية، كما يؤدي إلى موجات نزوح ضخمة نحو دول الجوار مهددة الأمن الإقليمي، إضافة إلى إعادة تدوير النظام القديم وتقوية سردية الدعم السريع بأنه يقاتل من أجل الثورة، الأمر الذي قد يوسع الأزمة بدل حلها ويهدد وحدة الدولة
ويخلص الباحث إلى أن السودان يقف على مفترق طرق، وأن عودة رجال البشير ليست مجرد ظاهرة عابرة بل جزء من صراع وجودي بين مشروعين أحدهما يسعى لإعادة إنتاج النظام القديم عبر تحالفات عسكرية وسياسية والآخر يحاول إعادة تشكيل السلطة بدعم إقليمي واسع، وفي ظل تعنّت الطرفين وغياب رؤية وطنية واضحة يبقى الشعب السوداني المتضرر الأكبر، فيما تهدد المنطقة بأكملها بارتدادات خطيرة إذا لم يتم التوصل إلى مسار سياسي حقيقي ينهي الحرب ويمنع القوى القديمة والجديدة من توظيف الأزمة لمصالحها الخاصة.



