السيسي يؤكد ضرورة عودة الملاحة إلى طبيعتها في باب المندب.. رسائل مباشرة لطهران وقلق مصري من التداعيات الاقتصادية| خاص

كتب: عبد الرحمن السيد

في لقاء وصف بأنه “بالغ الأهمية” على صعيد الأمن الإقليمي، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في لقاء رسمي شهد مناقشات موسعة حول الوضع في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، إلى جانب عدد من الملفات الإقليمية الساخنة.

وخلال اللقاء، شدد الرئيس السيسي بوضوح على ضرورة عودة الملاحة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر إلى طبيعتها، معتبرًا أن ضمان حرية وأمن الملاحة ليس شأنًا محليًا أو إقليميًا فحسب، بل هو مسؤولية دولية ترتبط بالاستقرار الاقتصادي والتجاري العالمي.

دلالات سياسية وعسكرية وراء الرسالة المصرية

في هذا السياق، فسر اللواء حمدي بخيت، الخبير الاستراتيجي وعضو مجلس النواب الأسبق، رسالة الرئيس السيسي بأنها “إشارة مباشرة إلى مسؤولية إيران عن اضطرابات الملاحة”، نتيجة دعمها الصريح للحوثيين في اليمن، الذين يقفون وراء الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.

وقال بخيت في تصريح خاص لـ نافذة الشرق: “الرئيس لم يسمِّ إيران بشكل مباشر، لكنه عندما يتحدث عن ضرورة عودة الملاحة لطبيعتها، فإنه يشير ضمنيًا إلى الجهة التي تعطل هذه الملاحة، وهي إيران عبر وكلائها الحوثيين. التنظيم هذا لا يؤدي لأي نتيجة إيجابية للمنطقة، بل يُلحق الضرر بالتجارة العالمية والمصالح الإقليمية.”

وأشار بخيت إلى أن الضربات الحوثية التي تستهدف بعض السفن المرتبطة بإسرائيل، رغم ما تحمله من شعارات سياسية، تؤدي عمليًا إلى تعطيل حركة التجارة الدولية، ما يتسبب في سلسلة من التداعيات السلبية الاقتصادية تمتد من آسيا حتى أوروبا، مرورًا بقناة السويس ومصر.

وتابع بخيت موضحًا: “زمن الإبحار ارتفع، كلفة النقل ارتفعت، والتزامات المصانع والشركات تعثرت، وهذه مشكلة معقدة لها تداعيات كبيرة. مصر عندما تتحدث في هذا الإطار فهي لا تدافع عن مصلحتها فقط، بل عن مصلحة العالم. وهذا ما يجعل موقفها منطقيًا ومقبولًا دوليًا.”

وأكد الخبير العسكري أن حل مشاكل البحر الأحمر يبدأ من حل المشكلة الفلسطينية، لأنها “جذر الصراع” في المنطقة، متهمًا الولايات المتحدة بأنها تستخدم الصراعات الإقليمية كوسيلة لخلق “بيئة من الفوضى تخدم مصالحها الاستراتيجية”.

قناة السويس أول المتضررين.. وضغط على النقد الأجنبي

من جانبه، قال النائب طارق السيد، عضو لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس النواب، إن الاضطرابات الجارية في البحر الأحمر وباب المندب تركت أثرًا مباشرًا على حركة الملاحة في قناة السويس، وهو ما انعكس على الإيرادات المصرية من المجرى الملاحي، الذي يعد أحد أهم مصادر النقد الأجنبي.

وأوضح السيد، في تصريحات خاصة لـ نافذة الشرق،: “لاحظنا بالفعل انخفاضًا في عدد السفن العابرة خلال الشهور الماضية نتيجة لجوء بعض الشركات الكبرى إلى طرق بديلة مثل رأس الرجاء الصالح. هذا التراجع في العبور يؤثر على الإيرادات الدولارية لمصر، ويمثل ضغطًا إضافيًا على ميزان المدفوعات، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي نواجهها.”

وأضاف أن استمرار اضطراب الملاحة يهدد الأمن الاقتصادي لمصر على أكثر من صعيد، مشيرًا إلى أن القناة لا توفر فقط دخلًا مباشرًا من رسوم العبور، بل تمثل ركيزة لمكانة مصر في سلاسل التوريد العالمية.

التأمين والنقل.. دوامة جديدة من التكاليف

وأشار النائب إلى أن إحدى أبرز المشكلات الناتجة عن الوضع الراهن هي ارتفاع تكلفة التأمين البحري والشحن، حيث تؤدي التهديدات الأمنية المستمرة إلى رفع الأسعار التي تتحملها الشركات، وبالتالي يتحملها المستهلك في النهاية.

وقال: “مصر تعتمد بشكل كبير على الاستيراد في قطاعات حيوية مثل الغذاء والطاقة والمواد الخام. ومع ارتفاع تكاليف التأمين، ترتفع أسعار السلع، ويزداد العبء على فاتورة الاستيراد، ما ينعكس في النهاية على الأسعار المحلية ومعدلات التضخم.”

وأكد السيد أن هذا الوضع يشكل تحديًا مباشرًا للسياسات الاقتصادية، خاصة في ظل جهود الدولة لكبح التضخم وتخفيف العبء عن المواطنين.

المخاوف الاستثمارية.. والرسالة الإقليمية الأوسع

لم تقتصر تداعيات اضطراب الملاحة على الشق المالي فقط، بل امتدت إلى المناخ الاستثماري في المنطقة ككل. فبحسب النائب طارق السيد، فإن أي تهديد دائم للممرات التجارية الكبرى يؤثر على قرارات المستثمرين، خاصة في القطاعات الحساسة مثل الطاقة، والبتروكيماويات، واللوجستيات.

وأوضح السيد أن التأخير في سلاسل التوريد وتزايد المخاطر الأمنية في البحر الأحمر يجعلان من الصعب التوسع الاستثماري في الموانئ والمناطق الصناعية القريبة من تلك الممرات، وهو ما يُضعف من تنافسية المنطقة، خاصة في مواجهة ممرات بديلة في آسيا أو أوروبا.

وأكد: “رسالة مصر في هذا التوقيت ليست فقط لحماية مصالحها، وإنما للدفاع عن استقرار التجارة الدولية، وهذا يعزز من مكانتها الإقليمية والدولية.”

القاهرة وطهران.. حوار في لحظة حساسة

زيارة وزير الخارجية الإيراني للقاهرة جاءت في توقيت بالغ الحساسية، حيث يتزامن تصاعد التوترات في البحر الأحمر مع تحولات استراتيجية على مستوى الإقليم، منها توسع إيران في نفوذها عبر وكلاء إقليميين، ومحاولات بعض الدول، بما فيها مصر، إعادة ترتيب أوراق الأمن الإقليمي عبر الحوار بدلًا من الصراع المفتوح.

وتحاول مصر أن توازن بين حفظ أمنها القومي والقيام بدور الوسيط الإقليمي المسؤول، وهو ما تجلى في لغة السيسي خلال اللقاء، حيث لم تكن الرسائل موجهة بالتصعيد، بل بالعقلانية والدعوة لتحمل المسؤولية المشتركة في حماية أمن الممرات الدولية.

أزمة لا تهم مصر وحدها

ما شدد عليه الرئيس السيسي في لقائه بالوزير الإيراني يتجاوز المصالح الوطنية، ليعبر عن قلق دولي متزايد من تحوّل البحر الأحمر إلى ساحة اشتباك مزمن، بما يحمله ذلك من تهديد مباشر لسلاسل الإمداد والطاقة والاقتصاد العالمي.

وإذا كانت مصر ترفع صوتها الآن، فليس فقط لحماية قناة السويس، بل لتذكير الجميع بأن أمن باب المندب ليس ورقة ضغط أو ورقة مساومة سياسية، بل شرط أساسي لاستقرار العالم.