هـل ينجح “وتكوڤ” في إعادة الهدوء للشرق الأوسط ؟
هـل أصبحت إسرائيل عبئًا على أبناء العم سام ؟
تـحـلـيـل – أحـمـد إمـام
تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل مؤخرًا حالة من التفاعل المعقد بين الدعم الاستراتيجي التقليدي والاعتبارات السياسية الجديدة، وذلك في ظل تغير الإدارة الأمريكية، وموجات التوتر المتصاعدة في الشرق الأوسط، واشتداد المنافسة الدولية بين القوى الكبرى، وبينما تستمر إسرائيل في تأكيد حقها في “الدفاع الاستباقي” لا سيما تجاه إيران، تُظهر واشنطن توازنًا دقيقًا بين الوفاء بتحالفاتها والحفاظ على مصالحها الأوسع نطاقًا في المنطقة والعالم.
تحالف قديم بثوب جديد
مع عودة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في يناير 2025 بعد فوز الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بدا واضحًا أن اللهجة الأمريكية تجاه قضايا الشرق الأوسط قد تغيرت، وإن بقيت ركائز السياسة الأمريكية كما هي، فالبيت الأبيض الجديد أعاد التأكيد على “الالتزام المطلق بأمن إسرائيل”، وواصل التنسيق العسكري والدعم الاستخباراتي، لكنه في الوقت ذاته بدأ بفرض مزيد من الضوابط على التحركات المنفردة لحكومة بنيامين نتنياهو.
وبحسب مصادر دبلوماسية مطلعة، فإن اللقاءات الأولى بين كبار مستشاري الأمن القومي الأمريكي والإسرائيلي بعد تسلم الإدارة الجديدة، اتسمت بالصراحة الحادة لا سيما بشأن “الخطوط الحمراء” المرتبطة بالملف الإيراني، ومحاذير توجيه ضربة إسرائيلية قد تؤدي إلى إشعال المنطقة بأكملها.
تهديدات إسرائيلية بضرب إيران وتحفّظ أمريكي
من جانبه، واصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأشهر الأخيرة تصعيد لهجته ضد طهران، مكرّرًا تصريحاته بأن إيران تقترب بشكل خطير من العتبة النووية، وأن الانتظار لم يعد خيارًا، وأكد في أكثر من مناسبة أن إسرائيل “لن تنتظر الضوء الأخضر من أحد” إذا ما رأت أن أمنها القومي بات مهددًا، وقد زاد من حدة الأمور مؤخرًا أوامر حكومة نتنياهو برفع درجة الجاهزية في الجيش الإسرائيلي تحسبًا لتوجيه ضربة عسكرية محتملة لإيران !
وفي المقابل، أبدت الإدارة الأمريكية الجديدة حذرًا بالغًا تجاه هذه التصريحات، وأكدت في تصريحات رسمية متكررة أنها “تتفهم مخاوف إسرائيل”، لكنها تفضل العمل عبر القنوات الدولية والوسائل الدبلوماسية لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي.
تخوفات الكونجرس
وفي جلسة استماع بالـكونجرس الأمريكي مطلع مايو الجاري، قال وزير الدفاع الأمريكي إن “أي عمل عسكري غير منسق ضد إيران قد يؤدي إلى تداعيات كارثية”، مشددًا على أن واشنطن لا تزال تؤمن بإمكانية الضغط على طهران عبر العقوبات والتحالفات الدولية، دون اللجوء إلى القوة أولًا.
محاولات جمح الحليف
تعكس هذه التصريحات منهجًا جديدًا في إدارة العلاقة مع إسرائيل يتسم بالمرونة من دون تخلٍ عن المبادئ، لكنه يرفض الانجراف وراء قرارات قد تُصاغ بناء على اعتبارات داخلية إسرائيلية، أو أهداف سياسية محدودة الأفق.
ويقول مراقبون إن نتنياهو يسعى من خلال التصعيد ضد إيران إلى ترميم شعبيته داخليًا بعد أزمات سياسية متلاحقة، إضافة إلى توحيد صفوف الحكومة اليمينية التي تواجه انتقادات متصاعدة في الداخل الإسرائيلي، خاصة بشأن الملفات الاجتماعية والأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
حسابات جديدة
يرى الدكتور محمود عبد الخالق أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، أن التحالف الأمريكي – الإسرائيلي ما زال قائمًا من حيث الجوهر، لكنه لم يعد يقوم على التسليم المطلق.
ويضيف “عبد الخالق” أن الإدارة الأمريكية الجديدة، وإن كانت جمهورية وقريبة تقليديًا من إسرائيل، إلا أنها أكثر إدراكًا لتعقيدات الملف الإيراني من أن يُترك في يد تل أبيب فقط.
مشيرًا إلى أن واشنطن الآن تحاول موازنة علاقتها مع إسرائيل من جهة، ومع حلفائها العرب من جهة أخرى، إضافة إلى تقليل انخراطها العسكري المباشر في المنطقة لصالح التركيز على المحاور الكبرى في آسيا وأوروبا.
وأكد على أن الملف الإيراني لم يعد مجرد خلاف أمريكي – إسرائيلي، بل أصبح جزءًا من شبكة توازنات دولية تشمل روسيا، والصين، وتركيا، وهو ما يتطلب من واشنطن تحركًا دبلوماسيًا معقدًا لا مكان فيه للمغامرات العسكرية غير المحسوبة.
حلف استراتيجي تحت مجهر الواقع الدولي
رغم استمرار التعاون في مجالات الدفاع والتكنولوجيا والتبادل الاستخباراتي، يلاحظ المتابعون أن الولايات المتحدة باتت تستخدم أدوات ضغط أكثر دبلوماسية لتوجيه سياسات تل أبيب، خاصة في ظل التقارب الإيراني – الروسي، وتنامي النفوذ الصيني في المنطقة من خلال مبادرات استثمارية واستراتيجية واسعة.
كما أن الانقسام داخل المجتمع الأمريكي نفسه بشأن مدى الدعم غير المشروط لإسرائيل، وخاصة بين أوساط الشباب والليبراليين، بدأ يلقي بظلاله على شكل العلاقة الرسمية، وإن بقيت في إطار الدعم المؤسسي القوي.
إعادة تقييم التحالف
تعيش العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية حاليًا ما يمكن تسميته بـ”مرحلة إعادة التقييم، إذ لم تعد مجرد علاقة تحالف جامدة، بل أصبحت شراكة مرنة تخضع لضرورات الواقع الدولي الجديد، وحسابات كل طرف على حدة.
ورغم أن الولايات المتحدة لا تزال تعتبر إسرائيل شريكًا إستراتيجيًا لا غنى عنه، فإنها تسعى اليوم إلى تجنيب نفسها الدخول في نزاعات مفتوحة، ما يدفعها إلى ضبط إيقاع هذا التحالف التقليدي بما يتناسب مع عالم متغير تتقدم فيه ملفات الاقتصاد، والمنافسة التكنولوجية، والدبلوماسية متعددة الأطراف، على سياسات التدخل العسكري المباشر.
وثيقة “وتكـوڤ” محاولة لـكبح التصعيد
في خضم هذه التوترات، برز تطور لافت تمثّل في إعلان إسرائيل قبولها لمقترح هدنة جديد تقدمت به الإدارة الأمريكية عبر مبعوثها الخاص للشرق الأوسط “ستيڤ وتكوڤ” في إطار جهود واشنطن لكبح التصعيد في غزة وإعادة ضبط إيقاع التوترات المتزايدة في الإقليم.
الوثيقة التي عُرفت إعلاميًا باسم “وثيقة وتكوڤ” وتطرح صيغة هدنة مؤقتة تشمل وقفًا لإطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، إضافة إلى إطار محتمل لتبادل الأسرى وضمانات دولية لمراقبة تنفيذ بنود الاتفاق.
وقد رحّبت أطراف إقليمية بالمبادرة، فيما أبدت حماس “انفتاحًا مشروطًا” على دراستها، دون إعلان قبول رسمي حتى اللحظة، رغم أن الوثيقة لا تتطرق بشكل مباشر للملف الإيراني، إلا أن توقيت طرحها يعكس رغبة أمريكية في تهدئة ساحات التوتر الفرعية في غزة والضفة، ما يتيح لواشنطن هامشًا أوسع للتحرك دبلوماسيًا في مواجهة التصعيد مع إيران دون ضغوط ميدانية متعددة الجبهات.
ويرى محللون أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تحاول من خلال وثيقة “وتكوڤ” التأكيد على أن الانخراط الأمريكي في المنطقة لا يزال قائمًا، لكنه يأخذ أشكالًا جديدة تعتمد على الأدوات السياسية والدبلوماسية أكثر من الحضور العسكري المباشر لأبناء العم سام.