زيارة ترامب تنتهي.. وقمة بغداد تبدأ تحت ضغط الغياب الفلسطيني
كتب – عبد الرحمن السيد
في توقيت بالغ الحساسية، جاء تحرك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيارته إلى منطقة الخليج، متنقلاً بين السعودية والإمارات وقطر، ليضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى مشهد عربي مشحون بالتوترات الجيوسياسية. فبينما تتجه أنظار العالم العربي نحو بغداد، حيث تُعقد القمة العربية في ظل أزمات مستفحلة في غزة والسودان وليبيا واليمن، تطفو زيارة ترامب إلى واجهة التحليل السياسي، لتثير تساؤلات حول توقيتها الذي سبق القمة بساعات، ومغزاها، خصوصًا في ظل الغياب التام لأي حديث عن القضية الفلسطينية، التي تحترق بنيران العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.
في هذا السياق، تحدث اللواء سمير فرج، المفكر الاستراتيجي والعسكري، إلى “نافذة الشرق”، حيث قدّم قراءة شاملة للمشهد، مشددًا على تعقيد الوضع الإقليمي، ومحذرًا من الإفراط في التوقعات بخصوص نتائج القمة العربية المرتقبة في بغداد.
يقول فرج:”لا أحد يمكن أن يتوقع شيء فيما يخص قمة بغداد لأن الموقف ملتهب ومتشعب، فمن الصعب أن نقول توقعات.”
ويشير تصريح “فرج” إلى إعلان إحدى الدول عدم الحضور لقمة بغداد إذا حضرت السودان، إلى واقعًا مأزومًا، تُصارع فيه الدول العربية للحفاظ على الحد الأدنى من التضامن السياسي، في وقت تتباين فيه الأولويات وتتصارع فيه المصالح.
ويتابع: “لكن نأمل أن تغطي القمة العربية في بغداد كل المشاكل الموجودة، وعلى رأسها أن نكرر المواقف الثابتة في المؤتمر الطارئ، الخاص برفض التهجير وإعادة تعمير غزة، وخروج القوات الإسرائيلية من غزة.”
قمة بغداد: اختبار للمواقف الثابتة أم تدوير للأزمات؟
وذكر اللواء سمير فرج أن انعقاد القمة العربية في العاصمة العراقية بغداد يأتي وسط تحديات غير مسبوقة تمر بها المنطقة العربية. ففي غزة، يعيش الفلسطينيون تحت وطأة عدوان دموي مستمر، خلّف آلاف الشهداء والمصابين، وأدى إلى تهجير مئات الآلاف وسط دمار شامل. أما في السودان، فالحرب الأهلية بين الجيش وميلشيات الدعم السريع تدخل منعطفًا خطيرًا مع تزايد أعداد القتلى وانهيار البنية التحتية للدولة. وفي ليبيا، لا تزال الانقسامات مستمرة والصراعات قد اندلعت مجددا ، بينما يشهد اليمن تدهورًا إنسانيًا مستمرًا وسط انسداد في أفق الحل السياسي.
وفي خضم هذه التحديات، يرى اللواء فرج أن من المهم ألا تكتفي القمة بإصدار بيانات إنشائية، بل أن تخطو نحو الفعل السياسي الجاد.
يضيف: “كذلك نأمل في مراجعة ومتابعة الظروف الحالية والموقف في ليبيا والسودان واليمن، فكلها أمور تحتاج حسم في الفترة المقبلة.”
ترامب في الخليج: زيارة بلا فلسطين؟
وانتقد اللواء سمير فرج “التجاهل الفج” للملف الفلسطيني خلال هذه الزيارة، خاصة مع تصاعد العدوان على غزة وغياب أي دعوة حقيقية لوقف إطلاق النار أو دعم الحقوق الفلسطينية.
وأعرب اللواء سمير فرج عن استغرابه الشديد من هذا التجاهل، مؤكدًا أن هذا الصمت الأميركي يعكس انحيازًا واضحًا، ويضع الدول العربية أمام مسؤوليات مضاعفة.
يقول فرج:”فيما يخص زيارة ترامب إلى الخليج وتأثيرها على القمة في بغداد.. فلن تكون لها انعكاسات، ولكن من الممكن أن تحاول تضغط دول الخليج لتلافي أي سلبيات حدثت من زيارة ترامب للخليج.. لأن الزيارة لم تتطرق إطلاقًا لما يحدث في غزة وتركت سوريا.. أين سوريا.. التي من الممكن أن تنتظر أمام العقوبات.. أما غزة التي تعاني من عدوان وقتل وتجويع وتهجير أين هي؟”.
ويضيف بنبرة غاضبة: “استنكر عدم طرح القضية الفلسطينية.. القضية الفلسطينية لم تطرح على مائدة الزيارة الخليجية، لأن نتنياهو رفض تنفيذ وقف إطلاق النار…”
دلالات الغياب.. وحسابات ما بعد القمة
غياب القضية الفلسطينية عن أجندة زيارة ترامب ليس مجرد صدفة دبلوماسية، بل هو انعكاس لتحولات عميقة في أولويات بعض العواصم العربية. ففي السنوات الأخيرة، تسارعت وتيرة التطبيع مع إسرائيل في إطار ما عُرف بـ”اتفاقيات أبراهام”، وتراجع الحضور الفلسطيني في المحافل الدولية والعربية، لصالح ملفات أكثر “براغماتية” في نظر بعض الأنظمة، كالاستثمار والتقنيات والدفاع.
وفي هذا السياق، تُطرح تساؤلات حول مدى قدرة القمة العربية المقبلة في بغداد على إعادة توجيه البوصلة العربية نحو مركزية القضية الفلسطينية، وسط ضغوط دولية وتقاطعات إقليمية حادة.
وأكد أن زيارة ترامب إلى الخليج، وتجاهله الصارخ للقضية الفلسطينية، تضع القمة العربية في مأزق أخلاقي وسياسي. فإما أن تختار الأنظمة العربية مجددًا لغة البيانات المكررة، أو تُقدم على خطوات جريئة تعيد الاعتبار لأولويات الشعوب، وعلى رأسها فلسطين.
هذا، ويعتزم قادة الدول العربية إقرار «إعلان بغداد» في ختام القمة العادية الـ34، والذي تضمن عدة قضايا عربية وإقليمية، على رأسها القضية الفلسطينية، بحسب مسودة الإعلان.
القضية الفلسطينية تتصدر «إعلان بغداد»
وقد أتت القضية الفلسطينية على رأس «إعلان بغداد»، الذي أكد مجدداً «مركزية القضية الفلسطينية»، وطالب بالوقف الفوري للحرب في غزة، وحث المجتمع الدولي، ولا سيما الدول ذات التأثير، على «تحمل مسئولياتها الأخلاقية والقانونية للضغط من أجل وقف إراقة الدماء، وضمان إدخال المساعدات الإنسانية العاجلة دون عوائق إلى جميع المناطق المحتاجة في غزة».
ودعا «إعلان بغداد» جميع الدول لتقديم الدعم السياسي والمالي والقانوني للخطة العربية – الإسلامية المشتركة بشأن إعادة الإعمار والتعافي المبكر في غزة التي اعتمدتها القمة العربية الطارئة بالقاهرة، في مارس الماضي، ووزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في الشهر نفسه بجدة.
ورحب الإعلان بالمقترحات والمبادرات التي تقدمت بها الدول العربية لإنشاء صندوق لإعادة إعمار غزة، مشددًا على أهمية التنسيق المشترك للضغط باتجاه فتح جميع المعابر أمام إدخال المساعدات الإنسانية لجميع الأراضي الفلسطينية.
كما دعا إلى تسوية سلمية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية، مؤيداً دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لعقد مؤتمر دولي للسلام، واتخاذ خطوات لا رجعة فيها لتنفيذ حل الدولتين، وفق مبادرة السلام العربية، وقرارات الشرعية الدولية.
وطالب بـ«نشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة» في الأرض الفلسطينية المحتلة إلى حين تنفيذ حل الدولتين، كما دعا مجلس الأمن الدولي لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ حل الدولتين.