عبد الرحمن السيد
في ظل ما يشهده الإقليم من اضطرابات وتحولات متسارعة، جاء اللقاء الذي جمع الرئيس عبد الفتاح السيسي بوزير خارجية إيران ليطرح تساؤلات عدة حول مستقبل العلاقات الإقليمية، وخريطة التحالفات، وحدود التفاهمات غير المعلنة في الملفات الحساسة كالاتفاق النووي، والبحر الأحمر، والوضع في غزة.
في هذا السياق، أجرينا في موقع نافذة الشرق هذا الحوار مع اللواء مجدي شحاتة، الخبير العسكري والاستراتيجي، الذي قدّم رؤية تحليلية متعمقة لما دار في الكواليس، وحجم التحولات الجارية، والدور المصري وسط هذا الزخم الإقليمي والدولي.
وأكد اللواء مجدي شحاتة أن اللقاء بين الرئيس السيسي ووزير خارجية إيران لا يمكن التعامل معه كحدث بروتوكولي عابر، بل هو تحرك استراتيجي مدروس يحمل رسائل إقليمية ودولية واضحة، خاصة في ظل التوترات المتعلقة بالاتفاق النووي الإيراني وملف غزة، موضحًا أن نتائج هذا اللقاء – وإن لم تُعلن بالكامل – سيكون لها انعكاسات مهمة على خريطة التحالفات في المنطقة.
وأضاف شحاتة أن مصر لا تتحرك في فراغ، بل تدير سياستها الخارجية من منطلق التوازن والتنسيق مع القوى الإقليمية الكبرى كتركيا وإيران، مشيرًا إلى أن “البعبع” الإقليمي الذي كانت تمثله بعض الأطراف بدأ في التراجع، وأن هناك تقاربًا ضروريًا بين مراكز الثقل العربي والإسلامي لتأمين المصالح المشتركة وكبح التدخلات الخارجية، وعلى رأسها التحركات الأمريكية والإسرائيلية في البحر الأحمر والمنطقة ككل.
وإلى نص الحوار كاملا:
كيف تقيّم لقاء الرئيس السيسي مع وزير خارجية إيران؟
اللقاء مهم للغاية، ويحمل بين طياته أكثر بكثير مما قيل في البيانات الرسمية. نحن نتحدث عن توقيت حساس يمر فيه العالم بأزمات على مختلف الجبهات: النووي الإيراني، الحرب في غزة، التوتر في البحر الأحمر، والتنافس التركي الإيراني العربي على النفوذ.
هناك رسائل متبادلة وتحليلات دقيقة تجري خلف الكواليس، ومصر ليست مجرد طرف مستقبِل، بل دولة مركزية لها كلمتها، ولها دور في صياغة المسار العام للمنطقة. اللقاء يشير إلى تنسيق وتحولات مهمة، وربما بداية اختفاء “البعبع الإيراني” الذي طالما تم استخدامه كفزاعة في الإقليم.
- برأيك.. هل لهذا اللقاء علاقة بمفاوضات الاتفاق النووي؟
بالطبع. توقيت اللقاء لا يمكن فصله عن المفاوضات النووية، خاصة أن إيران بدأت تتصرف بشكل يوحي بأن دعمها لغزة أداة ضغط تفاوضية. لا أستطيع الجزم إن كانت تحركاتها الأخيرة في غزة مجرد جزء من استراتيجية تفاوض نووي، أم أن هناك أهدافًا أعمق. ما هو مؤكد أن التنسيق بين القوى الإقليمية، ومنها مصر وإيران وتركيا، أصبح ضروريًا، وهناك إشارات متزايدة على أن التفاهمات قادمة.
س: كيف ترى مستقبل الملاحة في البحر الأحمر في ظل التهديدات المستمرة؟
الوضع في البحر الأحمر معقد، لكنه في جوهره متعلق بالمصالح. الكيانات الاقتصادية الكبرى تبحث عن بيئة آمنة، وليس عن شعارات أو تحالفات أيديولوجية. ما يحدث هو أن هناك تنسيقًا — غير مُعلن في كثير من الأحيان — بين قوى كبرى، وعلى رأسها أمريكا، وبين إيران.
إيران تطلق صاروخًا، تُظهر إسرائيل أنها ترد، ولكن الهدف غير المباشر يكون مصر أو أي طرف عربي آخر. نحن أمام لعبة صهيونية عالمية تديرها واشنطن، والإقليم يُستخدم كورقة ضغط في ملفات أكبر.
هل تعتقد أن إسرائيل باتت تأخذ مساحة أكبر من إيران في المشهد الإقليمي؟
أنا أراه تمثيلًا مسرحيًا منظمًا. إسرائيل كانت من أوائل الداعمين غير المعلنين لإيران — نعم، هذا قد يبدو صادمًا — لكنها الحقيقة. الواجهة تقول إنهم أعداء، لكن الواقع أن هناك مصالح استراتيجية مشتركة: إسرائيل تستفيد من بقاء إيران كنموذج للفزاعة، وإيران تستفيد من لعب دور “المقاومة” في الإقليم.
من له اليد العليا في هذه المعادلة، إيران أم إسرائيل؟
لا هذا ولا ذاك. اليد العليا هي لأمريكا. هي من تملك الكلمة الأولى والأخيرة، وهي التي تقرر متى يبدأ الصراع ومتى ينتهي. كل الأطراف الإقليمية تتحرك في إطار المسموح به أمريكيًا، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
في ظل هذا الصراع الكبير.. هل تقف مصر وحدها؟
نعم، مصر أصبحت الصوت العربي الوحيد الثابت في الدفاع عن الشعب الفلسطيني. لا أحد آخر يملك هذا الثبات أو الشجاعة السياسية في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. ظهر ذلك بوضوح في قمة جامعة الدول العربية ببغداد، من خلال حجم التمثيل المصري والكلمة التي ألقاها الوفد المصري.
الدول الأخرى إمّا منشغلة بمصالحها الداخلية، أو مهادنة لقوى خارجية. أما مصر، فتمسك بالعصا من المنتصف: لا تفرّط في المبادئ، ولا تنسحب من الساحة السياسية، وتحاول أن توازن بين الملفات.
متى تتوقف الحرب في غزة؟
حين تقرر أمريكا ذلك. هذه الحقيقة المؤلمة. الحرب ليست بيد إسرائيل، ولا حتى بيد فصائل المقاومة. الولايات المتحدة هي من تدير اللعبة، سواء عبر صمتها، أو تحريكها لحلفائها، أو عبر أدواتها في مجلس الأمن. وعندما تقرر واشنطن أن اللعبة انتهت، ستتوقف الحرب.
في ظل هذه المعادلة المعقدة.. هل ترى أن هناك أملًا في تغيير قواعد اللعبة؟
نعم، وأعتقد أن اللقاء الأخير بين مصر وإيران جزء من محاولة التغيير. هناك جهود من أطراف متعددة لإعادة رسم خريطة الإقليم بشكل يراعي المصالح المشتركة ويقلل من حدة الاستقطاب. مصر، بما لها من علاقات متوازنة مع الغرب والشرق، يمكن أن تكون “الضامن” لأي معادلة إقليمية جديدة.
ما المطلوب من الدولة المصرية في هذه المرحلة؟
الاستمرار في المسار ذاته: تثبيت الداخل، تنشيط أدوات الردع، والاستثمار في أدوات القوة الناعمة والدبلوماسية الذكية. نحن لسنا بحاجة إلى أن نصرخ، بل أن نعمل بهدوء، وأن نحافظ على استقلالية قرارنا، وهو ما تقوم به القيادة السياسية حاليًا بكفاءة عالية.