كتبت بسمة هاني
تشهد مدينة لوس أنجلوس تصاعداً غير مسبوق في احتجاجات المهاجرين، وسط توتر داخلي يعكس عمق الأزمة الحقوقية في الولايات المتحدة. وبين أصوات الغضب الشعبي وتحركات الشرطة، يبرز سؤال جوهري: هل لا تزال أمريكا قادرة على صون مبادئ الحرية والعدالة؟
قال الدكتور عبد الله نعمة، دكتور العلاقات الدولية والباحث الاستراتيجي والمحلل السياسي اللبناني، في حديث خاص لموقع نافذة الشرق، إن الاحتجاجات الأخيرة التي اجتاحت مدينة لوس أنجلوس لم تكن وليدة لحظة عابرة، بل جاءت نتيجة تراكمات طويلة من السياسات المتشددة تجاه المهاجرين، خاصة مع تصاعد المداهمات التي تنفذها شرطة الهجرة في أماكن العمل، والمؤسسات التعليمية، بل وحتى دور العبادة.
وأشار إلى أن ساعة الصفر بدأت عندما نُشر مقطع مصوّر لاعتقال أحد المهاجرين داخل مدرسة ابتدائية أمام أعين الأطفال والمعلمين، مما أثار غضباً شعبياً واسعاً، وتحوّل إلى نداء احتجاجي عابر للجاليات.
من يقود الحراك؟ دعوات من تحت الرماد
وأوضح نعمة أن الاحتجاجات لم تكن منسقة من جهة واحدة بعينها، بل جاءت استجابة تلقائية من عدة أطياف اجتماعية وحقوقية، وعلى رأسها منظمات مدنية تُعنى بحقوق الإنسان والمهاجرين.
وأضاف: لا يمكن حصر هذا الحراك في إطار حزبي أو أيديولوجي ضيق، بل هو امتداد لغضب شعبي واسع يرى في القوانين الحالية تهديداً مباشراً لكرامته وأمنه الشخصي.
كما لفت إلى أن الدعوات للتظاهر خرجت بدايةً من نشطاء محليين على وسائل التواصل الاجتماعي، وتبعتها منظمات مثل “صوت من أجل العدالة” و”حياة المهاجرين تهم، وهو ما يعكس الطابع القاعدي والعفوي للحراك.
هل هي أزمة داخلية أم مؤشر على تحول عالمي؟
وأكد نعمة أن هذه الموجة من الاحتجاجات تحمل دلالات أوسع من مجرد خلافات محلية داخلية، وقال:
العالم يراقب الآن بقلق بالغ الانحرافات التي باتت تميز السياسة الأمريكية، سواء في الداخل أو الخارج.
هذه ليست مجرد مظاهرات في شوارع لوس أنجلوس، بل هي تعبير عن أزمة هوية تمر بها دولة تدّعي قيادة النظام العالمي.
وأضاف أن التوتر الداخلي الأمريكي يتقاطع مع تحولات جيوسياسية كبرى، حيث تحقق الصين تقدماً استراتيجياً في عدة ملفات، وتستخدم بذكاء أدوات الاقتصاد والسياسة لتقويض الهيمنة الأمريكية.
ترامب: ازدواجية الخطاب الأمريكي
وأشار نعمة إلى تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي هاجم فيها الإدارة الحالية، قائلاً:
أين هي حقوق الإنسان التي تتحدث عنها أمريكا يومياً في مؤتمراتها؟ ما يحدث في لوس أنجلوس هو نموذج صارخ للفجوة بين الخطاب والواقع.
وشدد على أن ما نشهده اليوم هو بلطجة مقننة وليست ممارسات قانونية، مضيفاً:
أن تُداهم الشرطة مسجداً أو كنيسة أو مدرسة لمجرد الشك في أوراق أحد المهاجرين، هو قمع، لا عدالة. الأمن الحقيقي لا يتحقق بالقوة، بل بالعدل والحرية واحترام كرامة الإنسان.
أمريكا وازدواجية المواقف الدولية
ونوه نعمة في حديثه إلى المفارقة الكبرى في السياسات الأمريكية الدولية، مشبهاً ما يجري في لوس أنجلوس بما يحدث في مجلس الأمن عند مناقشة قضايا فلسطين، وقال:
الولايات المتحدة التي ترفع شعار الحرية والديمقراطية هي نفسها التي تستخدم الفيتو لحماية الاحتلال، وكأن ملايين الفلسطينيين لا وجود لهم.
وشدد على أن ما يحصل في الداخل الأمريكي ليس سوى انعكاس لصورة عالمية أكبر، تعكس تآكلاً في القيم التي لطالما ادعت أمريكا تمثيلها.
من يصون الكرامة؟
وختم نعمة حديثه قائلاً:
لا يمكن لأي قوة خارجية أن تحافظ على كرامة شعوبنا أو سيادتنا.
هذه مسؤولية الحكومات العربية التي يجب أن تنحاز إلى شعوبها، لا أن تقف ضدها.
وأكد أن الأمن الحقيقي لا يأتي من العسكرة أو فرض السيطرة، بل من احترام الإنسان، بغض النظر عن دينه أو أصله أو جنسيته.
وأضاف: آن الأوان لأن نستيقظ وندرك أن الكرامة لا تُمنح، بل تُنتزع من خلال الوعي، والمشاركة، وصوت الشعب.