عبد الرحمن السيد
لطالما كان تمثيل المرأة في البرلمانات موضع جدل بين من يراه تمثيلًا شكليًا تفرضه نصوص دستورية وقوانين انتخابية، ومن يعتبره إنجازًا حقيقيًا في مسار تمكين المرأة سياسيًا. ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية الجديدة، يعود السؤال إلى الواجهة: هل يشهد البرلمان المقبل تمثيلًا حقيقيًا للمرأة المصرية، أم نشهد تكرارًا لسيناريو “الكوتة الشكلية”؟
تطور تمثيل المرأة بين الماضي والحاضر
في الدورات السابقة، ارتفع عدد النائبات داخل قبة البرلمان بدرجة ملحوظة بفضل نظام الكوتة، الذي نص عليه الدستور المصري في المادة 102، ملزمًا بتخصيص ربع عدد مقاعد مجلس النواب للمرأة، أي ما لا يقل عن 25%. هذا التخصيص القانوني أتاح مساحة مهمة للنساء في العمل النيابي، لكنه في كثير من الأحيان جُوبه بانتقادات تتعلق بالشكل دون الجوهر.
وتعليقًا على هذه الإشكالية، تؤكد النائبة أميرة بهاء أبو شقة، عضو مجلس النواب عن حزب الوفد، أن “التمثيل النسائي في الفترات السابقة كان شكليًا”، مضيفة أن النسب كانت تُستوفى فقط لـ”استكمال الصورة”. غير أن الواقع الآن تغير، بحسب تعبيرها، فالمرأة باتت فاعلة حقيقية في المشهد السياسي، سواء داخل المجالس النيابية أو في مواقع تنفيذية مهمة كالقضاء والوزارات.
نجاحات نسائية ملموسة
وتشير أبو شقة، في تصريحات خاصة لـ نافذة الشرق إلى أن نجاح المرأة لم يعد فرديًا أو استثنائيًا كما في الماضي، بل أصبح مؤسسيًا ومنظمًا، مؤكدة أن المرأة اليوم قادرة على مناقشة القوانين والتعديلات بنفس الكفاءة والحيادية التي يناقش بها الرجل. وتضيف: “نحن أمام فكر سياسي لا يكتمل إلا بوجود المرأة”.
من جانبها، تؤكد النائبة هند رشاد أن تمثيل المرأة لم يعد مسألة شكلية أو مجاملة، بل هو “استحقاق وطني حقيقي”، موضحة أن المشاركة المتوازنة بين الجنسين في التشريع هي “ركيزة أساسية للاستقرار السياسي وبناء مستقبل الوطن”. وتلفت رشاد إلى أن المرأة المصرية أثبتت قدرتها على التأثير وصياغة السياسات العامة، ما يعني أن تمكينها ليس خيارًا بل ضرورة.
الدستور وقوانين الانتخابات: تمثيل ملزم
ينص الدستور المصري على تخصيص ما لا يقل عن 25% من مقاعد مجلس النواب للمرأة، وهو ما تم ترجمته في قانون مجلس النواب الجديد، الذي حدد عدد الأعضاء بـ568، منهم ما لا يقل عن 142 امرأة.
أما في مجلس الشيوخ، فتضمن القانون تمثيلًا نسائيًا بنسبة لا تقل عن 10% من إجمالي عدد الأعضاء (300 عضو). وينتخب ثلثا الأعضاء بالاقتراع المباشر، ويعين رئيس الجمهورية الثلث المتبقي، مع الالتزام بنسبة المرأة في كل الحالات.
هذا الإطار التشريعي يضمن للمرأة مساحة مشاركة معتبرة، لكنه لا يضمن بالضرورة فعالية وجودها داخل المجلس، ما يدفع لطرح السؤال مجددًا: هل التمثيل العددي كافٍ لتحقيق التمكين السياسي الحقيقي؟
تفاصيل تشكيل القوائم الانتخابية
تتضمن قوائم انتخابات مجلس النواب عددًا من الشروط التي تضمن تمثيلًا متنوعًا وشاملًا، من بينها تحديد عدد أدنى من النساء في كل قائمة.
في قائمة الـ120 مقعدًا، يشترط أن تضم القائمة ما لا يقل عن 51 امرأة، إلى جانب فئات أخرى مثل المسيحيين، الشباب، ذوي الإعاقة، والمصريين بالخارج.
في قائمة الـ40 مقعدًا، تُخصص 20 امرأة على الأقل ضمن مزيج من الفئات النوعية والاجتماعية.
أما في انتخابات مجلس الشيوخ، فيتم تقسيم المقاعد إلى أربع دوائر بالقائمة:
الدوائر ذات 37 مقعدًا يجب أن تضم على الأقل 3 نساء.
أما الدوائر ذات 13 مقعدًا فتضم 7 نساء على الأقل، وهو ما يعكس التزامًا نسبيًا بالتمثيل النوعي.
من الكوتة إلى الكفاءة
يعترف كثير من السياسيين بأن “الكوتة” كانت ضرورة مرحلية لفرض تمثيل المرأة في بيئة سياسية ما زالت تتحفظ على مشاركتها، لكنها لم تعد وحدها كافية. ومع تراكم الخبرة البرلمانية لدى عدد كبير من النائبات، أصبحت هناك نماذج ناجحة استطاعت أن تقدم مشروعات قوانين وتستخدم أدوات رقابية بكفاءة، ما يُمكّن المرأة من تجاوز فكرة “التمثيل الرمزي”.
في هذا الإطار، تؤكد أبو شقة أن المرأة أصبحت حاضرة بقوة في القضايا العامة، وتنقل نبض الشارع، ولها حضور قوي في صياغة القوانين، ما يدل على أنها شريكة فعلية في العمل البرلماني.
التحديات التي لا تزال قائمة
رغم التقدم الملموس، لا تزال بعض التحديات تعرقل تحقيق تمثيل فعلي كامل للمرأة، أبرزها:
الثقافة المجتمعية التي ترى السياسة مجالًا “ذكوريًا”.
ضعف الدعم الإعلامي للمرشحات مقارنة بالمرشحين الرجال.
عدم تكافؤ الفرص في المعارك الفردية خارج القوائم.
استمرار بعض الأحزاب في الدفع بنساء فقط لاستيفاء الشروط دون اعتبار للكفاءة أو الفاعلية.
هذه التحديات تعيد النقاش إلى جوهر المسألة: هل التمثيل هدف أم وسيلة؟ وهل وجود المرأة في البرلمان يجب أن يكون رقمًا في كشف الحضور أم قيمة مضافة في العملية التشريعية والرقابية؟
السيناريوهات المرتقبة للانتخابات المقبلة
مع اقتراب موعد الانتخابات، تشير التوقعات إلى زيادة نسبية في عدد النساء المرشحات، خاصة في القوائم، بفعل النصوص الملزمة. لكن التحدي الأكبر يبقى في قدرة هؤلاء النائبات على إثبات الجدارة، والانخراط الجاد في العمل التشريعي، وفرض حضورهن كأصوات قادرة على صياغة سياسات تعبر عن المجتمع ككل، وليس فقط عن قضايا النساء.
نحو تمثيل نوعي لا رقمي
الانتقال من “التمثيل الكمي” إلى “التمثيل النوعي” هو التحدي الحقيقي أمام المرأة المصرية في البرلمان. لقد أقر القانون نسبًا ملزمة، لكن الرهان الآن على الأداء، والكفاءة، والقدرة على التشريع والرقابة وخدمة المواطنين.
لن يكون التمكين حقيقيًا ما لم تتحول “الكوتة” من وسيلة إلى قاعدة انطلاق، ومن حصة مفروضة إلى نتيجة طبيعية لعدالة التنافس. والمستقبل وحده كفيل بالإجابة: هل تحولت الكوتة إلى تمثيل حقيقي؟ أم ستظل المرأة “ضيفة شرف” في برلمان تقوده المعادلات السياسية أكثر مما تقوده الكفاءات؟