عبد الرحمن السيد
تقترب مصر من نهاية مرحلة جديدة في ملف الدعم، وسط تحولات اقتصادية ضاغطة وتوجهات حكومية نحو التحرر التدريجي من دعم الطاقة، حيث أعلنت الحكومة صراحة أن أسعار الوقود ستشهد زيادات تدريجية حتى نهاية عام 2025، في خطوة تقول إنها ضمن سياسة مالية تهدف إلى تقليل الأعباء على الموازنة العامة، وتعزيز كفاءة الدعم الموجه، وسط تساؤلات عن مصير الفئات الأكثر تضررًا، ومدى التزام الدولة بآلية التسعير التلقائي، وأثر ذلك على المواطنين والاقتصاد.
الحكومة تكشف أوراقها: لا قدرة على الاستمرار في دعم الوقود
في يوليو 2025، أطلق رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي تصريحًا حاسمًا، أكد فيه أن الحكومة لم تعد قادرة على تحمل عبء دعم الوقود بسبب زيادة الاستهلاك وارتفاع التكاليف، مشيرًا إلى أن أسعار المنتجات البترولية سترتفع تدريجيًا حتى نهاية 2025، مع التزام الدولة في الوقت ذاته بتوجيه الدعم لمستحقيه الأكثر احتياجًا.
وتزامن هذا الإعلان مع تقليص فعلي للدعم الموجه للمواد البترولية في موازنة العام المالي الجديد 2025-2026، حيث تم تخفيض المخصصات بنسبة 51.4% لتصل إلى 75 مليار جنيه، مقارنة بـ154.4 مليار جنيه في العام المالي الجاري 2024-2025، وهو ما يعكس اتجاهًا واضحًا نحو إنهاء الدعم التدريجي بحلول نهاية العام المقبل.
بدراوي: لا زيادات عشوائية.. والمعادلة السعرية تحكم القرار
وفي هذا السياق، قال النائب محمد بدراوي، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، إنه “لا يوجد شيء اسمه زيادة مطلقة أو مفتوحة لأسعار الوقود”، موضحًا أن الدولة اعتمدت منذ عام 2019 آلية التسعير التلقائي التي تستند إلى معادلة سعرية محددة تربط الأسعار المحلية بالأسعار العالمية.
وأشار بدراوي إلى أن هذه المعادلة تعتمد على 3 عناصر رئيسية: أسعار خام برنت، وسعر صرف الدولار، وتكاليف الإنتاج والتشغيل، مضيفًا أن لجنة التسعير التلقائي تجتمع كل 3 أشهر لاتخاذ قرارات بخصوص تحريك الأسعار، على أن تكون نسبة الزيادة أو التخفيض في حدود 10% من السعر القائم، مع استثناءات لبعض المنتجات مثل البوتاجاز والوقود الموجه للكهرباء والمخابز.
لكن النائب البرلماني أقر ضمنيًا بوجود تجاوزات في بعض الحالات، موضحًا أن “الزيادة الأخيرة في أبريل الماضي رغم انخفاض أسعار النفط عالميًا، كانت مرتبطة بارتفاع كبير في سعر الدولار أمام الجنيه المصري.
زيادات متتالية.. والمواطن يتحمل الفاتورة
في أبريل 2025، شهدت مصر للمرة الثانية خلال 6 أشهر، موجة جديدة من رفع أسعار الوقود شملت جميع المنتجات البترولية، حيث ارتفع سعر بنزين 95 من 17 إلى 19 جنيهًا للتر، وبنزين 92 من 15.25 إلى 17.25 جنيهًا، وبنزين 80 من 13.75 إلى 15.75 جنيهًا. كما زاد سعر السولار من 13.5 إلى 15.5 جنيهًا للتر، والمازوت من 9500 إلى 10500 جنيه للطن.
أما البوتاجاز، فكانت الزيادة أكثر حدة، حيث ارتفعت أسطوانة الاستخدام المنزلي (12.5 كغم) من 150 إلى 200 جنيه، وأسطوانة الاستخدام التجاري من 300 إلى 400 جنيه، فيما قفز سعر طن الغاز الصب من 12 ألفًا إلى 16 ألف جنيه.
وقدرت الحكومة أن هذه الزيادة ستوفر نحو 35 مليار جنيه في موازنة 2024-2025، إلا أن هذا الوفر المالي يأتي على حساب المواطن الذي يواجه ضغوطًا معيشية متزايدة، وسط غياب منظومة واضحة لتعويض المتضررين من هذه الزيادات، خاصة في قطاعي النقل والصناعة.
تساؤلات حول التزام الحكومة بآلية التسعير
ورغم إعلان الحكومة مرارًا الالتزام بآلية التسعير التلقائي التي تقضي بألا تتجاوز نسبة التغيير في أسعار الوقود ±10% كل 3 أشهر، فإن الواقع العملي يشير إلى أن اللجنة لم تلتزم دومًا بهذه القاعدة، وهو ما ظهر بوضوح في الزيادة الأخيرة التي بلغت جنيهين للتر، متجاوزة سقف الـ10%.
هذا التناقض بين القاعدة المعلنة والتطبيق العملي يثير تساؤلات حول مدى شفافية عمل لجنة التسعير، وحدود تدخل الحكومة في القرارات، خاصة في أوقات الضغوط المالية أو الالتزامات مع صندوق النقد الدولي الذي يشترط تحريرًا تدريجيًا لأسعار الطاقة ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي.
نهاية الدعم.. ومخاوف من الانعكاسات الاجتماعية
يتوقع مراقبون أن يشهد العام 2026 إنهاءً شبه كامل للدعم الموجه للوقود، باستثناء المنتجات المرتبطة بالكهرباء والخبز. وإذا ما استمر هذا المسار، فإن الشهور القادمة ستشهد زيادات جديدة في الأسعار، خاصة مع استمرار ارتفاع الدولار وضغوط استيراد الوقود.
لكن السؤال الأهم يظل: كيف ستواجه الحكومة الأثر الاجتماعي لهذه الخطوة؟ فرفع الدعم يؤدي بطبيعة الحال إلى موجة تضخم جديدة، ويزيد من أعباء المواطنين، خاصة من الطبقات المتوسطة والفقيرة، ويؤثر على تكاليف النقل والإنتاج، ومن ثمّ الأسعار النهائية للسلع والخدمات.
ما البديل؟ وكيف تخفف الدولة الصدمة؟
في ضوء هذا الواقع، تبدو الحاجة ماسة إلى إجراءات موازية للتخفيف من الأثر الاجتماعي لرفع الدعم، ومنها:
توسيع شبكة الحماية الاجتماعية لتشمل فئات جديدة أكثر تضررًا من رفع الأسعار.
رفع كفاءة منظومة النقل العام لتقليل اعتماد المواطنين على وسائل النقل الخاصة كثيفة الاستهلاك للوقود.
تشجيع استخدام الغاز الطبيعي في السيارات والمصانع، لما له من تكلفة أقل مقارنة بالسولار والبنزين.
تحسين سياسات الدعم النقدي المشروط وتوجيهه للمستحقين الحقيقيين، بدلًا من الدعم السلعي الذي يستفيد منه الجميع دون تمييز.
بينما تسير مصر نحو رفع كامل للدعم عن الوقود بنهاية عام 2025، يبقى مصير الفئات المتضررة مرهونًا بقدرة الدولة على إدارة هذا التحول بحكمة، من خلال موازنة دقيقة بين متطلبات الإصلاح الاقتصادي وضمان العدالة الاجتماعية، دون أن يتحول توفير المليارات إلى عبء جديد على ملايين المواطنين.