بحر المانش يشتعل مجددا قوارب اللاجئين تكشف فشل أوروبا في إدارة ملف الهجرة(خاص)

كتبت بسمة هاني

في ظل استمرار عبور مئات اللاجئين يوميًا عبر بحر المانش، تجد أوروبا نفسها عاجزة أمام مشهد يتكرر منذ سنوات، ويعكس عجزًا هيكليًا عن التعامل مع قضية الهجرة.

وعلى الرغم من كل الاتفاقيات الأمنية بين باريس ولندن، فإن القوارب ما زالت تشق طريقها نحو الضفة البريطانية، وكأن كل طائرات المراقبة والكاميرات الحرارية والدوريات الحدودية مجرد حبر على ورق

قال الدكتور أحمد يونس، الباحث الأكاديمي والمحلل السياسي المتخصص في الشؤون الدولية، في حديث خاص لموقع نافذة الشرق، إن قمة 2025 بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر جاءت في سياق البحث عن حلول ملموسة حيث ناقش الطرفان مشروعًا تجريبيًا لتبادل المهاجرين بنظام “واحد مقابل واحد”.

ولفت إلى أن هذا الاتفاق يقضي بإعادة من يصلون عبر القوارب إلى فرنسا مقابل استقبال بريطانيا لبعض الفئات الأكثر هشاشة من اللاجئين.

ونوه يونس إلى أن مثل هذا الاتفاق قد لا يكون كافيًا لإقناع لاجئ فار من الحرب أو القمع بالعودة إلى نقطة الانطلاق، متسائلًا: هل من المنطقي أن نعيد من خاطر بحياته إلى المكان ذاته الذي فرّ منه؟

تشديد الرقابة لا يقلل الأعداد.. بل يزيد الموت

وأشار يونس إلى أن الحلول الأمنية لم تُثبت فعاليتها، موضحًا أن تشديد الرقابة على السواحل لا يمنع المهاجرين من المحاولة بل يدفعهم إلى استخدام طرق أكثر خطورة، ما يؤدي إلى ارتفاع عدد الضحايا.

وأضاف أن أكثر من 21 ألف شخص عبروا المانش منذ بداية العام الجاري، وهو رقم قياسي يكشف مدى عمق الأزمة، ويؤكد أن الإجراءات الأمنية، مهما كانت مشددة لن توقف زحف القوارب.

وأكد أن معظم هؤلاء المهاجرين يأتون من دول تعاني من أزمات حادة مثل أفغانستان، السودان، إيران وألبانيا، حيث يصبح خطر البحر أهون من البقاء في الجحيم الذي خلفوه وراءهم.

أوروبا القوية وعجز أمام قوارب مطاطية

وشدد يونس على أن أوروبا رغم امتلاكها قوة اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية هائلة، تظهر عاجزة أمام مجموعة من القوارب المطاطية بسبب غياب رؤية إنسانية واضحة لإدارة الملف. وقال إن المهاجرين لا يشكلون تهديدًا أمنيًا كما يُروّج، بل يمثلون قصصًا حقيقية للهروب من الفقر والعنف والظلم لكن السياسات الأوروبية ما تزال تتعامل معهم كخطر يجب صده.

وأوضح أن بريطانيا خصصت منذ عام 2018 ما يزيد عن 750 مليون يورو لدعم تأمين الحدود الفرنسية، لكن النتائج على الأرض لم تتغير. القوارب لا تزال تبحر، والمهاجرون لا يزالون يموتون في عرض البحر، لأن السياسات لم تقترب من أصل المشكلة.

غياب البدائل القانونية.. وممرات الأمل المسدودة

ونوه يونس إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن في غياب البدائل القانونية والإنسانية للهجرة إذ لم تقدم أوروبا حتى الآن ممرات آمنة لطالبي اللجوء، كما أن عمليات دراسة الملفات تأخذ شهورًا طويلة، ما يدفع الكثيرين للمخاطرة عبر البحر بدل الانتظار في مخيمات غير آدمية.

وأشار إلى أن أوروبا لم تطرح حتى الآن مسارًا واقعيًا للهجرة يُراعي الكرامة الإنسانية، ويركز على الإدماج والوقاية بدلا من بناء جدران أمنية وملاحقة القوارب.

قوارب المهاجرين لا تصنع الأزمة.. بل تفضحها

وأكد يونس على أن المهاجرين لم يصنعوا الأزمة بل عرّوها وكشفوا نفاق الأنظمة التي تتغنى بحقوق الإنسان ثم تغلق أبوابها أمام من يطلب الحماية. كما أشار إلى أن العلاقات البريطانية الفرنسية لطالما كانت معقدة لكن التضامن الأوروبي اليوم بات أكثر هشاشة مع غياب سياسة موحدة للهجرة، وازدواجية واضحة في المعايير.

وأكد أن الحل يبدأ بالاعتراف بأن الهجرة ليست “مؤامرة” بل نتيجة طبيعية لسياسات غربية غذت الأزمات عبر الحروب وتغير المناخ ودعم الأنظمة القمعية في الشرق الأوسط وأفريقيا.

من أمن الحدود إلى أمن الإنسان

وشدد الدكتور يونس في تصريحه على أن قمة 2025 لن تقدم حلًا حقيقيًا ما لم يتم قلب المعادلة: من التركيز على أمن الحدود إلى الاهتمام بأمن الإنسان.

فما لم تعترف أوروبا بمسؤوليتها في إنتاج هذه الأزمات، سيظل بحر المانش يبتلع المزيد من الأرواح، وستظل القوارب الصغيرة تتحدى كل القمم الكبيرة.