بريطانيا تعلن استعدادها لمواجهة روسيا.. والأستاذ الزائر بالناتو والأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل يوضح سيناريوهات التصعيد مع موسكو(خاص)

كتب : إسلام ماجد

في تحرك لافت، يحمل رسائل سياسية وعسكرية مباشرة إلى الكرملين، أعلنت المملكة المتحدة، على لسان وزير دفاعها جون هيلي، استعدادها الكامل لاحتمال الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا، وذلك بالتزامن مع تصاعد التوتر بين الغرب وموسكو، وسط نشاط متسارع لحلف شمال الأطلسي قرب الحدود الروسية.

رفع سقف الإنفاق العسكري وتحول استراتيجي في لندن

هيلي كشف أن الحكومة البريطانية تخطط لزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2034، في إطار ما وصفه بأنه “استعداد جاد لاحتمال الصراع”، مضيفًا أن بلاده تعمل على تعزيز قدراتها العسكرية والصناعية، في خطوة وصفها بأنها “رسالة واضحة إلى موسكو”، تؤكد جاهزية بريطانيا لأي تطورات على الأرض.

تصريحات هيلي، التي نقلتها صحيفة “ديلي إكسبريس”، تأتي ضمن تحول استراتيجي لافت في الخطاب البريطاني، حيث تؤكد لندن أنها لا تكتفي فقط بالردع، بل تضع سيناريوهات المواجهة المباشرة في حسبانها، وتستعد لها ميدانيًا.

الناتو يوسّع حضوره وروسيا تلوّح بالحوار

في الوقت ذاته، تشهد المنطقة الغربية من روسيا تحركات عسكرية مكثفة لقوات الناتو، وصفها مسؤولون في الغرب بأنها إجراءات ضرورية “لاحتواء العدوان الروسي”، وهو ما اعتبرته موسكو تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، مطالبة في أكثر من مناسبة بوقف “عسكرة القارة الأوروبية”، بحسب تعبير وزارة الخارجية الروسية.

الكرملين أعلن، عبر قنواته الرسمية، أنه لا يغلق باب الحوار مع الحلف، لكنه يشترط أن يكون الحوار قائمًا على أسس متكافئة، بعيدًا عن السياسات الأحادية التي يتبعها الغرب منذ سنوات، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد في ظل تصاعد التوتر العسكري والاتهامات المتبادلة.

بوتين يكشف نوايا موسكو ويحذر من التهويل الغربي

من جانبه، حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تهدئة مخاوف الداخل الأوروبي، مؤكدًا أن روسيا لا تفكر في مهاجمة دول الناتو، وأن الحديث المتكرر عن “التهديد الروسي” ليس إلا حملة دعائية تهدف لصرف الأنظار عن الأزمات الداخلية التي تعصف بعدد من الدول الغربية.

بوتين أشار إلى أن قادة الغرب يعمدون إلى تضخيم الصورة، وتغذية المخاوف الجماعية لدى شعوبهم، رغم إدراكهم أن موسكو لا تسعى لمواجهة مفتوحة، مؤكدًا أن “العقلاء في الغرب يدركون جيدًا أن هذا كله محض افتراء”.

صدام وشيك أم تصعيد محسوب؟

الخطاب التصعيدي المتبادل بين بريطانيا وروسيا يفتح الباب واسعًا أمام سيناريوهات غير مطمئنة، خصوصًا في ظل السباق المتسارع نحو التسلح والتحشيد العسكري الذي تشهده أوروبا خلال الفترة الأخيرة، بينما يبقى السؤال مطروحًا: هل تمضي المنطقة نحو مواجهة فعلية، أم أن الأمر لا يتعدى استعراض قوة بين خصمين يدركان كلفة الحرب جيدًا؟

الدكتور سيد غنيم الأستاذ الزائر بالناتو يكشف خلفيات التصعيد واستعدادات أوروبا والدور الأمريكي في دعم أوكرانيا

وفي سياق متصل، أكد الدكتور سيد غنيم، الأستاذ الزائر بالناتو، في تصريحات خاصة لنافذة الشرق أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يبدو بالفعل وكأنه يحاول تهدئة المخاوف التي أثارها لدى الشعوب الأوروبية، لكنه في الحقيقة يلاعب مشاعرهم، كمن “يضرب ويلاحق”، إذ أن تصريحاته المتكررة باستخدام السلاح النووي، والصواريخ الباليستية والجوالة، واستهداف دول أوروبا، هي ما يقلق الشعوب الأوروبية، ويستغلها صناع القرار في أوروبا لكسب تأييد الرأي العام والبرلمانات، لرفع ميزانيات الدفاع في بلدانهم. أما بوتين، فعادة ما يُسقط ما بداخله على الآخرين، وتأتي تصريحات روسيا في كثير من الأحيان على هيئة سرديات مكررة، تهدف إلى إلهاء الجميع عن الأزمات الداخلية التي تعاني منها الدولة الروسية.

وأضاف غنيم أن رد بوتين الأخير يبدو ضعيفًا ولكنه متعمدًا، مشيرًا إلى أن ما قاله وزير الدفاع البريطاني يُعد أمرًا طبيعيًا، لأنه يأتي في إطار تحركات حلف الناتو. وأوضح أن ميزانية الدفاع للدول الأعضاء في الناتو من المفترض ألا تقل عن 2% من الناتج القومي، وهو ما تم الاتفاق عليه سابقًا، حتى جاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وطالب بزيادتها.

وأشار إلى أن دول أوروبا قررت بدورها في رفع ميزانيات الدفاع إلى 4% أو أكثر، بشكل منفصل عن الميزانية العسكرية للاتحاد الأوروبي، مؤكدًا أن ما قاله وزير الدفاع البريطاني جون هيلي يأتي ضمن هذا الإطار المتفق عليه. أما الحديث عن الاستعداد لمواجهة روسيا، فهو لا يعني وجود نية هجومية، بل يأتي من باب التحسب والاستعداد لاحتمالات تصعيد من جانب بوتين، خصوصًا في ظل تغييره للعقيدة النووية الروسية، فضلاً عن تهديداته المستمرة.

وتابع غنيم موضحًا أن هناك ثلاث دول من داخل الاتحاد الأوروبي، وهي بولندا وفرنسا وألمانيا، بدأت التعاون مع بريطانيا، الدولة الرابعة من خارج الاتحاد، في إطار اتفاق مشترك يهدف إلى قيادة الاستعدادات، سواء لدعم أوكرانيا أو للتصدي لروسيا في حال خروجها عن إطار المنطق والعقل في تصرفاتها السياسية والعسكرية

وأكد غنيم على أن تصريحات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الأخيرة، والتي هدد فيها باستهداف العاصمة الألمانية برلين، لا تُعتبر مجرد تصريحات عابرة، بل يتم توظيفها من قِبل قادة الدول الأوروبية لاتخاذ خطوات جدية داخل برلماناتهم، من بينها التصويت على قوانين تسمح بزيادة ميزانيات الدفاع، أو تقديم دعم مباشر لأوكرانيا.

وأضاف الأستاذ الزائر بالناتو أن الدول الأوروبية تسعى حاليًا إلى تشكيل استعداد جماعي، إما لدعم أوكرانيا أو للتصدي لأي تصعيد روسي غير محسوب، خصوصًا في ظل التهديدات المتكررة التي يطلقها بوتين، والتي كثيرًا ما تُستغل داخل البرلمانات الأوروبية لتبرير إجراءات عسكرية وتشريعية جديدة.

كما أشار إلى أن الولايات المتحدة، في عهد الرئيس جو بايدن، كانت تسعى إلى إسقاط نظام بوتين، وليس هزيمة روسيا عسكريًا. ومع عودة دونالد ترامب إلى المشهد السياسي تأثرت مستويات الدعم المقدمة لأوكرانيا بشكل ملحوظ.

وتابع غنيم أن توقف بعض أشكال الدعم الأمريكي لأوكرانيا خلال الفترة الماضية لم يكن نتيجة ضغط شعبي، كما يشاع، بل كان قرارًا إداريًا شمل وقف الدعم الاستخباراتي وتخفيف بعض العقوبات المفروضة على روسيا، ضمن إجراءات سياسية داخلية.

وختم الدكتور سيد غنيم تعليقه قائلًا: “إن إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا لن يتحقق إلا باعتراف أي من روسيا أو أوكرانيا بالهزيمة من خلال قبول شروط الطرف الآخر، أو بتوافق الإرادات المتصارعة على حل وسط، وهو أمر يبدو بعيد المنال في الوقت الراهن، نظرًا للتباعد الكبير في الأهداف والتوجهات بين الأطراف المختلفة”.