بسبب نقص الدولار.. هل الجنيه المصري تحت الضغط.. وما علاقة صندوق النقد؟

عبد الرحمن السيد

تواجه العملة المحلية في مصر، الجنيه المصري، ضغوطًا اقتصادية متصاعدة وسط ظروف مالية دولية ومحلية معقدة، تتسم بارتفاع معدلات التضخم، ونقص السيولة الدولارية في فترات سابقة، بالتزامن مع تعافي تدريجي لبعض مؤشرات الاقتصاد الكلي. وبينما تشير تقارير دولية إلى أن الجنيه يُتداول حاليًا دون “قيمته العادلة”، تؤكد الحكومة المصرية أن سعر الصرف مرن ويتحدد وفقًا لآليات السوق، وهو ما يفتح باب التساؤلات حول: هل الجنيه تحت الضغط بالفعل؟ وما مستقبل سعره في ظل هذه التحديات؟

تقارير دولية: الجنيه دون قيمته العادلة

ما هي القيمة العادلة للعملة؟

القيمة العادلة لعملة ما، تعني السعر الذي يُفترض أن تستقر عنده مقابل العملات الأخرى إذا ما تساوت القوة الشرائية بين الدول، وتُحسب وفقًا لمؤشرات عدة، مثل مؤشر “تعادل القوة الشرائية” (PPP)، وحجم الإنتاج المحلي، والميزان التجاري، والاحتياطي النقدي، ومستويات الدين والتدفقات الدولارية، وغيرها من المؤشرات الاقتصادية.

وبالتالي، فإن انخفاض الجنيه عن هذه القيمة لا يعني بالضرورة وجود خلل فوري، بل قد يكون ناتجًا عن عوامل مؤقتة أو اختلالات هيكلية تحتاج إلى إصلاحات طويلة الأمد.

التضخم ونقص الدولار.. ضغوط مؤقتة؟

يقول الخبراء إن أهم عاملين يؤثران على سعر صرف الجنيه حاليًا هما: التضخم المحلي المرتفع، والطلب الكبير على العملة الأجنبية بعد فترة من تأجيل الواردات وتراكم الطلب على الدولار.

في هذا السياق، قال صندوق النقد الدولي، في تقريره الأخير عن المراجعة الرابعة لاتفاق تسهيل القرض الممتد مع مصر، إن الجنيه قد يتعرض لمزيد من التراجع على المدى القصير نتيجة التضخم واتساع عجز الحساب الجاري، لكنه أكد في الوقت ذاته أن الوضع تحسن كثيرًا منذ تحرير سعر الصرف في مارس 2024، حيث اختفت الفجوة بين السعر الرسمي والموازي، وتوفرت العملات الأجنبية بالبنوك.

كما أوضح الصندوق أن البنك المركزي لم يتدخل في سوق الصرف إلا بشكل محدود من أجل دعم الاحتياطي، ما يعكس الالتزام الكامل بسياسة “سعر الصرف المرن”.

لا يوجد ضغط.. والجنيه يتحسن

من جانبه، أكد النائب محمد بدراوي، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أن الحديث عن وجود “ضغط على الجنيه” لا يتسق مع المؤشرات الواقعية، قائلًا: “لو في ضغط حقيقي ما كنّاش شوفنا تراجع في سعر الدولار من 51 جنيهًا إلى 49 جنيهًا خلال الفترة الأخيرة”.

وأوضح بدراوي ل نافذة الشرق أن الإيرادات الدولارية لمصر شهدت تحسنًا ملحوظًا، سواء من خلال تحويلات المصريين بالخارج، أو الإيرادات السياحية، بالإضافة إلى زيادة تدفقات الاستثمارات الأجنبية، ونجاح الدولة في الوفاء بالتزاماتها تجاه شركات البترول الأجنبية وتسديد المديونيات الدولارية.

وأضاف: “الوضع حاليًا مطمئن من ناحية توفر العملة الأجنبية، ولا توجد أزمات في تلبية الطلبات الاستيرادية، ما ينفي وجود ضغط هيكلي على الجنيه في المدى القصير”.

وشدد على أنه لا يوجد علاقة بين صندوق النقد والضغط على الجنيه.

الصناعة المحلية.. الحلقة الأضعف

لكن من زاوية أخرى، ترى النائبة إيفلين متى، سيدة الأعمال وعضو مجلس النواب، أن المشكلة الأكبر ليست في سوق الصرف فقط، بل في ضعف الإنتاج المحلي الذي يعجز حتى الآن عن إحلال الواردات أو دفع عجلة التصدير.

وقالت متى ل نافذة الشرق: “كل يوم بنسمع عن افتتاح مصانع، لكن الإنتاج ضعيف والأسعار ما زالت مرتفعة. ده معناه إن الصناعة المحلية لسه ما وصلتشي للجودة اللي تخلينا نعتمد على منتجاتنا ونقلل الاستيراد”.

وشددت على أن السبيل الحقيقي لتحسين قيمة الجنيه يكمن في الاعتماد على خامات مصرية محلية، وتصنيع منتجات تنافس عالميًا، قائلة: “لما ننتج بخاماتنا ونصدر بجودة عالية، هنزود إيراداتنا الدولارية وبالتالي تزيد قوة الجنيه في السوق”.

البنك المركزي وسياسة “المرونة”

من جانبها، تواصل الحكومة التأكيد على أن سعر الصرف في مصر أصبح مرنًا بالكامل منذ مارس 2024، حيث تم تحرير أسعار العملات الأجنبية لتخضع لآليات العرض والطلب.

وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، في تصريحات صحفية، إن الحكومة ملتزمة باستكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي، وفي مقدمته دعم سياسة سعر الصرف المرن، وتعزيز الاحتياطيات النقدية الأجنبية.

كما أشار تقرير صندوق النقد الدولي إلى أن المشاركين في السوق أبلغوا خلال الاجتماعات مع بعثة الصندوق، أنهم لم يواجهوا أي صعوبات كبيرة في الحصول على العملات الأجنبية، وأن البنوك نجحت في تلبية جميع الطلبات.

كيف يتحدد سعر الجنيه مقابل الدولار؟

تُدار عملية تحديد سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية وفقًا لمبدأ “العرض والطلب”، وهي السياسة التي يعتمدها البنك المركزي المصري بعد تحرير سعر الصرف.

ويعتمد السعر اليومي على:

حجم المعروض من الدولار في السوق.

الطلب من الأفراد والشركات.

تنازلات العملاء عن العملة الأجنبية للبنوك.

مستويات السيولة في الاحتياطي النقدي بكل بنك.

عمليات التداول بين البنوك في “سوق الإنتربنك الدولاري”.

ويبلغ متوسط سعر صرف الدولار بالبنك المركزي، وفقًا لأحدث نشرة، 50.78 جنيهًا للدولار، مع تذبذبات طفيفة من بنك لآخر حسب الطلب والعرض.

هل يرتفع الجنيه مستقبلًا؟

الإجابة على هذا السؤال تتوقف على عدة عوامل متشابكة:

  1. معدلات التضخم: إذا استطاعت الحكومة السيطرة على الأسعار وخفض التضخم، سيؤدي ذلك لتحسن الجنيه.
  2. التدفقات الدولارية: استمرار تدفق الاستثمارات والسياحة وتحويلات العاملين بالخارج.
  3. نمو الإنتاج المحلي: وهو العامل الحاسم في تقليل الواردات وزيادة الصادرات.
  4. الاستقرار السياسي والإقليمي: ما يشجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

وبحسب توقعات صندوق النقد، قد يظل الجنيه معرضًا لتقلبات على المدى القصير، لكنه قد يتحسن تدريجيًا مع تزايد الثقة بالاقتصاد المصري ونجاح الإصلاحات.

هل لصندوق النقد دور في هذا المشهد؟

بلا شك. الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار لعب دورًا محوريًا في توحيد سعر الصرف، وتحسين بيئة الاستثمار، وإعادة الثقة إلى الأسواق. فالصندوق شدد على ضرورة تحرير سعر الجنيه بالكامل، وهو ما التزمت به مصر في مارس 2024.

لكن الصندوق أيضًا يراقب عن كثب سياسات الحماية الاجتماعية، وضمان ألا تتأثر الفئات الضعيفة بموجات التضخم وتغيرات السوق، وهو ما تحاول الحكومة الموازنة فيه بين الإصلاحات وبين الاستقرار المجتمعي.

الجنيه المصري لا يتحرك في فراغ، بل يتأثر بعوامل محلية ودولية، من الإنتاج والتصدير إلى أسعار الطاقة والحروب الإقليمية. ورغم التحديات، تشير البيانات إلى أن مصر تخطت مرحلة “الاختناق الدولاري”، وبدأت تدخل في مرحلة استقرار نسبي، ما يفتح الباب لتحسن الجنيه إذا استمرت الإصلاحات وزادت الإنتاجية.

الرهان الآن ليس فقط على البنك المركزي أو صندوق النقد.. بل على الاقتصاد الحقيقي، والصناعة، والإنتاج، وكل ما يرفع من قدرة مصر على تحقيق فائض في الميزان التجاري.