بعد سنوات من العزلة.. كيف يغير إلغاء "قيصر" مستقبل الاقتصاد السوري؟

كتبت: هدير البحيري

بعد أكثر من عقد من العزلة الاقتصادية والسياسية، تقف سوريا على أعتاب مرحلة جديدة، تحمل معها فرصًا وتحديات على حد سواء.
ويأتي ذلك بعد أن أدرج الكونجرس الأمريكي بند إلغاء "قانون قيصر" ضمن مشروع قانون الدفاع الوطني للعام المالي 2026.
ويمثل إدراج بند إلغاء قانون قيصر خطوة تاريخية تعكس تحولًا ملموسًا في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، من نهج العقوبات الشاملة والخنق الاقتصادي إلى الرقابة المشروطة، التي تربط الانفتاح الاقتصادي السوري بالالتزام بمعايير محددة تشمل مكافحة التنظيمات المتطرفة، احترام حقوق الأقليات، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، وهو ما يشكل نقطة تحول مهمة في علاقة دمشق بالعالم الخارجي ويفتح الطريق أمام عودة تدريجية للاقتصاد السوري إلى الأسواق الدولية بعد أكثر من ست سنوات من العقوبات الاقتصادية.
ويمر المشروع حاليًا بمراحل تشريعية نهائية، مع توقع تصويت مجلس الشيوخ عليه قريبًا قبل توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليصبح نافذًا رسميًا.
وبمجرد تنفيذه، سيزيل القانون العقبات القانونية أمام الشركات الأجنبية والدولية للدخول في القطاعات الاقتصادية الحيوية في سوريا، ويتيح تمويلًا دوليًا واستثمارات مباشرة، ويضع البلاد على مسار إعادة اندماج تدريجية في الاقتصاد العالمي بعد سنوات من العزلة.

ما هو قانون قيصر؟

فرض الكونجرس الأمريكي في عام 2019 "قانون قيصر" كأداة ضغط اقتصادية على النظام السوري السابق، بهدف حماية المدنيين ومحاسبة أي جهة ساهمت في استمرار سيطرته على البلاد.
ومنح القانون السلطات الأمريكية القدرة على معاقبة أي حكومة أو جهة خاصة تقدم دعمًا للنظام السوري أو للكيانات المرتبطة به، أو تسهم في إعادة إعمار سوريا، إضافة إلى دعم حكومتي روسيا وإيران. كما يسمح بفرض عقوبات ثانوية على الشركات والأفراد الذين يستثمرون في قطاعات الطاقة، الطيران، أو البناء في سوريا، حتى خارج الولايات المتحدة، وشمل أيضًا مصرف سوريا المركزي.
وقد أدى القانون إلى تجميد معظم قنوات التمويل الخارجي ومنع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ما انعكس على الاقتصاد السوري عبر ارتفاع أسعار السلع، تدهور قيمة الليرة، وتعطيل مشاريع البنية التحتية الحيوية.

تأثير إلغاء "قيصر" على الاقتصاد السوري

وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي السوري، الدكتور علي محمود محمد، في حوار خاص لـ"نافذة الشرق" إن إلغاء "قانون قيصر" سيمثل نقطة تحول حاسمة للاقتصاد السوري، موضحًا أن الشركات العالمية كانت دائمًا مترددة في التعامل مع سوريا بسبب المخاطر القانونية والسياسية، التي كانت قد تؤدي إلى غرامات ضخمة أو صعوبات في الأسواق المالية الدولية.
وأضاف أن رفع القيود سيتيح للشركات استيراد وتصدير المنتجات بحرية أكبر، مع خيارات متنوعة للجودة والأسعار، وهو ما سيخفض تكاليف البضائع ويزيد من مرونة السوق المحلية.
وأشار محمد إلى أن شركات الشحن العالمية ستصبح قادرة على العمل مع سوريا، سواء عن طريق البحر أو البر أو الجو، ما سيخفض تكاليف النقل والتأمين التي كانت تصل أحيانًا إلى 30% من قيمة البضائع، وبالتالي سينعكس ذلك إيجابًا على أسعار السلع سواء كانت مواد خام للمصانع، معدات صناعية، أو منتجات جاهزة للاستهلاك المحلي وإعادة الإعمار.
كما لفت إلى أن المستثمرين الذين وقعوا مذكرات تفاهم للاستثمار في سوريا في مجالات الطاقة، الكهرباء، النفط، الغاز، والزراعة، من المتوقع أن يحولوا هذه المذكرات إلى اتفاقيات فعلية، بما يتيح انطلاق مشاريع بقيمة تقدر بنحو 28 مليار دولار، وهو مبلغ كبير بالنسبة للاقتصاد السوري، خاصة إذا تم تنفيذ نحو 15 إلى 20 مليار دولار من هذه المشاريع فعليًا.
وأضاف أن هذا الانفتاح سيشجع مستثمرين جدد على دخول السوق السورية في مختلف القطاعات، بعد أن كان القانون يمنع الاستثمار في مجالات الطاقة والبنية التحتية وإعادة الإعمار.

وبالنسبة لسعر صرف الليرة السورية، أوضح الخبير الاقتصادي أن تحسن الاقتصاد وزيادة الإنتاج والصادرات سيؤدي إلى استقرار تدريجي لسعر الصرف، كما أن التضخم سيتحسن مع زيادة المعروض من السلع والخدمات وعودة نحو 1.2 مليون لاجئ إلى البلاد، معتبرًا أن الهدف الرئيسي للبنك المركزي هو استقرار سعر الصرف قبل التركيز على التضخم.

وأشار محمد إلى أن إلغاء القانون سيسمح للبنوك السورية بالانخراط مجددًا في نظام "سويفت" الدولي، ما سيسهل عمليات التحويلات المالية، ويخفض تكاليفها التي كانت تصل سابقًا إلى 30-35% بسبب العقوبات، ويزيد من كفاءة العمليات البنكية وسرعتها، بما يعود بالنفع المباشر على السوريين في الداخل والخارج.
وأضاف محمد أن التأثير الإيجابي على مستوى معيشة المواطن السوري سيكون ملموسًا، لكنه مرتبط بالوقت وبوتيرة تنفيذ المشاريع والاستثمارات خلال عام 2026، مؤكدًا أن التحسن يحتاج إلى تضافر جميع هذه العوامل معًا لتحقيق نتائج مستدامة.

حاكم مصرف سوريا المركزي: رؤية جديدة للنمو المالي وإعادة الثقة بالاقتصاد

وقال حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، الخميس الماضي، إن الاقتصاد السوري يشهد نموًا أسرع بكثير من تقديرات البنك الدولي التي تبلغ 1% لعام 2025، ويعزو ذلك إلى عودة المواطنين إلى البلاد بعد انتهاء الحرب الأهلية التي استمرت 14 عامًا، وهو ما يسهم في دعم خطط سوريا لإعادة إطلاق عملتها الوطنية وجهود بناء مركز مالي جديد في الشرق الأوسط.
ووصف حصرية، الذي يشارك في توجيه عملية إعادة اندماج البلاد في الاقتصاد العالمي بعد سقوط نظام بشار الأسد قبل نحو عام، إلغاء العديد من العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا بأنه "معجزة".
وأضاف أن سوريا تعمل على تحديث اللوائح الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ما يوفر ضمانات إضافية للمقرضين الدوليين.
وأوضح أن مصرف سوريا المركزي نظم مؤخرًا ورش عمل مع بنوك من الولايات المتحدة وتركيا والأردن وأستراليا لمناقشة إجراءات العناية الواجبة في مراجعة المعاملات.
وأشار حصرية إلى أن البنك الدولي قدر في يوليو الماضي نمو الناتج المحلي الإجمالي السوري بنسبة 1% لعام 2025، بعد انكماش 1.5% في 2024، وسط تحديات أمنية وقيود تتعلق بالسيولة وتعليق المساعدات الخارجية. لكنه أكد أن هذا التقدير لا يعكس الواقع الفعلي.
وأكد أن سوريا تفتقر إلى بيانات اقتصادية موثوقة، لكنه أشار إلى انخفاض التضخم وارتفاع سعر صرف الليرة كمؤشرات على تحسن الاقتصاد.
وفيما يخص العملة، كشف حصرية عن أن سوريا تستعد لإطلاق عملة جديدة من ثماني فئات ورقية، مع خطة لحذف صفرين، في محاولة لاستعادة الثقة بالليرة.
وأوضح أن البلاد ستنهي سبعة عقود من تمويل البنك المركزي لعجز الموازنة الحكومية، وستستعيد الثقة في المالية العامة وإدارة المصرف المركزي، معتبرًا أن العملة الجديدة ستكون رمزًا للتحرر المالي واستعادة الثقة.
كما رحب حصرية باتفاقية جديدة مع فيزا لتطوير أنظمة دفع رقمية تشجع الشركة على العودة إلى سوريا، مؤكدًا العمل مع كل من فيزا وماستركارد لإنشاء نظام دفع متكامل يضم شركاء عالميين، معتبرًا أن الهدف هو تحويل سوريا إلى مركز مالي لمنطقة بلاد الشام.