تـقـريـر – أحـمـد إمـام
القانون إصلاح حقيقي أم تمهيد للـخصخصة ؟
أقر مجلس النواب خلال جلسته العامة مشروع قانون تنظيم مرفق مياه الشرب والصرف الصحي، في خطوة تشريعية تستهدف تطوير البنية القانونية والإدارية لمنظومة المياه في مصر، وتحقيق الاستدامة المائية بما يتوافق مع رؤية الدولة 2030 ،ورغم الترحيب الرسمي بالقانون باعتباره نقلة نوعية، إلا أن التساؤلات لا تزال مطروحة: هل نحن أمام إصلاح جوهري؟ أم أن القانون يُمهد الطريق لمرحلة خصخصة مقنعة تحت غطاء الشراكة مع القطاع الخاص؟
جهاز مستقل وتنظيم محكم
القانون ينص على إنشاء جهاز مستقل لتنظيم مرفق مياه الشرب والصرف الصحي يتبع رئيس مجلس الوزراء مباشرة ويُمنح صلاحيات واسعة لمراقبة جودة الخدمات وتحديد الأسعار، وذلك بشكل يراعي التوازن بين تكلفة التشغيل وظروف المواطنين
كما يحدد القانون معايير الخدمة الفنية والتجارية، ويُلزم الجهات المعنية بوضع خطط صيانة دورية، وتوسيع تغطية الشبكات خاصة في القرى والمناطق النائية وفق معايير فنية وتجارية محددة تهدف إلى تحقيق العدالة في توزيع الخدمة
فتح الباب للقطاع الخاص
من أبرز ملامح القانون تنظيم مشاركة القطاع الخاص في مشروعات المياه والتحلية والصرف الصحي، مع فرض رقابة مشددة تضمن حماية حقوق المواطنين، ومنع أي ممارسات احتكارية.
القانون يسمح أيضًا بإدخال العدادات الذكية ومراقبة الاستهلاك إلكترونيًا، ضمن خطة الدولة للرقمنة والحوكمة ،في إطار خطة الدولة للتحول الرقمي وتطبيق الحوكمة الرشيدة
رؤية حكومية لـمرحلة جديدة
وفي تعليق على القانون قال المهندس أحمد عبد المنعم، نائب رئيس الجهاز التنفيذي لمياه الشرب والصرف الصحي بوزارة الإسكان أن هذا القانون ينقل الدولة إلى مرحلة جديدة من الإدارة الرشيدة للمياه، ليتم ضمان عدالة التوزيع ورفع كفاءة الأداء، مع تعزيز فرص الاستثمار في مشروعات البنية التحتية دون التفريط في البُعد الاجتماعي”.
إلزام الدولة بـدعم المواطن
من جانبه، اعتبر الدكتور حسام عبد الجواد أستاذ القانون الإداري بجامعة القاهرة، أن القانون يوفر إطارًا دستوريًا متوازنًا، مؤكدًا على أن نصوص القانون تضمن ألا يتحول الماء إلى سلعة مرهقة للمواطن البسيط، فهي تشترط تسعيرًا عادلاً يراعي الفئات غير القادرة، وتُلزم الدولة بالدعم، كما أن وجود جهاز مستقل يعزز من الشفافية والمحاسبة.
ترشيد لمواجهة ندرة المياه
بدوره، أشار الدكتور محمود السعدني، مستشار وزير الموارد المائية والري لشؤون التخطيط، إلى أن قانون تنظيم مرفق مياه الشرب يمثل خطوة مكملة وضرورية لسياسة إدارة الموارد المائية في مصر، إذ يضمن الاستخدام الأمثل للمياه المنتجة ويربط بين إدارة الاستهلاك وتوسيع قدرات المعالجة
وأكد “السعدني” أن القانون الجديد يُعزز من كفاءة استخدام كل نقطة مياه، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها مصر على صعيد ندرة الموارد والتغيرات المناخية، مشيرًا إلى أن الدولة ترى في هذا القانون أداة تشريعية تدعم ما تقوم به من جهود في ترشيد الاستهلاك، وتحسين البنية التحتية المائية على المستوى القومي.
تفاعل مجتمعي وتحفّظات محدودة
وقد أثار القانون تفاعلًا واسعًا عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث رحب كثيرون بالتنظيم الجديد، باعتباره خطوة نحو تطوير الخدمة والعدالة في التوزيع، فيما عبّر آخرون عن مخاوف من رفع الأسعار مستقبلاً أو خصخصة تدريجية للخدمة ، وفي المقابل، أكدت الحكومة مرارًا أن أي تعديل في الأسعار سيتم وفق معايير عادلة، وبمراعاة صارمة للبعد الاجتماعي
خطوة ضرورية ولكن
بلا شك، يُمثل القانون الجديد خطوة ضرورية لتنظيم أحد أهم المرافق الحيوية في مصر، وسط تحديات متزايدة تتعلق بندرة المياه، وزيادة الطلب، وشيخوخة البنية التحتية.
لكن النجاح في تطبيق القانون مرهون بمدى التزام الدولة بـ: ضمان الشفافية والمساءلة ،الحفاظ على البعد الاجتماعي ،وضع قيود واضحة على دور القطاع الخاص ، تطبيق تسعير منضبط يخدم مصلحة المواطن أولًا ،وعليه، يبقى السؤال مطروحًا: هل سينجح القانون في ضبط المنظومة وتحقيق الاستدامة؟ أم سيكون بداية لانسحاب الدولة التدريجي من ملف المياه؟