بوتين يعدل العقيدة النووية الروسية ويضع خطوطًا حمراء ضد أمريكا وحلفائها: تصعيد قد يفاقم التوترات العالمية

في خطوة لافتة ومثيرة للقلق على المستوى الدولي، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرًا عن تعديل العقيدة النووية الروسية، مما أثار تساؤلات حول الأسباب والتوقيت والتداعيات المحتملة لهذا القرار. التعديل جاء في سياق التوترات المتصاعدة بين روسيا والولايات المتحدة على خلفية الصراع في أوكرانيا، حيث سمحت واشنطن لكييف باستخدام أسلحة بعيدة المدى لاستهداف مواقع داخل الأراضي الروسية.

أسباب تعديل العقيدة النووية الروسية

أوضح بوتين أن هذا التعديل جاء ردًا مباشرًا على التحركات الأمريكية الأخيرة. إذ اعتبرت موسكو أن سماح واشنطن لأوكرانيا باستخدام أسلحة بعيدة المدى يعد تصعيدًا خطيرًا يشكل تهديدًا وجوديًا لروسيا. بوتين وصف هذه الخطوة بأنها تجاوز للخطوط الحمراء، مشددًا على أن العقيدة النووية الجديدة ستسمح بردع أي تهديد مباشر للأمن القومي الروسي باستخدام أكثر الوسائل حسماً.

وثيقة العقيدة النووية المحدثة: المعايير الرئيسية للتغيير

تتضمن الوثيقة المحدثة للعقيدة النووية الروسية عدة تغييرات أساسية تهدف إلى تعزيز مرونة روسيا في استخدام القوة النووية، وهي:

أولا : التوسيع في تعريف التهديدات الوجودية التى شملت الوثيقة المحدثة تهديدات غير تقليدية مثل الهجمات السيبرانية على المنشآت الاستراتيجية والهجمات باستخدام أسلحة تقليدية ذات تأثير كبير.

ثانيا:  إدراج حلفاء روسيا في استراتيجية الدفاع النووي، حيث تؤكد العقيدة على استعداد روسيا لحماية حلفائها الإقليميين باستخدام الأسلحة النووية إذا تعرضوا لهجمات قد تؤثر على أمنها القومي.

ثالثا: استخدام استباقي مشروط للأسلحة النووية، تنص الوثيقة على إمكانية استخدام القوة النووية بشكل استباقي في حال وجود أدلة على نية عدائية مباشرة من قبل أعداء روسيا.

أخيرا: تحسين الردع غير النووي، تدمج الوثيقة المحدثة بين الأسلحة النووية والاستراتيجيات التقليدية، مشيرة إلى تطوير أدوات الردع غير النووي كأسلحة تفوق سرعة الصوت.

هذه التعديلات تظهر تحولًا من مفهوم الردع السلبي إلى سياسة أكثر هجومية ومرونة، حيث تسعى روسيا إلى مواجهة أي تهديدات محتملة بكفاءة وسرعة.

تاريخ العقيدة النووية الروسية: كيف كانت وكيف أصبحت؟

تطورت العقيدة النووية الروسية على مدى العقود الماضية استجابة للتغيرات الدولية. في البداية، خلال الحرب الباردة، اعتمدت العقيدة النووية السوفيتية على مبدأ “التدمير المتبادل المؤكد”، وهو ما يعني أن أي هجوم نووي على الاتحاد السوفيتي سيواجه برد مماثل يؤدي إلى تدمير كلا الطرفين.

مع انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، اتجهت روسيا لتبني سياسة أكثر تحفظًا. في عام 2000، تم تحديث العقيدة النووية لأول مرة منذ تفكك الاتحاد، حيث سمح باستخدام الأسلحة النووية في حالات الرد على هجوم تقليدي واسع النطاق يهدد وجود الدولة.

في عام 2020، أجرى الكرملين تعديلات جديدة أبرزها التركيز على إمكانية استخدام الأسلحة النووية للدفاع عن الحلفاء أو مواجهة تهديدات غير تقليدية مثل الهجمات السيبرانية التي قد تستهدف الأنظمة الاستراتيجية.

أما التعديل الأخير، فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث يضع إطارًا واضحًا لرد نووي فوري على أي هجوم عسكري يعتبر تهديدًا “وجوديًا” لروسيا، سواء كان نوويًا أو تقليديًا، وهو ما يعكس رؤية أكثر هجومية للدفاع عن المصالح القومية.

التهديدات المحتملة: هل نحن أمام صراع نووي وشيك؟

مع تصاعد التوترات، يبرز التساؤل حول احتمال اندلاع صراع نووي. يرى الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية، أن العالم يمر بمرحلة شديدة الخطورة، حيث أدت التحولات الجيوسياسية إلى تآكل الردع التقليدي وزيادة مخاطر سوء التقدير الاستراتيجي. ويضيف سلامة أن استخدام الأسلحة النووية لم يعد أمرًا مستبعدًا تمامًا، خاصة في ظل الديناميكيات الراهنة بين القوى الكبرى.

من جانبه، يشير الدكتور خالد عكاشة، الخبير الاستراتيجي، إلى أن التعديلات الروسية هي بمثابة رسالة ردع للولايات المتحدة وحلفائها، مفادها أن روسيا مستعدة لاستخدام كل الوسائل المتاحة لحماية مصالحها. ويرى عكاشة أن احتمال اندلاع صراع نووي سيظل منخفضًا طالما استمرت الأطراف الرئيسية في ممارسة ضبط النفس، لكنه يحذر من أن تصاعد التوترات قد يؤدي إلى حوادث غير مقصودة قد تشعل فتيل الأزمة.

هل يمكن أن تُنهي الحرب الانتخابات الأمريكية؟

مع اقتراب الانتخابات الأمريكية واحتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تثار تساؤلات حول تأثير ذلك على مستقبل الحرب في أوكرانيا. ترامب، الذي تبنى في فترة رئاسته الأولى سياسة تقارب حذر مع روسيا، قد يسعى لتقليص الدعم الأمريكي لأوكرانيا وإيجاد مخرج دبلوماسي للأزمة.

يرى الدكتور حسن سلامة أن فوز ترامب قد يغير قواعد اللعبة، حيث يتوقع أن ينتهج سياسة أكثر انعزالية تركز على المصالح الأمريكية الداخلية، مما قد يدفع أوكرانيا إلى التفاوض مع موسكو لإنهاء الصراع.

في المقابل، يرى الدكتور خالد عكاشة أن عودة ترامب قد تزيد من حالة عدم الاستقرار، مشيرًا إلى أن أي تقليص للدعم الأمريكي لأوكرانيا قد يدفع دولًا أوروبية أخرى إلى التدخل بشكل أكبر، مما يزيد من تعقيد الوضع.

سيناريوهات المستقبل: اشتعال أم تهدئة؟

يتوقف مسار الأزمة على عدد من العوامل، أبرزها طبيعة العلاقة بين موسكو وواشنطن خلال السنوات القادمة، ومدى قدرة الأطراف الدولية على كبح التصعيد. في حال استمر الخطاب العدائي والإجراءات التصعيدية، فإن العالم قد يكون على أعتاب مواجهة كبرى.

في المقابل، إذا تمكنت الدبلوماسية من فرض حلول وسط، فإن الأزمة قد تشهد تهدئة تدريجية، خاصة إذا ما تم التوصل إلى اتفاقيات تحد من التسلح وتعيد الثقة بين الأطراف المعنية.

التعديلات الأخيرة على العقيدة النووية الروسية تعكس تحولًا عميقًا في السياسة الدفاعية لموسكو، مدفوعًا بتطورات الصراع في أوكرانيا والتوترات مع الغرب. ومع استمرار هذه الأزمة دون حلول واضحة، يبقى العالم في حالة ترقب لما ستؤول إليه الأحداث، وسط مخاوف من أن يتحول التصعيد إلى مواجهة نووية قد تكون كارثية.

في النهاية، يبقى الأمل معقودًا على الدبلوماسية كوسيلة للخروج من هذا النفق المظلم، خاصة في ظل إدراك الجميع أن حربًا نووية لن يكون فيها أي رابح.

الصحفية/رنا سلام