تجميد الشريحة الجديدة: هل يتأثر الاقتصاد المصري بعد تأجيل قرض الصندوق؟

عبد الرحمن السيد

في خطوة تعكس تصاعد التحديات أمام الحكومة المصرية في تنفيذ أجندة الإصلاح الاقتصادي، أعلن صندوق النقد الدولي عن دمج المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج الدعم المخصص لمصر، وتأجيل صرف الشريحة الخامسة من القرض والبالغة 1.2 مليار دولار حتى نهاية العام الجاري، في ظل بطء التقدم في بعض المسارات الأساسية وعلى رأسها تخارج الدولة من الاقتصاد وتوسيع دور القطاع الخاص.

هذا التطور يعكس تحوّلًا نوعيًا في العلاقة بين مصر وصندوق النقد، ليس فقط من حيث الجدولة الزمنية، بل أيضًا من حيث شروط الحصول على التمويل، ما يطرح تساؤلات حول مدى تأثير التأجيل على الاقتصاد الكلي، والمناخ الاستثماري، والسيولة الدولارية، في ظل ظروف محلية وإقليمية حساسة.

ما وراء قرار الدمج والتأجيل

بحسب بيان رسمي للمتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، فإن دمج المراجعتين الخامسة والسادسة يهدف إلى إعطاء الحكومة المصرية مزيدًا من الوقت لتحقيق الأهداف الأساسية للإصلاح الاقتصادي، وعلى رأسها الإجراءات المتعلقة بـ”دور الدولة في الاقتصاد”، في إشارة مباشرة إلى ملف التخارج الحكومي وتمكين القطاع الخاص، وهو الملف الذي لم يشهد التقدم الملموس الذي كانت تتوقعه بعثة الصندوق.

ويأتي هذا القرار بعد أن صرفت مصر الشريحة الرابعة من القرض في أبريل الماضي، عقب إقرار نتائج المراجعة الرابعة، إلا أن التطورات الأخيرة توحي بأن الصندوق لم يقتنع بوتيرة التقدم في الإصلاحات، خصوصًا تلك الهيكلية التي تتجاوز مجرد تثبيت المؤشرات الاقتصادية، مثل التضخم والاحتياطي، لتتعلق ببنية الاقتصاد ذاته.

التأجيل لا يعني الرفض.. لكنه جرس إنذار

يرى الخبير الاقتصادي محمد فؤاد أن التأجيل لا يعني خروج مصر من البرنامج أو رفض الصندوق منح التمويل، بل “دمج المراجعتين يضع مصر أمام جدول زمني مضغوط واشتراطات أكثر صرامة”، موضحًا أن الرسالة الأساسية التي يوجهها الصندوق هي: “لا تمويل دون تقدم حقيقي في الإصلاحات”.

وأكد فؤاد أن مصر أحرزت تقدمًا ملموسًا في ملفات مثل خفض معدلات التضخم ورفع الاحتياطي النقدي الأجنبي، لكن التأجيل يعكس أن الصندوق لا يرى في هذه المؤشرات ما يكفي، طالما لم يصاحبها تحولات ملموسة في إعادة هيكلة دور الدولة وطرح الشركات العامة، مشيرًا إلى أن هذا العنصر تحديدًا يشكل جوهر التحول المستدام الذي يراهن عليه الصندوق.

وفي السياق ذاته، حذر فؤاد من أن الجدولة التمويلية أصبحت أكثر تعقيدًا، حيث سيتأخر استلام 1.2 مليار دولار على الأقل، ما قد ينعكس سلبًا على تدفقات النقد الأجنبي، بل وقد يؤدي إلى تأجيل جزء من مساعدات الاتحاد الأوروبي المرتبطة بتحقيق أهداف البرنامج، مما يُحدث فجوة محتملة في تمويل الاحتياجات الأساسية.

بدائل التمويل.. خيارات ضيقة ومكلفة

في ظل تأجيل الشريحة، طرحت الحكومة المصرية، وفقًا لما أوضحه فؤاد، 3 مسارات بديلة للتمويل:

إصدار أدوات دين محلية ودولية (أذون، سندات، صكوك).
تسريع بيع الأصول العامة لجذب تدفقات دولارية مباشرة.
الاعتماد على تدفقات الأموال الساخنة.

غير أن هذه البدائل ليست دون تكلفة. فالإصدارات الجديدة من أدوات الدين غالبًا ما تكون مرتفعة الفائدة، مما يثقل كاهل الموازنة العامة، بينما يرتبط بيع الأصول بمخاوف من التخارج السريع وغير المدروس، وهو ما قد يثير جدلًا داخليًا، إضافة إلى أن الأموال الساخنة تظل رهينة لتقلبات الأسواق العالمية وأي تغيرات في السياسات النقدية للدول الكبرى.

شهادة الصندوق وتأثيرها على المستثمرين

من جانبه، يرى مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين لتداول الأوراق المالية، أن قرار صندوق النقد الدولي بتأجيل المراجعة جاء مفاجئًا، خاصة في ظل ما وصفه بـ”الخطوات الإيجابية” التي اتخذتها مصر مؤخرًا، مثل زيادة مرونة سعر الصرف، وتراجع معدلات التضخم، وخفض أسعار الفائدة تدريجيًا، وتحسن الإيرادات العامة ومعالجة عجز الموازنة.

إلا أن شفيع أقر بأن هناك عنصرًا رئيسيًا لم يتم إحراز تقدم فيه بالشكل المطلوب، وهو المتعلق بـ”تخارج الدولة من النشاط الاقتصادي”، لافتًا إلى أن الحكومة أعلنت خطة واضحة تشمل تحديد الشركات المرشحة للبيع وزيادة عددها، ولكن لم يتم تنفيذ الخطة على أرض الواقع، مما شكل أحد الأسباب الرئيسية لتأجيل المراجعة ودمجها مع التالية.

وأوضح أن صندوق النقد لا ينظر فقط إلى الإصلاحات المالية والنقدية، بل يعتبر أن نجاح البرنامج يعتمد على تنفيذ إصلاحات هيكلية عميقة تشمل تحرير الاقتصاد وتمكين القطاع الخاص. وبالتالي، فإن التأخر في هذا المسار أضعف موقف الحكومة في المفاوضات، وجعل الصندوق يتريث قبل الإفراج عن شريحة جديدة من التمويل.

التأثيرات المتوقعة على الاقتصاد المصري

تأجيل الشريحة الخامسة سيحرم الحكومة المصرية من دفعة تمويلية مهمة، كانت ستعزز من الاحتياطي النقدي، وتمنح إشارات إيجابية للأسواق والمستثمرين. وفي ظل التحديات القائمة، قد يؤدي هذا التأجيل إلى ضغوط جديدة على العملة المحلية، خاصة إذا تزامن مع تراجع في تدفقات النقد الأجنبي، أو تباطؤ في بيع الأصول الحكومية.

كما يُخشى أن يؤدي غياب المراجعة في موعدها إلى تراجع ثقة المستثمرين الأجانب، سواء في أدوات الدين الحكومية أو في السوق المصرية عامة، إذ يعتبر العديد من المستثمرين أن “شهادة صندوق النقد” تعكس درجة الالتزام الحكومي بالإصلاحات، وتُستخدم كمرجعية من قبل مؤسسات التصنيف الائتماني.

وفي هذا السياق، يُحتمل أن تقوم بعض وكالات التصنيف الائتماني بإعادة النظر في توقعاتها لمصر، خصوصًا إذا لم يُسجل تقدم واضح في تنفيذ اشتراطات الصندوق قبل موعد المراجعة السادسة المقررة في الخريف.

بين التحدي والفرصة.. ما المطلوب الآن؟

يرى محللون أن الكرة الآن في ملعب الحكومة المصرية، التي تحتاج إلى إعادة ترتيب أولويات الإصلاح الاقتصادي والتركيز على الملفات التي تعتبرها بعثة صندوق النقد “أساسية”، وفي مقدمتها:

الإسراع في تطبيق برنامج تخارج الدولة من الاقتصاد.
تحسين مناخ الاستثمار لتشجيع القطاع الخاص.
تعزيز الشفافية في طرح الشركات العامة.
ضبط الأداء المالي دون المساس بالبعد الاجتماعي.

كما أن الحكومة مطالبة بفتح قنوات تواصل أكثر فاعلية مع المواطنين والرأي العام لتفسير أهمية الإصلاحات، وطمأنة الشارع بأن برنامج الطروحات لا يعني التخلي عن أصول الدولة بشكل عشوائي، وإنما يستهدف تحسين كفاءة الإدارة وضخ استثمارات جديدة.

رغم أن تأجيل الشريحة الخامسة لا يعني انهيار العلاقة بين مصر وصندوق النقد، إلا أنه يشكل إشارة تحذيرية قوية بضرورة تحقيق نتائج ملموسة، خاصة في الملفات الهيكلية. والمراجعة القادمة في الخريف ستكون بمثابة اختبار حاسم لقدرة الحكومة على الالتزام بالتعهدات.

وفي ظل تشابك التحديات الاقتصادية والمالية، فإن نجاح مصر في استعادة ثقة الصندوق والمستثمرين يتطلب الإسراع في وتيرة الإصلاح، ووضع خطط تنفيذية دقيقة، وليس فقط إعلان النوايا. فالتمويل لن يُمنح إلا مقابل تقدم حقيقي يُقنع الصندوق والأسواق بجدية الدولة في التحول نحو اقتصاد أكثر انفتاحًا وتنافسية.