تحركات مصرية تركية لاحتواء تصعيد غزة… تقارب حذر أم تمهيد لتحالف؟

كتبت: هدير البحيري

استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، السبت، وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، بمدينة العلمين الجديدة، في زيارة رسمية تأتي ضمن مسار تعزيز العلاقات بين القاهرة وأنقرة، شهدت مناقشات موسعة حول التطورات الإقليمية والدولية.
وذكر بيان للرئاسة المصرية أن المباحثات ركزت على تطورات الأوضاع في قطاع غزة، حيث جرى التأكيد على رفض إعادة الاحتلال العسكري الإسرائيلي للقطاع، وضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، والإفراج عن الرهائن والأسرى، مع التشديد على رفض تهجير الفلسطينيين.

كما تناول اللقاء ملفات إقليمية أخرى، من بينها الأوضاع في ليبيا وسوريا والسودان، حيث استعرض الرئيس السيسي رؤية مصر لتحقيق السلام والاستقرار في هذه الدول، مؤكدًا أهمية احترام سيادتها والحفاظ على وحدة أراضيها ومقدرات شعوبها.

وفي ملف العلاقات الثنائية، أشار الرئيس السيسي إلى التطور النوعي، الذي شهدته العلاقات المصرية التركية، خاصة بعد توقيع الإعلان المشترك في فبراير 2024 لإعادة تفعيل اجتماعات مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى، ورفعها إلى مستوى رئيسي البلدين. وأكد الطرفان ضرورة تعزيز التعاون الاقتصادي والسعي للوصول بحجم التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار، وفق ما تم الاتفاق عليه خلال زيارة السيسي إلى أنقرة في سبتمبر الماضي، إلى جانب توسيع مشاركة الشركات التركية في المشروعات الاستثمارية داخل مصر.

وعلى هامش الزيارة، عقد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مؤتمرًا صحفيًا مشتركًا مع نظيره التركي، شدد خلاله على أن تهجير الفلسطينيين من أراضيهم “خط أحمر” لا يمكن السماح به تحت أي ظرف.
وأدان عبدالعاطي القرار الإسرائيلي بتوسيع نطاق السيطرة على قطاع غزة، داعيًا إلى تكاتف الجهود الدولية لردعه.
كما أكد رفض أي محاولات لفرض هيمنة على المنطقة أو إعادة هندستها بما يتعارض مع القانون الدولي.

وأشار عبد العاطي إلى أن المباحثات مع فيدان اتسمت بـ”الإيجابية والثراء”، وتناولت التحضير للجلسة المقبلة للمجلس الاستراتيجي الأعلى، المقررة العام المقبل، بالتزامن مع مرور 100 عام على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، متوقعًا أن تشهد هذه المناسبة زيارة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى القاهرة.
كما بحث الوزيران سبل الدفع بالعلاقات الاقتصادية والتجارية إلى آفاق أوسع، مع إعطاء أولوية لدعم الاستثمارات التركية في مصر وإزالة أي معوقات أمامها.

من جانبه، أشاد الوزير التركي، هاكان فيدان بالإصلاحات الاقتصادية ومشروعات البنية التحتية التي نفذتها مصر، معتبرًا أنها جعلت منها “نموذجًا يحتذى به في التنمية”، وأكد استمرار التعاون في مجالات الصناعات الدفاعية والمواصلات وأمن الطاقة.
ولفت فيدان إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 9 مليارات دولار في 2024، مع السعي لرفعه إلى 15 مليار دولار في السنوات المقبلة.

كما أثنى فيدان على جهود الوساطة، التي تقوم بها مصر وقطر والولايات المتحدة بين إسرائيل وحركة حماس، داعيًا منظمة التعاون الإسلامي إلى عقد اجتماع طارئ لمواجهة المخططات الإسرائيلية في غزة.

واختُتمت الزيارة بتشديد الجانبين على أن العلاقات المصرية التركية تشهد “مرحلة متقدمة من التلاقي الاستراتيجي”، تقوم على وضوح الرؤى وتنسيق المواقف، بما يخدم مصالح الشعبين ويدعم جهود تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
وفي تعليق حول الزيارة، قال الدكتور يسري عبيد، الباحث في العلاقات الدولية، في حوار خاص لـ”نافذة الشرق” إن توقيت زيارة وزير الخارجية التركي إلى مصر يأتي في إطار الظروف، التي تمر بها المنطقة، خاصة في ظل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مشيرًا إلى أن مصر وتركيا دولتان إقليميتان كبيرتان، وبالتالي فإن الأوضاع الراهنة في المنطقة العربية أو الشرق الأوسط تفرض ضرورة التشاور والتنسيق بين الدول الكبرى، وعلى رأسها مصر وتركيا، لا سيما أن الملفات الفلسطينية والسورية واللبنانية والليبية تعد قضايا مشتركة بين الجانبين.

وأوضح عبيد أن عودة العلاقات بين القاهرة وأنقرة إلى طبيعتها، منذ تبادل الزيارات بين الرئيسين المصري والتركي، أسهمت في فتح المجال أمام المزيد من التنسيق، متوقعًا أن تشهد الفترة المقبلة لقاءات متبادلة بين وزيري الخارجية والدفاع في البلدين لبحث الملفات الإقليمية. ولفت إلى أن أنقرة تسعى حاليًا إلى توطيد العلاقات مع القاهرة، من خلال زيادة حجم التبادل التجاري، خاصة بعد فترة الجفاء السابقة.

وأكد عبيد أنه لا يعتقد أن التقارب المصري التركي يثير انزعاجًا لدى بعض القوى الإقليمية في الوقت الراهن، لأن هذا التقارب لم يصل بعد إلى مرحلة التحالف أو الشراكة الاستراتيجية الكاملة، أو التوافق في الرؤى حول مختلف الملفات.
وأضاف أن إسرائيل قد تشعر بالقلق إذا ما تحولت العلاقات المصرية التركية إلى تحالف إقليمي كبير في المجالات العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن.

وحول إمكانية قيام تحالف إقليمي جديد بين البلدين، استبعد عبيد ذلك، موضحًا أن هناك تباينًا كبيرًا في المواقف بين القاهرة وأنقرة بشأن عدد من القضايا، منها الملف الليبي، إذ تدعم تركيا حكومة عبد الحميد الدبيبة في الغرب، بينما تدعم مصر المشير خليفة حفتر في الشرق. كما توجد خلافات حول غاز شرق البحر المتوسط، بالإضافة إلى ملف جماعة الإخوان المسلمين. واعتبر أن هذه الخلافات العميقة تجعل ما يحدث حاليًا يقتصر على التشاور وتبادل الزيارات، دون نية لإقامة تحالف شامل.

وفي ما يتعلق برفض تهجير الفلسطينيين من غزة، قال عبيد إنه يمكن ترجمة هذا الرفض إلى خطوات عملية على الأرض من خلال ممارسة ضغوط كبيرة على إسرائيل لإنهاء معاناة القطاع.
وأشار إلى أن مصر تمتلك ورقة الضغط عبر علاقاتها الدبلوماسية واتفاقية السلام، بينما ما زالت القاهرة وأنقرة، برأيه، لم تقوما بخطوات كافية لوقف ما وصفه بـ”حرب الإبادة والتجويع” ضد غزة.
وأكد عبيد أن ما يحدث على الأرض من خطوات إسرائيلية، ومنها قرار احتلال القطاع، قد يكون تمهيدًا لتهجير السكان إلى الحدود أو البحر، مضيفًا: “حتى الآن، لم تمارس الدولتان ما يكفي من أدوات الضغط لوقف هذا السيناريو، وهناك خطوات ممكنة لكن لا توجد إرادة واضحة لتنفيذها”.
وعن ملف المعابر والمساعدات الإنسانية، شدد عبيد على أهميته القصوى، مشيرًا إلى أن هناك مساعدات مكدسة على الجانب المصري من معبر رفح، وأن منظمات ومؤسسات إغاثية تركية أرسلت عشرات الشاحنات إلى قطاع غزة عبر ميناء العريش.
وأوضح أن إدخال هذه المساعدات يحتاج إلى تدخل مصري تركي مباشر للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة لإنهاء معاناة المدنيين ووقف سياسة التجويع، لافتًا إلى أن القاهرة وأنقرة، رغم إمكاناتهما الكبيرة، لا تمتلكان حاليًا أدوات فاعلة لإجبار إسرائيل على فتح المعابر، نظرًا لوجود علاقات دبلوماسية وتجارية قائمة مع تل أبيب.

وقال الدكتور هاني الجمل، رئيس وحدة الدراسات الأوروبية والاستراتيجية بمركز العرب، إن توقيت زيارة وزير الخارجية التركي إلى مصر يحمل دلالات مهمة، خاصة في ظل تعدد الملفات المشتركة بين البلدين، وفي مقدمتها ملف غزة.
وأوضح الجمل لـ”نافذة الشرق” أن أولوية المرحلة الحالية تتمثل في إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، والضغط على حركة حماس للقبول بجهود الوساطة المصرية-القطرية، لتقليل معاناة الشعب الفلسطيني، مؤكدًا أن تركيا تمتلك علاقات قوية مع قيادات فلسطينية ومصالح اقتصادية مشتركة معهم، وهو ما يمكن لمصر الاستفادة منه في ممارسة الضغط على حماس، ليس لفرض وضع سياسي جديد، وإنما لضمان وصول المساعدات.

وأضاف الجمل أن الملف السوري يمثل محورًا استراتيجيًا آخر للتنسيق بين القاهرة وأنقرة، في ظل الانقسامات الاجتماعية، وغياب الأفق السياسي، وتطورات السويداء والحسكة، فضلًا عن محاولات إسرائيل توسيع نفوذها في الجولان واستغلال الطائفية لتقسيم سوريا.
وأوضح أن التمدد التركي في سوريا يتناقض مع الرؤية المصرية، التي ترى في هذا النهج تهديدًا مباشرًا للأمن القومي، معتبرًا أن استمرار الوضع الحالي ينذر بتفكك العقد الأمني الإقليمي.

في ملف إدارة المعابر، شدد الجمل على أن فلسطين تملك ستة معابر مع إسرائيل، وليس معبر رفح فقط، الذي تشرف عليه مصر.
وأوضح أن القاهرة لجأت مؤخرًا إلى استخدام معبر كرم أبو سالم لإدخال المساعدات، رغم أنه يخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، في خطوة تعكس مرونة مصرية استجابة لضرورات إنسانية ملحة.
كما وجه الجمل انتقادًا حادًا لمؤسسة غزة الإنسانية المدعومة أمريكيًا، متهمًا إياها بتحويل المساعدات إلى أداة ضغط سياسي على الفلسطينيين، سواء من خلال حرمانهم منها أو استهدافهم بشكل مباشر، وهو ما أسفرعن مقتل أكثر من 1400 فلسطيني، إلى جانب دفع أعداد كبيرة منهم إلى التهجير القسري من شمال القطاع إلى جنوبه.

وفي المقابل، أشار إلى أن تركيا أرسلت أكثر من سفينة محملة بالمساعدات إلى غزة، إلا أن إسرائيل منعتها من الوصول.
وهنا يرى الجمل أن على أنقرة أن تستغل علاقاتها السياسية والاقتصادية الوثيقة مع تل أبيب للضغط من أجل فتح المعابر الأخرى، التي لا تملك مصر أي إشراف جغرافي عليها، بحيث يتم تسهيل إدخال المساعدات عبر أكثر من منفذ.
ولفت إلى أن المظاهرات، التي خرجت في عدة مدن تركية مؤخرًا تأتي في هذا الإطار، كمحاولة للضغط الشعبي على القيادة التركية لاستخدام نفوذها مع إسرائيل لتحقيق هذا الهدف.

وشدد الجمل على أن القاهرة وأنقرة دولتان محوريتان إقليميًا ودوليًا، ولديهما علاقات واسعة مع روسيا وأمريكا والدول العربية، ما يمنحهما أوراق قوة كبيرة، لافتًا إلى أن هذا الدور يصطدم بـ تعنت إسرائيل والغطاء الأمريكي لها، وهو ما يعرقل أي جهود سياسية، خاصة في ظل استخدام واشنطن لحق الفيتو أكثر من مرة في مجلس الأمن.
أكد الجمل أن مصر تتحمل حاليًا العبء الأكبر في مواجهة المخططات الإسرائيلية، بصفتها الوسيط الرئيسي وصاحبة الدور المباشر في الجهود الإقليمية، بما في ذلك مساعي تشكيل لجنة تكنوقراطية لإدارة غزة في حال انسحاب إسرائيل.
وفي المقابل، يرى أن الدور التركي ما زال محدودًا في تنسيق المواقف، رغم امتلاك أنقرة أوراق ضغط استراتيجية بحكم علاقاتها الوثيقة مع تل أبيب، داعيًا إلى توظيف هذه الأوراق بشكل حاسم لوقف التهجير وحماية الحقوق الفلسطينية، بدلًا من ترك مصر الطرف الإقليمي الوحيد الذي يواجه هذه المخططات.