تحول دبلوماسي استراتيجي.. كيف قادت مصر القارة الأفريقية إلى قيادة اليونسكو

كتبت علياء الهواري

بينما احتفت القاهرة بفوز الدكتور خالد العناني بمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو للفترة 2025–2029، برز سؤال محوري في الكواليس الدولية كيف نجحت مصر في حشد هذا الدعم الأفريقي والعالمي غير المسبوق؟ وهل يمثل الفوز مجرد انتصار شخصي، أم أنه تتويج لتحول استراتيجي في علاقات مصر الدولية خلال العقد الأخير؟
في هذا الحوار، يكشف الدكتور محمد العزبي، خبير العلاقات الدولية، لـنافذة الشرق عن كواليس المشهد الدبلوماسي وراء فوز مصر، وكيف يمكن للقاهرة أن تستثمر موقعها الجديد لبناء” يونسكو أكثر عدالة وإنسانية”

ما الأسباب الحقيقية وراء الدعم الإفريقي الكبير لمصر في سباق رئاسة اليونسكو؟ وهل يعكس ذلك تطور العلاقات المصرية–الإفريقية في السنوات الأخيرة؟

يقول الدكتور العزبي إن الدعم الإفريقي الواسع لمصر لم يكن مفاجئًا، بل ثمرة عقد كامل من التحولات الاستراتيجية في العلاقات المصرية الإفريقية ، وفوز الدكتور خالد العناني بـ55 صوتًا من أصل 58 في المجلس التنفيذي يعكس إجماعًا أفريقيًا نادرًا”، يؤكد العزبي، موضحًا أن الاتحاد الأفريقي دعم ترشيحه ثلاث مرات متتالية منذ عام 2024، معتبرًا أن مصر تمثل صوت القارة في المحافل الثقافية العالمية

ويضيف: “منذ عام 2014، شهدت العلاقات المصرية–الأفريقية طفرة نوعية، سواء على مستوى الاستثمارات أو الأمن، حيث ارتفعت الاستثمارات المصرية في القارة بنسبة 300%، وتجاوز حجم التبادل التجاري 10 مليارات دولار سنويًا”

ويتابع: “هذا الفوز ليس دبلوماسيًا فقط، بل رمزيًا أيضًا، يعكس تحول مصر من دولة تبحث عن دور في أفريقيا إلى دولة تقود القارة من بوابة الثقافة”

إذا فاز الدكتور خالد العناني بالمنصب، ما أبرز الملفات التي ستحملها مصر إلى طاولة المنظمة؟ وهل هناك رؤية لتعزيز حضور الدول النامية داخلها؟

يوضح العزبي أن العناني يدخل المنظمة برؤية شاملة عنوانها “اليونسكو من أجل الناس” (UNESCO for the People)، تركز على جعل المنظمة أقرب للمجتمعات لا للنخب السياسية
“من أولوياته حماية التراث في مناطق النزاعات مثل فلسطين والسودان، وتخصيص 30% من ميزانية المنظمة لمشروعات تعليمية وثقافية في أفريقيا وآسيا”، يقول العزبي ، كما يسعى العناني، بحسب الخبير، إلى زيادة تمثيل الدول النامية في مجلس اليونسكو بنسبة 20%، وإنشاء صندوق دولي للتراث الرقمي تدعمه دول الجنوب، في خطوة تهدف إلى تحقيق “عدالة ثقافية عالمية”

إلى أي مدى يمكن القول إن الدعم الإفريقي ارتبط بشبكة المصالح الاقتصادية والدبلوماسية التي بنتها مصر داخل القارة؟

يرى العزبي أن الدبلوماسية الاقتصادية كانت كلمة السر في هذا الدعم، مؤكدًا أن مصر خلال العقد الأخير بنت “شبكة مصالح متشابكة” جعلت منها شريكًا موثوقًا في القارة
“الاستثمارات المصرية في أفريقيا بلغت نحو 8 مليارات دولار، تركزت في قطاعات الطاقة والزراعة، مع دعم مباشر لعمليات حفظ السلام ومكافحة الإرهاب”، يوضح العزبي، مضيفًا:
“جولة وزير الخارجية المصري في يوليو 2025، التي شملت خمس دول أفريقية، كانت بمثابة جولة حشد دبلوماسي ناجحة، أكدت ثقة العواصم الأفريقية في القيادة المصرية”

كيف يمكن لمصر أن توظف وجودها في اليونسكو لخدمة القضايا الثقافية العالمية، خاصة حماية التراث في مناطق الصراع؟

يؤكد العزبي أن التراث المصري سيكون مفتاح الدبلوماسية الثقافية الجديدة، “مصر تمتلك سبعة مواقع على قائمة التراث العالمي، وتجربتها في ترميم آثار الأقصر وأسوان يمكن أن تصبح نموذجًا دوليًا”، يقول العزبي”
ويضيف: “في فلسطين، ستقود مصر مبادرات لتعزيز قرارات اليونسكو بحماية القدس والخليل كمواقع مهددة، بينما في السودان، يمكنها إطلاق حملة (حماية التراث الحي) بالتعاون مع المنظمة لإنقاذ الآثار المهددة بالنهب، وربما إنشاء مخازن آمنة في القاهرة”.
هذه التحركات، بحسب العزبي، “ستعيد لليونسكو دورها الأخلاقي في مواجهة الاتجار غير الشرعي بالآثار الذي يُفقد الدول النامية مليارات الدولارات سنويًا”.

ما طبيعة التحركات المصرية على الساحة الدولية لكسب تأييد أوروبا وآسيا؟ وما التحديات المقبلة؟
يشرح العزبي أن الحملة المصرية اعتمدت على دبلوماسية القيم المشتركة بدلًا من الصفقات السياسية المباشرة
“فرنسا دعمت القاهرة بشكل واضح بعد لقاءات رفيعة بين الرئيسين السيسي وماكرون، بينما ربطت مصر تعاونها مع الاتحاد الأوروبي بأهداف التنمية المستدامة”، يوضح ، كما يشير إلى أن تحالفات مصر الآسيوية مع الصين والهند ساهمت في كسب نحو 20 صوتًا آسيويًا في التصويت الأخير ، أما عن التحديات، فيشير إلى ثلاث نقاط أساسية:
تعويض انسحاب الولايات المتحدة المتوقع في ديسمبر 2026.
مواجهة اتهامات التحيز ضد إسرائيل بسبب مواقف المنظمة من القدس.
الحاجة إلى ترميم الثقة بين الشرق والغرب داخل اليونسكو.

لكن خبرة العناني في إدارة ملفات التراث تمنحه قدرة على بناء جسور جديدة داخل المنظمة”، يختم العزبي ، وفوز مصر برئاسة اليونسكو لا يمثل مجرد إنجاز دبلوماسي، بل عودة رمزية لدولة الحضارة إلى قلب الوعي الثقافي العالمي. ومع دخول القاهرة مقر المنظمة في باريس بثقة واستراتيجية واضحة، يبدو أن “اليونسكو الجديدة” ستنطق بلهجة أكثر إنسانية وأفريقية — لهجة تقول إن الثقافة ليست ترفًا، بل ركيزة للسلام العالمي