كتبت : ضحى ناصر
أكدت المتحدثة بإسم البيت الأبيض كارولين ليفيت أن زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الحالية العاصمة الإماراتية أبوظبي، والتي يختتم بها جولته العربية الثانية في تاريخه والتي شملت السعودية وقطر، حيث كان في مقدمة مستقبليه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، إنما تهدف إلى مواجهة التطرف وتعميق التعاون التجاري والثقافي.
و جاءت تلك الزيارة بعد ثمان سنوات من زيارته التاريخية للمنطقة خلال ولايته الأولى وهى أول زيارة لرئيس أمريكي في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة منذ قيام الإتحاد في ديسمبر من عام ١٩٧١.
قمة ثنائية لمناقشة الأوضاع العالمية والإقليمية
عقد الرئيسان قمة ثنائية ناقشت العلاقات الدفاعية والاقتصادية والتكنولوجية، وتبادلا وجهات النظر حول قضايا إقليمية كالوضع في غزة وأمن الشرق الأوسط وجهود التهدئة في أوكرانيا.
هذا و قد أكد الزعيمين على أهمية تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
من جهته فقد أعرب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد عن تقديره لجهود ترامب في تعزيز هذه الشراكة التي تمتد لأكثر من 50 عامًا.
صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد يمنح ترامب أرفع وسام في الدولة
كما منح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “وسام الشيخ زايد”، حيث جرت مراسم تقليد الوسام و الذي يعد أعلى وسام تمنحه دولة الإمارات لرؤساء الدول وملوكها وقادتها في قصر الوطن في أبوظبي في إطار زيارة دولة يقوم بها الرئيس الأمريكي إلى دولة الإمارات.
وأكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، خلال إجتماعه مع الرئيس دونالد ترامب، في أبوظبي، إن “الإمارات حريصة على تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة”، لافتاً إلى وجود شراكة قوية بين البلدين.
وأضاف: “زيارتكم أعطت دفعة قوية للشراكة الإستراتيجية بين بلدينا”
ترامب للشيخ محمد بن زايد : أنت رجل محترم جداً في الشرق الأوسط
من جهته فقد أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالشيخ محمد بن زايد قائلاً “الشيخ محمد بن زايد محارب عظيم ورجل ذو رؤية”.
كما أعرب ترامب عن إعجابه وتقديره لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد قائلاً: “أنت محترم جداً في الشرق الأوسط”.
هذا وقد أشاد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالعلاقة التي تجمعه برئيس دولة الإمارات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مؤكدًا أنها علاقة “صداقة طويلة” و”شراكة مميزة”
وأكد الرئيس الأمريكي أن العلاقات بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات، ستكون أفضل وأقوى مشيرًا إلى إن الولايات المتحدة، تقدر ثقة الإمارات فيها.
إستثمارات بقيمة 1,4 تريليون دولار
فيما أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد إلى أن الشراكة بين الإمارات والولايات المتحدة أخذت دفعة نوعية وغير مسبوقة خاصة في الإقتصاد الجديد والطاقة والتكنولوجيا المتجددة والذكاء الاصطناعي والصناعة.
وأوضح أن الإمارات تخطط للإستثمار بالولايات المتحدة عبر مؤسسات إستثمارية إماراتية بقيمة 1.4 تريليون دولار خلال 10 سنوات قادمة.
و أضاف بن زايد أن الولايات المتحدة شريك استراتيجي للإمارات في مشروع استكشاف المريخ ومشروع حزام الكويكبات.
وعن ذلك يقول الباحث والمحلل السياسي المتخصص في الشأن الأمريكي في تصريحات خاصة لنافذة الشرق أنه بالموازاة مع الحضور السياسي، تواصل الإمارات إعادة تشكيل موقعها العالمي من خلال مشروع طموح لتحويل اقتصادها إلى اقتصاد معرفي متقدم. وفي هذا السياق، أعلنت عن توقيع حزمة من الاتفاقيات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، بقيمة تقارب 1.4 تريليون دولار، تمتد لعقد من الزمن، وتركّز على تطوير صناعات المستقبل.
الاتفاقيات تشمل شراكات مع شركات أمريكية كبرى مثل Intel وAMD لتوطين صناعة الرقائق الإلكترونية، وتوسيع نطاق التعاون ليشمل الذكاء الاصطناعي التوليدي عبر مشروع MGX ومركز أبوظبي للذكاء الاصطناعي، بالشراكة مع OpenAI، وOracle، وSoftBank. وتهدف هذه الخطوات إلى إنشاء مراكز بيانات ضخمة، تعزز الأمن السيبراني والحوسبة السحابية، وترسّخ موقع الإمارات كمركز تكنولوجي عالمي.
وفي خطوة ذات دلالات أعمق، استثمرت الإمارات – عبر شركة G42 – لاستيراد نصف مليون شريحة معالجة سنويًا من شركة NVIDIA حتى عام 2027، ضمنها 100 ألف شريحة تُخصص لتطوير نماذج متقدمة مثل “جيس” (Jais)، ما يعكس طموحًا لصياغة مستقبل الذكاء الاصطناعي لا مجرد استهلاكه.
الأهم في كل ذلك، أن هذا التوجه يترافق مع تقليص تدريجي للعلاقات التقنية مع الصين، انسجامًا مع اشتراطات الأمن القومي الأمريكي، في مشهد يُشير إلى إعادة تموضع إماراتي دقيق ضمن خارطة التوازنات الدولية المتغيرة.
تفاصيل مشروع المجمع الإماراتي الأمريكي الجديد والمتكامل للذكاء الاصطناعي
كما شهد الزعيمين توقيع مشروع مستقبلي للذكاء الإصطناعي بين البلدين .
حيث أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية إنه جرى الكشف عن المجمع الإماراتي الأمريكي الجديد والمتكامل للذكاء الاصطناعي بقدرة 5 جيجاواط، خلال الحفل الذي أقيم في قصر الوطن في أبوظبي بحضور الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأوضحت الوزارة في بيان رسمي أن هذا المجمع الجديد للذكاء الاصطناعي، يعد الأكبر من نوعه خارج الولايات المتحدة، مركزًا يحتضن شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى، بما يمكّنها من الاستفادة من قدرات الحوسبة الإقليمية لخدمة مناطق الجنوب العالمي مع توفير منصة إقليمية تتيح لشركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى تقديم خدمات منخفضة التأخير لما يقرب من نصف سكان العالم الذين يعيشون ضمن نطاق 3,200 كيلومتر (2,000 ميل) من دولة الإمارات.
وفي أعقاب إستكماله، سيعتمد على الطاقة النووية والشمسية والغازية لتقليل الانبعاثات الكربونية، وسيضم أيضًا حديقة علمية تُعنى بتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وسيتم إنشاء المجمع على مساحة 10 أميال مربعة ضمن إمارة أبوظبي، وسيُشيَّد بواسطة شركة G42 بالتعاون مع عدد من الشركات الأمريكية.
ويأتي هذا المشروع ضمن إطار الشراكة الجديدة بين حكومتي الإمارات والولايات المتحدة، تحت اسم “شراكة تسريع الذكاء الإصطناعي بين الإمارات والولايات المتحدة”، لتعزيز التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة.
الولايات المتحدة و أبوظبي يتعهدان بالتعاون في مجال حماية تقنيات الذكاء الإصطناعي
هذا وقد أكدت دولة الإمارات إلتزامها بحماية تقنيات الذكاء الإصطناعي المتقدمة من خلال تنفيذ تدابير صارمة لمنع إساءة استخدامها وضمان التحكم في الوصول إليها.
وستعمل الإمارات والولايات المتحدة معًا على تعزيز بروتوكولات “اعرف عميلك” (KYC) لتنظيم الوصول إلى موارد الحوسبة المخصصة حصريًا للشركات الأميركية الكبرى ومزودي الخدمات السحابية المعتمدين.
من جهته فقد تعهد صاحب السمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، رئيس مجلس الذكاء الإصطناعي والتقنيات المتقدمة: “الاتفاقية الموقعة اليوم تعكس التعاون المتواصل بين بلدينا في مجال الذكاء الاصطناعي.
وهو مايُعد بمثابة تعبير عن التزام الإمارات بريادة الابتكار وتعزيز التعاون العالمي في هذا المجال، ما يعزز مكانة الدولة كمركز رائد للأبحاث والتطوير المستدام لخدمة البشرية.”
محمد بن زايد يتحدث عن الطبيبان الأمريكيان الذي وُلِد بمشفاهما في أبوظبي
وفي بادرة لطيفة تحدث صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد عن طبيبين أمريكيين جاءا من كاليفورنيا في الخمسينات، معتبراً أنهما قد حفرا إسميهما في ذاكرة دولة الإمارات، و هما بات وماريان كند.
لافتاً إلى أنهما قد جاءا إلى مدينة العين في آخر الخمسينات، وعملا في ظروف صعبة جداً، حيث كان يتوفى طفل من كل طفلين، وكانت هناك وفاة بين كل 4 أمهات خلال الولادة.
وأوضح الشيخ محمد بن زايد أن الطبيبين قد أسسا مستشفى الواحة، والذي لعب دوراً رئيسياً في تاريخ الرعاية الصحية في دولة الإمارات.
وأوضح: “بعد وصولهما ببضعة أشهر، أنا ولدت في هذا المستشفى”.
واستطرد رئيس دولة الإمارات: “تقديرا لجهودهما في مجتمع الإمارات مُنحا جائزة أبوظبي في دورتها الأولى عام 2005، كما جرى تغيير اسم المستشفى عام 2019 إلى مستشفى كند تكريما لهما”.
وأختتم حديثه قائلاً: “إستقبلْت عائلتيهما في أبوظبي عرفاناً لما قدماه من خدمات لشعب دولة الإمارات”.
لماذا أختار ترامب أن تكون أبوظبي بالتحديد هي وجهته الختامية لجولته التاريخية
يجيب عن هذا التساؤل الباحث والمحلل السياسي المختص في الشأن الأمريكى الدكتور فاضل اليونس في تصريحات خاصة لنافذة الشرق، حيث أوضح أن إختيار الإمارات العربية المتحدة كمحطة ختامية في جولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخليجية لم يكن خيارًا بروتوكوليًا عابرًا، بل جاء محمولًا على إعتبارات إستراتيجية تعكس مكانة أبوظبي كطرف مؤثر في التوازنات الإقليمية والدولية.
لافتاً إلى أن الإمارات تُعرف بعقلانيتها السياسية، وإنفتاحها على الشراكات المتوازنة مع القوى الكبرى، من واشنطن إلى بكين، دون أن تُربك موقعها التقليدي كحليف موثوق للولايات المتحدة، هذا التوازن منحها هامشًا نادرًا للمناورة بين المتناقضات، لا سيما في ملفات حساسة كالاتفاق النووي الإيراني، والحرب في غزة، وتشكيل هندسة الأمن الإقليمي.
وأشار إلى أن علاقاتها المتينة مع واشنطن، إلى جانب تواصلها المفتوح مع قوى إقليمية كإيران وإسرائيل، منحاها قدرة ناعمة على التأثير، وهو ما جعل من زيارة ترامب لأبوظبي – بعد الرياض والدوحة – لحظة سياسية مفصلية، أتاحت للإمارات التأثير في التصوّر الأمريكي النهائي تجاه قضايا المنطقة، وربما إعادة توجيه بعض الانطباعات التي تشكّلت في المحطات السابقة.
وأختتم بهذا المعنى، لم تكن الإمارات محطة أخيرة فقط، بل كانت بمثابة “نقطة تحرير القرار”، حيث يتم تثبيت أو تعديل مخرجات الجولة وفق ما يتماشى مع مصالحها وأمنها القومي، مما يعزز دورها كركيزة أساسية في معادلة الخليج–واشنطن.