إسلام ماجد
في خطوة وصفتها موسكو بالخطيرة، وبكين بالإكراهية، أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلط أوراق المشهد الدولي بإعلانه عن إجراءات تصعيدية غير مسبوقة ضد روسيا، بسبب استمرار الحرب في أوكرانيا التي دخلت عامها الرابع دون بادرة حقيقية للانفراج.
أوامر مباشرة وتسليح هجومي
ترامب أعلن بشكل واضح نية واشنطن تزويد أوكرانيا بأسلحة هجومية جديدة، تشمل بطاريات باتريوت المتقدمة، بالتنسيق مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأكد أن الولايات المتحدة لن تتحمل التكلفة وحدها، بل ستسددها دول الحلف كاملًا، وفق اتفاق تم التوصل إليه في قمة يونيو الماضي.
ومن المنتظر أن ترسل دول أوروبية أنظمة دفاع جوي مماثلة إلى كييف، ضمن خطة غربية لتحديث الترسانة العسكرية الأوكرانية ورفع قدرتها على المواجهة في الميدان، وسط تصعيد متواصل بين موسكو والعواصم الغربية.
تهديد بالعقوبات.. و50 يومًا للسلام
لكن التحول الأخطر في خطاب ترامب جاء حين منح روسيا مهلة نهائية مدتها 50 يومًا لإبرام اتفاق سلام، محذرًا من أن عدم الالتزام سيقابله بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الواردات الروسية، إلى جانب عقوبات ثانوية على أي دولة تواصل شراء النفط أو الغاز أو أي من مصادر الطاقة الروسية.
الرئيس الأميركي كرر هذا التهديد في اجتماع بالبيت الأبيض مع الأمين العام للناتو مارك روته، مشيرًا إلى أنه يعتمد على التجارة كسلاح فعال في حسم النزاعات، قائلًا بالحرف: “أنا أستخدم التجارة في الكثير من الأشياء، لكنها رائعة لتسوية الحروب”.
موسكو ترد وتصف الخطوة بالتصعيد
ردود الفعل الروسية لم تتأخر، حيث وصف وزير الخارجية سيرغي لافروف التهديدات الأميركية بأنها “لعب بالنار”، مؤكدًا أن إمدادات الأسلحة لأوكرانيا تُورط الناتو بشكل مباشر في النزاع، وأن أي شحنة تحتوي على أسلحة ستكون هدفًا مشروعًا للقوات الروسية
أما المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، فأكد أن تصريحات ترامب بالغة الخطورة، وتحتاج إلى تحليل عميق قبل الرد الرسمي عليها، مضيفًا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيرد حين يرى الوقت مناسبًا.
بكين: الإكراه لا يصنع السلام
الصين، الشريك التجاري الأول لروسيا، دخلت على خط الأزمة، وانتقدت بشدة التهديدات الأميركية، ووصفتها بأنها لا تخدم جهود السلام في المنطقة. وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية لين جيان إن “الإكراه والضغط لن يؤديا إلى أي نتيجة”.
وأضاف أن بكين تؤمن بالحوار والمفاوضات كسبيل وحيد لحل الأزمة، مشيرًا إلى أن بلاده تواصل استيراد النفط الروسي في مستويات قياسية رغم العقوبات الغربية، وتدعو جميع الأطراف إلى تهيئة مناخ ملائم للتوصل إلى تسوية سياسية عادلة.
تصعيد ثلاثي الأبعاد.. والعالم يترقب
في ظل التحولات السريعة، تترقب العواصم العالمية ما ستؤول إليه الأيام الخمسين التي حددها ترامب، بين مهلة للسلام وتهديد بالتصعيد الاقتصادي والعسكري. ويبدو أن المشهد مرشح لمزيد من التأزم، خاصة مع تعنت موسكو، ودخول قوى كبرى مثل الصين على خط المواجهة بشكل أكثر وضوحًا من أي وقت مضى.
وفي سياق متصل أكد الدكتور حامد فارس، أستاذ العلاقات الدولية،في تصريحات خاصة لـ “نافذة الشرق” أن العلاقات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترامب دخلت في منحنى متدنٍ في الآونة الأخيرة، خاصة بعد التصريحات التي صدرت عن الرئيس الأميركي، والتي اتهم فيها نظيره الروسي بأنه لا يسعى جديًا لحل الأزمة الروسية الأوكرانية، ولا يرغب في إنهاء الحرب المستمرة منذ فبراير 2022.
وأشار فارس إلى أن هذه التصريحات تفتح الباب أمام موجة من التصعيد المتبادل بين الطرفين، خصوصًا في ضوء الخطوات التي تتخذها الولايات المتحدة حاليًا، وعلى رأسها السماح بإرسال معدات دفاعية إلى أوكرانيا، وهو ما قد يتطور في الفترة المقبلة إلى إرسال مساعدات عسكرية هجومية، مما قد يفاقم حدة التوترات على الساحة الدولية، ويهدد بمزيد من التصعيد الخطير.
وفيما يتعلق بالشق الاقتصادي من التصعيد، رأى أستاذ العلاقات الدولية أن روسيا تُعد الدولة الأكثر تعرضًا للعقوبات في العالم، موضحًا أن هذه العقوبات لم تُجدِ نفعًا في وقف العمليات العسكرية الروسية، بل استمرت الحرب رغم الإجراءات الغربية الصارمة، التي شملت نحو 6500 عقوبة، منها الإقصاء من نظام “سويفت” المالي العالمي، وتجميد الأصول، ومصادرة الأموال، وفرض قيود على صادرات الغاز الروسي.
وأضاف أن الولايات المتحدة تواصل ممارسة ضغوط اقتصادية كبيرة على موسكو، إلا أن هذه الضغوط، وفقًا لفارس، لن تُحدث اختراقًا حقيقيًا في مسار المفاوضات، ولن تُجبر روسيا على تغيير موقفها من الأزمة، معتبرًا أن العقوبات لم تؤثر بشكل جوهري في الاقتصاد الروسي، ولا في سير العمليات العسكرية.
وحول الموقف الصيني، أوضح فارس أن بكين على الرغم من كونها حليفًا استراتيجيًا لموسكو، فإنها لا تسعى إلى الانخراط المباشر في صراع قد يؤدي إلى مواجهة كبرى مع الولايات المتحدة، خصوصًا في ظل التوتر القائم في منطقة شرق آسيا، وتحديدًا ما يتعلق بجزيرة تايوان والصراع الأميركي الصيني في تلك المنطقة.
وأكد أن الصين لن تُقدم على دعم عسكري مباشر لروسيا في الوقت الحالي، لكنها في الوقت نفسه لن تتخلى عن شراكتها الاستراتيجية معها، مشيرًا إلى أنه في حال تعرضت موسكو لتصعيد حاد من قبل الولايات المتحدة أو حلفائها، فمن المرجح أن تكون بكين أول الداعمين لموسكو، لكن بشكل محسوب لا يجرها إلى مواجهة مفتوحة.
وفي ختام تصريحاته شدد الدكتور حامد فارس على أن الحل لا يكمن في تصعيد العقوبات أو في الإمدادات العسكرية، بل في الدفع نحو إيجاد رؤية مشتركة بين روسيا وأوكرانيا، لفتح مسار تفاوضي حقيقي، خاصة في ظل ما يظهر من رغبة لدى الإدارة الأميركية الحالية لإنهاء الحرب وإنهاء حالة الاستنزاف السياسي والعسكري والاقتصادي التي تُلقي بظلالها على العالم أجمع.