تربية الأطفال والتربية الحديثة وتحديات التقنية ومواقع التواصل الاجتماعي

تعتبر التربية من أهم العوامل التي تساهم في بناء شخصية الإنسان وتحديد مسار حياته. فالتربية ليست مجرد عملية تعليمية فقط، بل هي مجموعة من الأساليب والممارسات التي تهدف إلى تطوير الأطفال من جميع النواحي الفكرية والنفسية والاجتماعية. ومع تطور العالم بشكل متسارع، أصبحت التربية تواجه تحديات جديدة تتعلق بالتقنية الحديثة وظهور مواقع التواصل الاجتماعي، ما يفرض على الآباء والمربين تبني أساليب تربوية متطورة تتماشى مع هذه التغيرات .

أولا: التربية التقليدية والتربية الحديثة

التربية التقليدية تقوم على مبادئ قديمة كانت تتبع في الماضي في معظم المجتمعات، حيث كانت تركز بشكل رئيسي على احترام الكبير، والالتزام بالقيم الاجتماعية السائدة. كان الطفل يُربى على الانضباط والاحترام والطاعة، ويعيش في بيئة تحتكر فيها الأسرة والمدرسة غالبية مصادر المعرفة. وبالرغم من أن هذه الأساليب كانت فعالة في وقتها، إلا أن متطلبات العصر الحديث تفرض تحديات تتطلب مراجعة لهذه الأساليب وتطويرها .

أما التربية الحديثة فهي تتبنى أساليب أكثر مرونة، حيث تركز على تنمية التفكير النقدي والاستقلالية لدى الطفل، بالإضافة إلى تعزيز قدراته على حل المشكلات واتخاذ القرارات.

تعتمد التربية الحديثة على الاهتمام بالجوانب العاطفية والنفسية للطفل، وتؤمن بأن العلاقة بين الوالدين والطفل يجب أن تقوم على التعاون والفهم المتبادل. من خلال هذه التربية، يُشجع الأطفال على التعبير عن أنفسهم بحرية، مع احترام القيم والمبادئ التي تنظم العلاقات الاجتماعية .

ثانيا: تأثير التقنية الحديثة على تربية الأطفال

إن تطور التقنية بشكل متسارع أدى إلى تغييرات جذرية في مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك التربية. فقد أصبح الأطفال اليوم يواجهون تحديات جديدة نتيجة لاستخدامهم المكثف للتقنيات الحديثة، مثل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية. بينما توفر هذه التقنيات العديد من الفوائد، مثل تسهيل الوصول إلى المعلومات وتنمية مهارات البحث والتعلم الذاتي، فإنها أي ا ضا تحمل العديد من المخاطر التي قد تؤثر سلبا على تطور الطفل .

من أبرز المخاطر التي تواجه الأطفال نتيجة استخدام التقنيةهي الإدمان على الأجهزة الإلكترونية، حيث من السهل على الأطفال قضاء ساعات طويلة أمام الشاشات، ما يؤدي إلى تدهور صحتهم الجسدية والعقلية. يمكن أن يؤثر ذلك على نوعية النوم، مما يؤدي إلى الشعور بالتعب المزمن وضعف التركيز .

التأثيرات السلبية على المهارات الاجتماعية: مع زيادة الوقت الذي يقضيه الأطفال على الإنترنت، تقل فرصهم في التفاعل الاجتماعي المباشر مع الآخرين. وهذا يمكن أن يؤثر على مهاراتهم في التواصل وبناء العلاقات الاجتماعية .

العنف والمحتوى غير المناسب، حيث يواجه الأطفال في كثير من الأحيان محتوى غير مناسب

لعمرهم على الإنترنت، مثل العنف أو المحتوى الجنسي. ويمكن أن يؤثر هذا المحتوى على تطورهم العاطفي والنفسي .

الانعزال والتقوقع،  فقد يشعر الأطفال الذين يقضون وقتاا طويلاا على الإنترنت بالعزلة عن العالم الخارجي، مما قد يؤدي إلى نقص في النشاط البدني وضعف الصحة العامة .

ثالثا: تحديات مواقع التواصل الاجتماعي في التربية

من أكثر العوامل التي تأثرت بها التربية الحديثة هي مواقع التواصل الاجتماعي. أصبحت هذه المواقع جزءا أساسيا من حياة الأطفال والشباب، حيث يستخدمونها للتواصل مع أصدقائهم، والتعبير عن آرائهم، ومشاركة لحظاتهم الشخصية. ولكن رغم فوائدها في تعزيز التواصل والاتصال بين الأشخاص، فإنها تحمل أيضا العديد من التحديات التي يجب على الآباء والمربين الانتباه إليها .

أولا التأثير على صورة الذات و تقديرها وهي أحد أبرز التحديات التي يواجهها الأطفال والمراهقون في ظل مواقع التواصل الاجتماعي هو تأثيرها على صورة الذات. ففي مواقع مثل “إنستغرام” و”سناب شات”، يُعرض الأشخاص حياتهم في شكل مثالي، مما قد يؤدي إلى شعور الأطفال والمراهقين بعدم الرضا عن حياتهم الخاصة أو مظهرهم الخارجي. هذا التفاوت بين الواقع والصورة المثالية التي يُعرضون إليها يمكن أن يؤثر على تقديرهم لذاتهم ويؤدي إلى مشكلات نفسية مثل القلق والاكتئاب .

ثانيا التنمر الإلكتروني، فمن أبرز القضايا السلبية التي ظهرت بسبب مواقع التواصل الاجتماعي هو “التنمر الإلكتروني”.، حيث يواجه العديد من الأطفال والمراهقين تنمرا عبر الإنترنت يمكن أن يؤثر بشكل بالغ على صحتهم النفسية ويؤدي إلى مشاكل مثل الانطواء أو الانتحار في بعض الحالات.

هذا التحدي يتطلب وعيا أكبر من الأهل والمربين بضرورة مراقبة أنشطة الأطفال على الإنترنت وتوجيههم نحو الاستخدام الصحيح لهذه الوسائل .

فقدان الخصوصية والمخاطر الأمنية

تعتبر مسألة الخصوصية من أهم القضايا التي يجب على الآباء الانتباه إليها في ظل تزايد استخدام الأطفال لمواقع التواصل الاجتماعي. فقد يشارك الأطفال معلومات شخصية عبر الإنترنت قد تُستغل بشكل غير مناسب، مما يعرضهم لمخاطر مثل السرقة الإلكترونية أو الابتزاز. لذلك، من الضروري تعليم الأطفال كيفية حماية خصوصيتهم على الإنترنت والتأكد من أنهم يدركون عواقب مشاركة معلوماتهم الشخصية .

الوقت الضائع على الإنترنت

يقضي العديد من الأطفال والمراهقين وقت ضخم  على مواقع التواصل الاجتماعي، مما يؤدي إلى تقليل الوقت الذي يمكن أن يقضوه في أنشطة مفيدة مثل الدراسة أو الرياضة أو التفاعل الاجتماعي المباشر. يساهم هذا في تقليص فرص تطوير المهارات الاجتماعية والذهنية التي يحتاجها الطفل لتحقيق النجاح في الحياة .

رابعا: كيف يمكن للآباء والمربين مواجهة هذه التحديات ؟

للتعامل مع هذه التحديات، يجب على الآباء والمربين تبني استراتيجيات فعالة للحفاظ على توازن حياة الأطفال بين التقنية والتفاعل الاجتماعي التقليدي. بعض النصائح التي يمكن اتباعها تشمل وضع حدود لاستخدام الأجهزة الإلكترونية: يجب على الآباء تحديد وقت معين للأطفال لأستخدام الأجهزة الإلكترونية وتوفير بدائل أخرى مثل اللعب في الخارج أو القراءة .

التواصل المستمر مع الأطفال، بحيث يجب على الآباء والمربين خلق بيئة من الحوار المستمر مع الأطفال لمناقشة ما يواجهونه على الإنترنت، بما في ذلك التنمر والمشاكل التي قد يتعرضون

لها .

تعليم الأطفال أهمية الخصوصية، فمن المهم تعليم الأطفال كيفية الحفاظ على خصوصياتهم على الإنترنت وعدم مشاركة المعلومات الشخصية مع الغرباء ، بالإضافة إلى تشجيع الأنشطة الاجتماعية والرياضية، بحيث  يجب على الآباء أن يشجعوا أطفالهم على المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والرياضية لتعزيز مهارات التواصل وبناء العلاقات الصحية .

تعزيز مهارات التفكير النقدي، يمكن للآباء والمربين تعليم الأطفال كيفية التفاعل مع المحتوى الرقمي بطريقة نقدية وواعية، مثل عدم تصديق كل ما يتم نشره على الإنترنت وتعلم كيفية التفريق بين المعلومات الصحيحة وغير الصحيحة .

في خضم التحديات التي تفرضها التقنية الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي، تظل التربية الفعالة هي الأساس في تكوين شخصية الأطفال وتنمية مهاراتهم الحياتية. من خلال تبني أساليب تربوية حديثة ومتوازنة، يمكن للآباء والمربين مساعدة الأطفال في التعامل مع هذه التحديات بشكل إيجابي. فالأسرة والمجتمع هما العنصران الرئيسيان في توفير بيئة صحية تضمن للأطفال تربية سليمة تساهم في تطورهم البدني والنفسي والعقلي .

الكاتبة/دينا الوتيدي