شهدت الحرب في قطاع غزة تطورات كبيرة منذ بدايتها في عام 2023، حيث تمركزت الأحداث في مشهد معقد من التصعيد والدمار الكبير. ولكن، وبالرغم من التهديدات والتوترات، كانت هناك فترات من التوقف والهدوء النسبي الذي اتسم بالانقطاع المفاجئ في عمليات القتال، وظهرت إشارات على تأثيرات الحرب في السياقات الإقليمية والدولية، لا سيما في لبنان. يمكن القول إن لبنان قد أصبح نقطة محورية تتداخل فيها مصالح القوى الإقليمية والدولية، مما يضيف أبعادًا جديدة للحرب في غزة.
التوقف في لبنان: عودة التوترات أو تهدئة مؤقتة؟
في أعقاب الهجمات الدموية على غزة، وتصاعد النزاع مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، بدأت تنبعث إشارات توتر جديدة من الحدود اللبنانية. بينما كان العالم يراقب عن كثب المواجهات المستمرة بين الجيش الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، حدثت تحركات على الحدود اللبنانية مع إسرائيل بشكل لافت، مما أثار القلق من اتساع رقعة النزاع ليشمل لبنان.
على الرغم من أن التوترات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية قد تعززت في عدة مناسبات، إلا أن الوضع بقي تحت السيطرة نسبيًا، حيث لم تشهد الحدود تصعيدًا كاملًا. إن التوقف النسبي الذي طرأ على الوضع في لبنان لم يكن سوى فترة مؤقتة من الهدوء الذي يعقب التصعيد، وهو لا يعني بالضرورة أن المنطقة قد استكانت أو أن الحرب في غزة انتهت. هذا الهدوء هو مجرد استراحة بين جولات من القتال التي تستمر في التفاعلات السياسية العسكرية الكبرى في المنطقة.
التحولات العسكرية في قطاع غزة: التهديدات المستمرة وعمليات القصف
في قطاع غزة، تواصلت العمليات العسكرية المكثفة بين القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية. حرب استنزاف شاملة تهدف إلى إرغام المقاومة الفلسطينية على تقديم تنازلات عسكرية أو سياسية، بينما تعمل تل أبيب على تدمير البنية التحتية للمقاومة بغية إخضاعها. ومع ذلك، فإن هذه العمليات العسكرية لم تسفر عن تحولات حاسمة على الأرض، فقد استمرت الفصائل الفلسطينية في شن الهجمات الصاروخية على إسرائيل، ما أضاف عبئًا جديدًا على القيادة العسكرية والأمنية الإسرائيلية.
الوضع الإنساني في غزة: تدهور غير مسبوق
منذ بداية الحرب، شهد قطاع غزة تدهورًا كارثيًا في الوضع الإنساني. الحصار المستمر والمواجهات العسكرية الشرسة أسفرت عن مئات القتلى وآلاف الجرحى. الحياة في غزة أصبحت غير قابلة للاستمرار بسبب الدمار الهائل للبنية التحتية، وقطع الكهرباء والمياه، ونقص المواد الغذائية والدواء. تتزايد المخاوف الدولية من حدوث كارثة إنسانية كبرى، مما دفع الأمم المتحدة وعددًا من المنظمات الإنسانية إلى الدعوة للوقف الفوري لإطلاق النار وتوفير المساعدات.
التأثير الإقليمي: لبنان وسوريا
لم يكن تأثير الحرب مقتصرًا على غزة وحدها، بل امتد ليشمل مناطق مجاورة مثل لبنان وسوريا. ففي لبنان، كانت الجماعات المسلحة مثل حزب الله تراقب الوضع عن كثب. على الرغم من أن حزب الله لم يدخل الحرب بشكل كامل، فقد كان هناك إشارات واضحة على أنه يراقب الوضع استعدادًا لأي تصعيد قد يطرأ. في بعض الحالات، تم إطلاق صواريخ من الأراضي اللبنانية باتجاه إسرائيل، في وقت كانت فيه التصريحات من الحزب تؤكد دعمه للمقاومة الفلسطينية في غزة.
أما في سوريا، فالوضع كان معقدًا أيضًا. مع وجود قاعدة عسكرية إيرانية في سوريا، لم تقتصر التحركات العسكرية الإيرانية على الأراضي السورية فقط، بل امتدت إلى غزة، حيث كان هناك دعم مستمر للفصائل الفلسطينية. من هنا، تحولت الحرب في غزة إلى نقطة اشتعال قد تؤثر على الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط ككل.
التحولات السياسية: المبادرات الدولية والضغوط
على الصعيد السياسي، واجهت القوى الكبرى ضغوطًا هائلة لاحتواء الوضع في غزة ومنع انزلاقه إلى حرب شاملة في المنطقة. لم تتوقف التحركات الدبلوماسية في الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، حيث طالبت دول عديدة بضرورة وقف إطلاق النار بشكل عاجل. ومع ذلك، استمرت الولايات المتحدة في دعم إسرائيل بشكل كبير، وهو ما ساعد في إطالة أمد الحرب.
أما على مستوى الدول العربية، فقد أظهرت معظم الدول تضامنًا مع الشعب الفلسطيني، ولكن كان هناك اختلاف في كيفية التعامل مع الحرب. بعض الدول مثل مصر والأردن حاولت لعب دور الوسيط لوقف القتال، في حين كانت دول أخرى مثل قطر وتركيا تدعم المقاومة الفلسطينية بشكل أكبر.
مستقبل الوضع: هل يستمر التوقف في لبنان؟
من غير الممكن تحديد ما إذا كان التوقف الحالي في لبنان سيمتد أو إذا كان سيتحول إلى تصعيد جديد. الوضع على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية يبقى هشًا، والمصالح الإقليمية والدولية قد تساهم في خلق ديناميكيات جديدة تؤثر على الوضع في غزة. لبنان، كما هو معروف، يعاني من مشاكل داخلية عديدة، منها الانقسام السياسي والاقتصادي، لذلك فإن اندلاع أي صراع مع إسرائيل قد يزيد من تعقيد الوضع الداخلي في لبنان.
في النهاية، يمكن القول إن الحرب في غزة قد دخلت مرحلة فاصلة، حيث تتداخل فيها الأبعاد العسكرية والإنسانية والسياسية بشكل متشابك. في حين يظل الأمل في التوصل إلى حل دبلوماسي يلوح في الأفق، فإن التحديات التي تواجهها المنطقة قد تجعل التوصل إلى تسوية دائمة أمرًا بعيد المنال في الوقت الحالي.
الكاتبة / دينا صلاح