بقلم محمد عبدالوهاب
منذ الإعلان عن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية عام 2016، والذي بموجبه انتقلت السيادة على جزيرتي “تيران وصنافير” إلى المملكة العربية السعودية، لم تهدأ السجالات السياسية، ولم تخفُ حدة الجدل الشعبي حول تبعات هذا القرار. وفي حين تمضي الدولتان في تعميق تعاونهما الاستراتيجي، تعود الأزمة إلى الواجهة مع تقارير دولية حديثة تشير إلى نوايا أمريكية لبناء قواعد عسكرية على مقربة من تلك الجزر الاستراتيجية، ما يثير التساؤلات من جديد: هل تشتعل فتيل أزمة جديدة؟ وهل يصبح البحر الأحمر ساحة جديدة للصراع الجيوسياسي؟
جزيرتا تيران وصنافير: أهمية تفوق المساحة
تقع جزيرتا تيران وصنافير عند مدخل مضيق تيران الذي يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر، ويمثلان نقطة عبور حيوية للتجارة البحرية العالمية، خاصة تلك المتجهة نحو ميناء إيلات الإسرائيلي أو قناة السويس. ولهذا، كانت السيطرة على الجزيرتين دائمًا محل اهتمام إقليمي ودولي.
في عام 2016، وقع البلدان اتفاقية ترسيم حدود بحرية، أقرت فيها مصر بأن الجزر تتبع للسيادة السعودية، استنادًا إلى وثائق تاريخية. ورغم موافقة البرلمان المصري وتصديق رئيس الجمهورية، أثارت الاتفاقية احتجاجات واسعة في الشارع المصري، كما رُفعت دعاوى قضائية تطعن في صحة التنازل، وهو ما خلق حالة من الانقسام الوطني.
القواعد الأمريكية: الفتيل الذي قد يشعل الصراع؟
خلال الأشهر الماضية، نشرت تقارير استخباراتية غربية (غير مؤكدة رسميًا) تفيد بأن الولايات المتحدة الأمريكية تدرس إقامة نقاط مراقبة أو وجود عسكري دائم قرب مضيق تيران، ضمن خطة إعادة انتشار قواتها في الشرق الأوسط. ويُقال إن “عجوز البيت الأبيض”، في إشارة إلى الرئيس الأمريكي، يسعى إلى تحقيق توازن استراتيجي في المنطقة في ظل تصاعد النفوذ الصيني والروسي.
ورغم عدم وجود تصريحات رسمية من مصر أو السعودية تؤكد أو تنفي تلك المزاعم، إلا أن هذا الاحتمال أثار قلقًا لدى بعض الدوائر السياسية، خاصة في ظل العلاقات المتشابكة بين واشنطن، الرياض، والقاهرة، والتوازن الدقيق الذي تحاول كل دولة الحفاظ عليه.
مصر والسعودية: تحالف استراتيجي أم علاقات مشروطة؟
العلاقات بين مصر والسعودية تتسم بالتعاون الاستراتيجي القائم على المصالح المشتركة، خاصة في ملفات الأمن الإقليمي، مكافحة الإرهاب، والطاقة. ومع ذلك، فإن هذه العلاقة ليست دائمًا على وتيرة واحدة. فقد شهدت فترات من التوتر غير المعلن بسبب اختلاف وجهات النظر في ملفات إقليمية مثل سوريا، اليمن، وقطر.
وفي ظل الحديث عن وجود أجنبي قرب الحدود البحرية المصرية، قد تجد القاهرة نفسها في موقف حرج: إما الصمت الذي قد يُفهم كقبول ضمني، أو الاعتراض الذي قد يفتح باب الخلافات مجددًا مع الرياض.
الشارع المصري: بين الحس الوطني والحسابات الجيوسياسية
لا تزال قضية تيران وصنافير حية في وجدان قطاعات من الشعب المصري.
فقد اعتبرها كثيرون “تنازلًا عن الأرض”، بينما رأى آخرون أنها خطوة طبيعية لتصحيح وضع قانوني استند إلى وثائق تاريخية. ومع دخول العنصر العسكري الدولي على الخط، تعود الأسئلة القديمة بأشكال جديدة: هل كان القرار المصري صائبًا؟ وهل ضمنت مصر لنفسها عدم استخدام الجزر بما يهدد أمنها القومي؟
التحركات الإسرائيلية: الصامت الذي يراقب
من الملفت أن إسرائيل، وهي طرف مباشر في معادلة أمن البحر الأحمر، تراقب بصمت تطورات الوضع. فالاتفاقية بين مصر والسعودية مرت عبر موافقة إسرائيلية ضمنية، نظرًا لما تنص عليه اتفاقية كامب ديفيد من ضمان حرية الملاحة في مضيق تيران. لكن أي تحرك عسكري أجنبي في تلك المنطقة، سواء أمريكي أو غيره، قد يكون له تأثير مباشر على الأمن الإسرائيلي، ما يجعل تل أبيب لاعبًا خفيًا في هذا الملف.
السيناريوهات المستقبلية: إلى أين تتجه الأمور؟
السيناريو الأول: التهدئة والتنسيق،
تستمر القاهرة والرياض في تعزيز تعاونهما، مع تنسيق أمني مشترك يراعي المخاوف المصرية دون التضحية بالمصالح السعودية أو الشراكات الدولية.
السيناريو الثاني: التوتر الصامت
تظهر بعض التوترات الدبلوماسية غير المعلنة بين الجانبين، تؤدي إلى برود في العلاقات، خاصة إذا شعرت مصر بتهديد أمني مباشر من الوجود الأجنبي.
السيناريو الثالث: إعادة التفاوض أو الضمانات
قد تطالب مصر بتحديث بنود التعاون أو فرض ضوابط على استخدام الجزر، بما يضمن أمنها القومي، خصوصًا في ظل المتغيرات الجيوسياسية المتسارعة.