كتبت : ضحى ناصر
بعد نحو 37 عامًا من انتهاء الحرب الإيرانية العراقية بلا منتصر، شهدت المنطقة لحظة فارقة بإعلان حرب مصغّرة بين إيران وإسرائيل، أثرت بعمق على الإقليم وخارجه، ورغم إعلان الرئيس ترامب نهاية رسمية للصراع، تظل الأسئلة قائمة حول ما دار خلف الكواليس، وكيف أُديرت المواجهة في السر، وما هو الثمن الحقيقي الذي دفعه الطرفان سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، وهي محاور يتناولها هذا التقرير.
كيف يقرأ النظام الإيراني نتائج المواجهة القصيرة مع واشنطن
يجيب عن هذا التساؤل المحلل الإيراني نزار جاف في تصريحات خاصة لنافذة الشرق والتي أكد خلالها أنه يمکن القول إن النظام الإيراني قد قرأ النتائج عندما رأى التعامل الاميرکي مع نظامي صدام حسين ومعمر القذافي، ولاسيما وإن مسٶولين إيرانيون کانوا يستشهدون بما جرى للقذافي ويحذرون من ذلك.
وأضاف ولعل موافقة النظام الايراني السريعة بعد الضربة الباهتة لقاعدة العديد في قطر والتي جوبهت بإدانة خليجية وعربية واسعة، دليل ومٶشر مهم إن هذا النظام يعلم جيدا بأن مضيه أبعد من ذلك يعني سيره في الطريق الذي سار فيه القذافي من قبله.
إيران بين الخسائر والمكاسب: هل خرجت بنجاح سياسي أو عسكري
وأشار نزار جاف إلى نقطة مهمة، وهي إن طهران ومهما حاولت الإيحاء بأنها حققت أهداف معنوية ذات صلة بالمسائل العقائدية التي تنادي بها، فإنها لم تحقق أي مکاسب سياسية أو حتى عسکرية، بل وإن هذه المواجهة جسدت مدى عزلتها على مختلف الاصعدة مضيفاً والانکى من ذلك إنها حتى لم تلق دعماً يمکن أن يشار له من جانب حليفيها الصين وروسيا ولاسيما الاخيرة.
وتابع بعبارة قصيرة ولکن يمکن أن تکون واضحة للقارئ الکريم، إن النظام الايراني وبإستعارة من مثل عربي ذو معنى عميق: قد أشبع إسرائيل وأميرکا سباً ولکنهما فازا بالابل!.
كيف تفاعل الشارع الإيراني والرأي العام مع التصعيد الأخير
كما شدد جاف على أن الوضع الداخلي في حالة غليان، إذ بعد إنتکاسة مشروع النظام في المنطقة، جاءت الضربات القاسية التي أثرت کثيرا على البرنامج النووي وأعادته الى المربع الاول، وهذا يعني تبخر 2 تريليون دولار، وعندما نعلم بأن 80% من الشعب الايراني يعيشون تحت خط الفقر بسبب التدخلات والبرنامج النووي، فمن السهل إدراك مستوى مشاعر الغضب الشعبي على ذلك وحتى ما يمکن أن ينجم ذلك عن تطورات مفاجئة للنظام،
وأستشهد بتحركات زعيمة المعارضة الايرانية، مريم رجوي والتي وصفها بالجدية والفعالة بهدف تحريك الشارع الايراني على خلفية هذه الحرب من جهة وعلى خلفية فشل خياري الحرب والتحاور مع هذا النظام في الحد من خطره بدعوتها للخيار الثالث القائم على السعي من أجل إسقاط النظام.
إيران والهدنة: هل تعود الأذرع الإقليمية إلى الواجهة؟
يمکن توقع کل شئ من هذا النظام، لکنه وفي الوقت الحاضر بحاجة ماسة للعق جراحه وإلتقاط أنفاسه، مثلما إن وکلائه في العراق واليمن ليسا في الوضع والموقف الملائم لشن هجمات ستکون أثمانها باهظة.
ما وراء عدم رضا ترامب عن و إيران إسرائيل: الأسباب والدلالات
ويجيب عن هذا التساؤل المحلل المتخصص في الشأن الأمريكي، الدكتور توفيق حميد، في تصريحات خاصة لنافذة الشرق حيث أكد أن التصريحات السياسية الصادرة حاليًا عن الإدارة الأمريكية تهدف إلى ترسيخ صورة الرئيس ترامب كرجل السلام المطلق، الذي تمكن، في غضون اثني عشر يومًا فقط، من القضاء على البرنامج النووي الإيراني، إلى جانب إحلال السلام بين الجانبين الإيراني والإسرائيلي.
وأضاف أن هذه المحاولة تندرج تحت مبدأ ترامب “السلام من خلال القوة”، وهو ما يفسر سبب غضبه تجاه إيران وإسرائيل، نظرًا لأن ممارساتهما تؤثر سلبًا على صورته كصانع للسلام.
موقف ترامب من التصعيد: هل تغيّر
و أشار الدكتور توفيق حميد إلى أن موقف الرئيس ترامب لم يتغير، فعلى سبيل المثال مواقفه من دعم إسرائيل ونزع السلاح النووي من إيران فثوابت مواقف الولايات المتحدة بشكل عام و إدارة ترامب بشكل خاص كما هي ولكن ربما يحدث نوع من إرجاء بعض الأمور لحين إشعار أخر ليس إلا.
ما الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي دفعت إيران و إسرائيل لوقف التصعيد العسكري
وبهذا الصدد يوضح الدكتور، توفيق حميد، أن السبب في ذلك يعود إلى تحقيق أهداف الحرب وهو تدمير القوى النووية الإيرانية، الأمر الذي لم تنجح إيران في إنكاره بقوة كما جاء ردها على الضربات الأمريكية على منشأت نطنز، أصفهان، فوردو ضعيفة مؤكداً أن إيران قد أبلغت الولايات المتحدة قبل تنفيذ هجماتها على قاعدة العُديد بقطر خشية إصابة بعض الجنود الأمريكين وهو ماكان سيقابل برد أمريكي عنيف .
و أضاف أن إيران قد أدركت أن لاقِبل لها بالإستمرار في الحرب، لاسيما بعد إنهيار دفاعاتها الجوية مستشهداً بتصريحات وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو و التي أكد خلالها أنه لم يكن هناك أي مواجهة تُذكر من إيران ضد الضربات الجوية الأمريكية واصفاً موقف إيران بالواقعية السياسية اللازمة لتكبد مزيد من الخسائر الفادحة .
هدنة أم تحوّل استراتيجي؟ قراءة في هدوء المرحلة الحالية
كما أعرب عن إعتقاده عن أن هناك تحول إستراتيجي حقيقي وليس مجرد هدنة، معللاً ذلك بأن إعادة إعمار حجم الدمار الذي خلفته تلك الحرب سواء على صعيد تدمير الدفاعات الجوية الذي أصبحت معه إيران أرضاً مستباحة للمعتدين، المنشآت النووية الإيرانية التي تحتاج إلى وقت طويل لإستعادة قدراتها، وكذلك إعداد البدلاء لمن لقوا مصرعهم من العلماء والقادة العسكريين وقادة الحرس الثوري.
لذا يعتقد الدكتور توفيق حميد أن هذا التحول هو تحول إستراتيجي حقيقي وليس مجرد هدنة.
و نوّه أنه لايستبعد عن يعتبر نظام الملالي تلك الهدنة هي مرحلة للملمة شتاته و إستعادة قوته لتنفيذ بعض مخططاتهم في المنطقة إذ إنه و إن كان هناك تحول إستراتيجي حقيقي لفترة طويلة من الزمن لكن هذا التحول لم يطل إيدلوجيات النظام .
الوساطات المحتملة: ما دور الصين وقطر وعُمان
و أستهل الدكتور توفيق حميد إجابته بهذا الصدد بالبيت الشعري العربي الشهير “ السيف أصدق أنباءً من الكُتُبِ” موضحاً أن أن هناك بالفعل محاولات للوساطة لكن إيران رفضتها،في بادىء الأمر مشيراً إلى أن تلك الوساطات لعبت دوراً في الضغط على إيران للإمتثال للهدنة للحيلولك دون مزيد من تفجر الأوضاع وهو ماكان سيضر بمصالح الصين وروسيا وقطر في المنطقة لاسيما في حال إغلاق مضيق هُرمز .
و أضاف أن الحقيقة الملموسة لدينا الآن هي أن الضربة الأمريكية قد وضعت الأمور في نِصابها الحقيقي وجعلت إيران تُدرك أن لاقبل لها بمواجهة هذه القوى على الأقل في الوقت الحالي.
و أشار إلى أن إضعاف إيران قد يؤثر على قدراتها في دعم ميلشياتها و أذرعها كجماعة الحوثي، حركة حماس، و حزب الله وهو ماسيحد من محاولات تدخلها وسيطرتها على عدد من دول المنطقة لحاجتها الماسة للتفرغ لإستعادة بعد قدراتها .
انعكاسات التهدئة: كيف تتأثر موازين القوى في المنطقة؟
و أختتم الدكتور توفيق حميد تصريحاته لنافذة الشرق أن إنعكاسات ذلك على موازين القوى ستتمثل في إزالة الهلع النووي من المنطقة، و إنتعاش التبادل التجاري والتعاون الإقتصادي مع إيران.
و أضاف أن موازين القوى العسكرية ستبقى إسرائيل محتفظة بتفوقها العسكري المدعوم من الولايات المتحدة، بينما على الصعيد الإقتصادي فستحدث إنتعاشة حقيقية بين دول المنطقة وسيستنشق الجميع عبق السلام .
تأثير حرب إيران وإسرائيل على أسعار النفط والغاز عالميًا
من جهته فقد أوضح الخبير الإقتصادي بلال شعيب في تصريحات خاصة لنافذة الشرق أن الحرب الإيرانية الإسرائيلية لم تؤثر على أسعار النفط بشكل مباشر، لكن نتج عنها مايمكن وصفه بالتذبذب السعري حيث يتراوح سعر البرميل الواحد مابين ٧٠:٧٦ دولار مشيراً إلى أن قد تشهد تلك الأسعار تأرجحاً بين معدلات الإرتفاع و الإنخفاض.
و أشار إلى أن ذلك التأثير محدود ولحظي مرهون على صعيد الإرتفاع أو تحسن المؤشرات بمدى الإتفاق العسكري والتهدئة مضيفاً إلى أنه في حال تجدد التصعيد و إتساع رقعة الصراع قد يتخطى سعر البرميل الواحد نحو ١٠٠:١١٠ دولار وفقاً لتقديرات عدد من الخبراء الأوروبين.
وعلل الدكتور بلال شعيب ذلك بأن إيران تخوض معاركتها وفقاً لفكراً عقائدياً بحت وهو ما قد نشهد معه دخول أطراف إقليمية أخرى كحزب الله، الحوثي كما أن إيران لها حلفاء يشاركونها حُلم إمتلاك الأسلحة النووية كجمهورية باكستان بالإضافة إلى الصين وروسيا وكذلك إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة.
هل ينجح اتفاق وقف النار في تهدئة الأسواق واستقرار الطاقة
كما لفت إلى أن إستقرار أسعار الطاقة في ظل الهدنة التي أعلنها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بين إيران و إسرائيل سيكون إستقرار مشوب بالحذر مرهوناً بمدى تطبيق أطراف الصراع لإتفاق التهدئة و الإلتزام بها.
و أضاف أنه في حال إلتزام كافة الأطراف بتلك الهدنة فسينعكس ذلك بالإستقرار على أسعار الغاز الطبيعي والبترول والمحروقات وتكلفة النقل والسلع الغذائية، وهو ماسينعكس بالإيجاب على إستقرار مؤشرات التضخم بل ووضعها على مسار الهبوط و إنتعاش أسواق التداول المالي و إستقرار أسعار الذهب .
هل يمهد الاتفاق لتحولات جيوسياسية في سوق الطاقة
و أشار شعيب إلى أن العالم يُعاد تشكيله في الوقت الحالي بعد القضاء على هيمنة القطب الواحد منوهاً إلى أن الحرب الأمريكية التجارية كانت أخر ما تبقى للرئيس ترامب من حلم الهيمنة الأمريكية على العالم، مع ظهور قوى جديدة كالهند والصين صاحبة ثاني أقوى إقتصاد في العالم .
و بيّن أن حجم إقتصاد الصين قد تتضاعف خلال العقدين الماضيين نحو خمسة عشر ضعف بينما قد تضاعف إقتصادها ضعفين فقط خلال نفس الفترة .
و أختتم بالقول أن صمود إيران أمام إسرائيل خلق نوعاً من التوازن بين القوى في المنطقة مشيراً إلى أنه في حال إنهزام طهران فكانت دول المنطقة ستدفع ثمناً باهظاً في ظل تغول إسرائيل في المنطقة، مايجعل دول المنطقة أكثر تقبلاً لإيران في الوقت الحالي أكثر من ذي قبل .
وبهذا يمكن القول بأن المواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل، بتدخل أمريكي وردود دولية، قد كشفت عن واقع معقّد دون منتصر، حيث أظهرت الضربات الأمريكية ضعف إيران عسكريًا وتراجع نفوذها، وسط غضب شعبي داخلي بسبب تدهور الاقتصاد، و في المقابل، تبنّت واشنطن سياسة “السلام بالقوة” دون معالجة جذور النزاع، فيما حققت إسرائيل مكاسب محدودة وسط توتر مستمر. كما أثارت الأزمة قلقًا بأسواق الطاقة دون تغيّر كبير، مما يؤكد هشاشة الوضع والحاجة إلى حلول عقلانية لمرحلة حساسة مقبلة.