حماس بين المقاومة والضغوط الدولية والعسكرية.. ,والدكتور رامي عاشور يكشف خفايا المشهد (خاص)

كتب : إسلام ماجد

في أعقاب حرب دامت أكثر من عامين، تجد حركة المقاومة الإسلامية “حماس” نفسها أمام تحديات غير مسبوقة في قطاع غزة. مع استمرار الصراع الذي اندلع في أكتوبر 2023، وانهيار وقف إطلاق النار المؤقت في يناير 2025، أصبحت الحركة تواجه واقعاً مريراً يجمع بين الخسائر العسكرية الجسيمة، والكارثة الإنسانية التي أودت بحياة عشرات الآلاف، والضغوط الدولية المتزايدة للتخلي عن دورها العسكري والإداري. هذا التقرير يستعرض كيف تحولت معادلة حماس من شعار “المقاومة” إلى “معركة البقاء”، معتمداً على تحليلات حديثة للوضع في غزة حتى أغسطس 2025، وسط مخاوف من تفاقم المجاعة وانهيار المنظومة الاجتماعية.
التغييرات في معادلة حماس: من المقاومة إلى النجاة
شهدت الحرب تحولاً جذرياً في استراتيجية حماس، حيث كانت تبدأ كحركة مقاومة مسلحة ترفع شعار التحرير، لكنها اليوم تكافح من أجل البقاء السياسي والعسكري. بعد هجوم 7 أكتوبر 2023، الذي أدى إلى مقتل نحو 1200 إسرائيلي وأسر أكثر من 250، أعلنت إسرائيل حرباً شاملة هدفها “القضاء على حماس”. وبحلول أغسطس 2025، أدت العمليات الإسرائيلية إلى سيطرة إسرائيل على نحو 75% من القطاع، مع مقتل قادة بارزين مثل يحيى سنوار في أكتوبر 2024، وشقيقه محمد في مايو 2025، تاركاً القيادة لعز الدين الحداد. هذه الخسائر أجبرت حماس على التركيز على الدفاع عن بقائها بدلاً من الهجوم، مع تقارير تشير إلى تجنيد آلاف المقاتلين الجدد رغم الدمار.
في الوقت نفسه، أدت الحرب إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث أعلنت منظمات دولية مثل برنامج الغذاء العالمي عن انتشار المجاعة في غزة، خاصة في مدينة غزة، مع توقعات بتوسعها إذا لم يتم التوصل إلى وقف إطلاق نار. التقارير تشير إلى مقتل أكثر من 40 ألف فلسطيني، معظمها مدنيين، وتدمير واسع للبنية التحتية، مما جعل إدارة غزة تحدياً يومياً لحماس. هذا الواقع دفع الحركة إلى تعديل أولوياتها، حيث أصبحت تبحث عن صفقات جزئية لإطلاق سراح الرهائن مقابل وقف مؤقت للنار، بدلاً من التمسك بمطالبها التقليدية بالانسحاب الكامل. ومع ذلك، يؤكد مراقبون أن حماس لا تزال تحتفظ بقدرات عسكرية أساسية، مثل الصواريخ والأنفاق، لكنها تواجه صعوبة في الاستمرار دون دعم خارجي.
التنازلات المحتملة وخطوط حماس الحمراء
مع تصاعد الضغوط، عرضت حماس تنازلات ملحوظة، لكنها حافظت على خطوط حمراء تتعلق بسلاحها ودورها في إدارة غزة. في أبريل 2025، أعلن مسؤولون في الحركة استعدادهم لتفكيك الجناح العسكري مقابل قيام دولة فلسطينية سيادية على حدود 1967، مع اندماج في الجيش الوطني الفلسطيني. كما قبلت حماس في يوليو 2025 اقتراحاً مصرياً-قطرياً يشمل إطلاق سراح رهائن مقابل إفراج عن سجناء فلسطينيين أقل عدداً مما طالبت به سابقاً، بالإضافة إلى تسليم الحكم في غزة إلى لجنة تقنية مؤقتة من 15 عضواً مستقلين تحت مظلة السلطة الفلسطينية.
ومع ذلك، رفضت حماس التخلي عن سلاحها دون ضمانات دولية للانسحاب الإسرائيلي الكامل وإعادة إعمار غزة. في تصريحات حديثة، أكد غازي حمد، مسؤول في حماس، أن الحركة لن تتخلى عن أسلحتها إلا بعد قيام الدولة الفلسطينية في القدس. هذا الموقف يعكس مخاوف داخلية من فقدان الشرعية الشعبية، حيث يرى الكثيرون في غزة أن السلاح هو الضمان الوحيد أمام الاحتلال. وفي الوقت نفسه، أدى الدمار إلى انتقادات داخلية لحماس، مع دعوات شعبية للتركيز على الإغاثة بدلاً من التصعيد، مما يجعل التنازلات ضرورة للبقاء.
حجم الضغوط الدولية والإقليمية
تواجه حماس ضغوطاً دولية وإقليمية غير مسبوقة، تركز على نزع سلاحها واندماجها في إطار فلسطيني أوسع. في يوليو 2025، أصدرت الجامعة العربية، بدعم من قطر والسعودية ومصر، إعلاناً مشتركاً مع الاتحاد الأوروبي ودول أخرى، يدعو حماس صراحة إلى التخلي عن حكم غزة وسلاحها، مقابل دعم دولي للسلطة الفلسطينية. هذا الإعلان، الذي وصفه وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو بـ”التاريخي”، يشمل نشر قوة دولية مؤقتة تحت مظلة الأمم المتحدة لضمان الأمن في غزة.
من جانبها، تستمر إسرائيل في رفض أي صفقة لا تضمن “نزع السلاح التام” عن حماس، كما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي في أغسطس 2025، مهدداً بتدمير مدينة غزة إذا لم تستسلم الحركة. الولايات المتحدة، رغم دعمها العسكري لإسرائيل، دعت إلى وقف إطلاق نار يشمل إعادة الإعمار، لكنها رفضت اتهامات بحجب المساعدات. أما إيران، الداعم الرئيسي لحماس، فقد قلصت دعمها بسبب الضغوط الاقتصادية، مما يعزز عزلة الحركة. هذه الضغوط دفعت حماس إلى قبول اقتراحات وسطاء مثل مصر وقطر، لكنها أثارت خلافات داخلية حول مدى التنازل.
السيناريوهات المستقبلية وقدرة الصمود
تبدو السيناريوهات المستقبلية لحماس محدودة، مع قدرة عسكرية متضائلة لكنها قادرة على الاستمرار في حرب عصابات. أحد السيناريوهات يتضمن اندماج الحركة في السلطة الفلسطينية كحزب سياسي، بعد التخلي عن السلاح، كما عرضت في أبريل 2025، مقابل ضمانات دولية للدولة الفلسطينية. سيناريو آخر يرى استمرار الصراع، مع تجنيد حماس لـ15 ألف مقاتل جديد خلال الحرب، مستفيدة من الغضب الشعبي من الدمار، لكن هذا قد يؤدي إلى انهيار كامل لغزة.
لكي يقبل المجتمع الدولي ببقاء حماس، يجب أن تتحول إلى كيان سياسي غير مسلح، كما اقترحت دول عربية وأوروبية، مع دعم لإعادة الإعمار. الولايات المتحدة وإسرائيل ترفضان أي دور عسكري لحماس، لكن الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية قد يفتح الباب لاندماجها. في النهاية، يعتمد صمود حماس على قدرتها على التوازن بين الضغوط والشرعية الشعبية، وسط حرب أصبحت أكثر من مجرد مواجهة عسكرية، بل اختباراً للبقاء السياسي في ظل كارثة إنسانية متفاقمة.

إسرائيل خططت لاجتياح جنوب لبنان وحماس عاجزة عن الرد.. رامي عاشور يوضح أبعاد المشهد
في سياق متصل، أكد الدكتور رامي عاشور، أستاذ العلوم السياسية، في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، أن حركة حماس لا تمتلك القدرات العسكرية التي تمكنها من تنفيذ تهديدات جدية بضرب إسرائيل، موضحًا أن قبول الحركة بالمبادرة الخاصة بوقف إطلاق النار يعكس حجم الضغوط التي تواجهها على أرض الواقع.
وأوضح عاشور أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي قال فيها إنه سيواصل عملياته العسكرية سواء قبلت حماس بوقف إطلاق النار أم لم تقبل، ليست نابعة من فراغ، بل تعكس ثقة إسرائيل في قدراتها العسكرية والإمكانات المتقدمة التي تمتلكها، فضلًا عن الدعم الكبير الذي تحظى به من الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب.
وأشار إلى أن إسرائيل كانت قد وضعت قبل يومين خطة لاجتياح كامل لجنوب لبنان، بعد رفض حزب الله تسليم سلاحه للحكومة اللبنانية، إلا أن تدخل الرئيس الأمريكي في نفس اليوم حال دون تنفيذ هذه الخطة، حيث منح ترامب الحكومة اللبنانية فرصة للتعامل مع سلاح حزب الله بنفسها، في إطار خطة أمريكية تهدف إلى إقامة منطقة اقتصادية خاصة بترامب في جنوب لبنان. وأضاف أن الضربات الإسرائيلية الأخيرة في اليمن تمثل رسالة واضحة تعكس سياسة إسرائيل المدعومة أمريكيًا.
وأكد عاشور أنه يجب النظر إلى إسرائيل باعتبارها حليفًا ووكيلًا استراتيجيًا للولايات المتحدة، وليست دولة مستقلة بشكل كامل. وأوضح أنه رغم كون روسيا ثاني أقوى جيش في العالم، ووريثة لنحو 70 في المئة من قوة الاتحاد السوفيتي السابق، فضلًا عن تحالفها مع الصين وكوريا الشمالية، فإنها لا تزال عاجزة عن فرض ردع حقيقي على الولايات المتحدة الأمريكية، مشيرًا إلى أن الصين وكوريا الشمالية تواجهان الوضع نفسه، والدليل على ذلك عجز روسيا عن الرد على العقوبات الأمريكية المفروضة عليها.