كتب / أحمد سمير
فى خطوة جديدة لكسرالصمت العالمى ,وتسليط الضوء على الأزمة الإنسانية التى تعيشها غزة تستعد سفينة ” حنظلة ” للإبحار من أحد الموانى الإيطالية وعلى متنها عدد من النشطاء , ومتضامنين دوليين فى محاولة جديدة لكسر الحصار المفروض.
الإسم الذى تحمله السفينة ليس كغيره من الأسماء فـ” حنظله ” هو رمز فلسطينى أصيل قد جسده الرسام الكاريكاتير ” ناجى العلى ” ,في عام 1969 , لطفل صغير يدير ظهره للعالم يضع يديه خلف ظهره , حافى القدمين , ولعل المدلول من إستخدام الإسم للرمز إلى إحتجاج صامت ضد الظلم , والحصار عاكسا ً آلم الفلسطينيين ومدى معانتهم , ومقاومتهم المدنية , الرحلة لا تحمل فقط رسالة مساعدات ولكنها تحمل رسائل سياسية , وإنسانية , تطرح العديد من الأسئلة حول شرعية فرض الحصار ومخاطر تضييق الخناق التضامنى , المدنى والعالمى.
تخوفات من كسر الحصار أو الوقوع تحت طائلة جملة ” خرق للقانون الدولى , وفقا ً للقانون الدولى الإنسانى المادة 59 من البروتوكول الإضافى الأول والذى وضع في جينيف عام1949 , ينص على حق المدنيين تلقى المساعدات الإنسانية تحت الحصار , عدم إجازة منع القوافل المدنية إلا في حالة أن كانت تحمل أسلحة أو تهدد الأمن العسكرى , أكد مجلس ” حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ” أن حصار غزة هو ” عقاب جماعى , وجريمة بموجب القانون الدولى ” , بررت إسرائيل موقفها بأنه إجراء أمنى لكن المحكمة الدولية إستندت إلى واقعة سفينة ” مرمرة التركية ” في عام 2010, إذن في نهاية الأمر القافلة لا تخرق القانون الدولى ولكن تساهم في فضح الحصار نفسه .
ويأتى هذا التحرك في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية داخل القطاع نظراً لنقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية , وإنهيار البنية التحتيه مع إستمرار الإغلاق التام لجميع المنافذ البحرية والجوية , وأحيانا البرية .
أسباب تخوف إسرائيل من القافلة ..؟؟
ولعل أبرز هذه الأسباب تكون في فضح السياسة الإسرائيلية أمام العالم , فمثل هذه القوافل لا تأتى من أطراف مسلحة بل من مدنيين وأطباء ونشطاء , الأمر الذى يضع إسرائيل في حرج , ومعنى أى تدخل عنيف أو مسلح من الجانب الإسرائيلى يضعها في دائرة إنتقادات عالمية , وضغط سياسى , مع توفير صورة حقيقية للأوضاع بغزه بديلة للأوضاع التى يرويها الإسرائيليون نفسهم , وجعل غزه حاضرة إعلاميا في أوروبا والغرب من جانب ” المبادرات السلمية ” , الخوف من نقص المبررات الأمنية فعند ظهور القوافل خالية من التهديدات الأمنية ينكشف معها حقيقة الضرورات الأمنية أمام الرأى العام الدولى , تعمل إسرائيل في الوقت الحالى على تجريد هذه القوافل من الشرعية الأخلاقية , لتهديدها لروايتها الأساسية .
إذن ماذا لو إعتراضت البحرية الإسرائيلة قافلة ” حنظلة ” , وماهو مصير من عليها ..؟
السيناريو الأقرب هو محاولة إقناع طاقمها بالعودة , أو السحب القسرى إلى ميناء ” أسدود ” الإسرائيلى , وإحتجاز كل من عليها لفترة محدودة مع وضعهم لإستجواب أمنى , ثم القيام بترحيلهم كما حدث مسبقاً , وليس من المستبعد حدوث إشتباكات خارج المياة الإقليمية وليس داخلها لأن حال حدوث أى إشتباكات داخل المياة الإقليمية لإسرائيل سيُعد قرصنة , كما حدث مع سفينة ” مرمرة ” عام 2010 , ووقوع إصابات وقتلى , مما يؤدى إلى أزمة دبلوماسية جديدة حال وجود شخصيات أوروبية , أو برلمانية على متنها .
فى حال حدوث السيناريو الأول .. هل المنظمات الحقوقية على إستعداد للوقوف بجوار أعضاء القافلة ..؟؟
حالة الإستعداد تأتى على ثلاثة مستويات , من الرصد المسبق حيث ترصد عدد من المنظمات الدولية ” العفو الدولية ” , ” مجلس حقوق الإنسان ” وتقدم تقارير مباشرة كما ترسل فى بعض الأحيان مراقبين على متن السفينة , الدعم القانونى فى حالة إعتقال كل من على السفينة يتم التواصل مع محاميين دوليين , لرفع الشكاوى إلى الأمم المتحدة أو محاكم أوروبية , الضغط السياسى إذا كان بين الركاب مواطنين أوروبيين فإن حكوماتهم ستضطر فى هذه الحالة إلى التدخل , مما يسبب حرجا لإسرائيل أمام حلفائها .
الأمر الذى يأتى بالمعنى الحرفى بأن إسرائيل ستفكر مرارا وتكرارا قبل إتخاذ أى قرار حيال قافلة ” حنظلة ” مثلما فعلت في عام 2010 قافلة ” مرمرة ” التركية ضمت أكثر من 600 ناشط , من 37 دولة قامت البحرية الإسرائيلية بالهجوم عليها في المياة الدولية وقتلت 10 نشطاء , مما فجر أزمة مع تركيا خلف عنها موجه من الغضب والتضامن العالمى الغير مسبوق .
عام 2023 قافلة ” مادلين ” التى قد إنطلقت من السويد بقيادة نشطاء سويديين , وشخصيات أوروبية وعلى الرغم من عدم ضخامتها الإ أنها قد لاقت تغطية إعلامية جيدة في أوروبا وتم إعتراضها من قبل جيش الإحتلال , أسفر عنه تقديم شكاوى لمحمة العدل الأوروبية , مما كان له مردود محدود نسبيا على المستوى الدولى .
عام 2025 قافله ” حنظلة ” من الممكن أن نتوقع أن تكون صغير بالمقارنة لسابقيها الإ أن إختيار الإسم يضفى قيمة رمزية كبرى , تضم نشطاء من خلفيات فنية , ثقافية , إعلامية , في ترقب لرد الفعلى الإسرائيلى ووضع إحتمالية لأعتراضها التفاعل معها مرهون بالحملة الإعلامية المصاحبة لها .
من هنا يأتى الوسائل التواصل الإجتماعى والذى لا يقل أهمية عن الدور الإعلامى فى دعم وحشد القافلة , نظراً لكونة هو السلاح الأهم الآن , لنشره لأسماء المشاركين فى القافلة وتتبع مسارها , بث مباشر حال حدوث أى تدخل من قوات الإحتلال لإعتراض السفينة توثيق للحدث , الضغط على الحكومات فى حالة وقوع إحتجازات , مع وضع هاشتاج موحد .
وفى تصريح خاص للكاتب والمحلل السياسي ” نزار نزال ” لموقع نافذة الشرق قد أفاد فيه بأن مصيرها سيكون مصير من سبقوها من القوافل وعدم سماح قوات الإحتلال للوصول إلى المياة الإقليمية حتى لو كلفهم التدخل بالقوة , وأن السماح لمرور مثل هذه السفن له إعتبارات كثيرة من وجه نظر إسرائيل , متوقعا ً مصير القافلة بأنها ستكون كسابقتها ولن تصل إلى غزه.
مشيرا بأن إسرائيل لا تلتزم بالقانون الدولى أو القانون الإنسانى , وأن القافلة لن تكسر القانون الدولى بالتأكيد تأتى لإطعام الجياع على حد تعبيره , ومن الواجب على القانون الدولى دعم مثل هذه الحملات لإنقاذ ملايين الأرواح .
مضيفا , بأن إسرائيل تخشى هذه القوافل لأن لو دخلت قافله سيكون هناك قوافل أخرى , دخول قوافل إلى غزة يعنى أن القضية سياسية وأن هانك إعتراف بكيان ” فلسطينى ” الأمر الذى يتنقاض مع الطرح الإسرائيلى , الأمر الأخر هو إحكام الحصار على قطاع غزة وبالتالى عند كسر هذا الحصار وبالتى كل الجهود الإسرائيلة ستذهب سُدى, ولن تكون هناك فائده من حصار أو إحكام الحصار على القطاع المحتل , بالتالى هناك تخوف من الجانب الإسرائيلى حال دخول سفينة واحده سيكون هناك أسراب من السفن .
مؤكداً , بأن إسرائيل إن لم يكن هناك مقاومة قبل النشطاء على مثل هذه السفن بالتالى سيتم إقتيادهم إلى ميناء ” أسدود” الإسرائيلى وبذلك يتم ترحيلهم من على ظهرها , وأن هناك قانون داخل إسرائيل يحكم على من يرفض الترحيل بـ6 أشهر سجن , أو بعض العقوبات الأخرى , ولكن بالمجمل يتم ترحيلهم إلى بلدانهم على حسب جنسياتهم .
مضيفا ً , أن المنظمات لتفيد بشىء لأن إسرائيل ستقوم بترحيلهم إلى بلدانهم وأن إسرائيل لن تقتل أحد منهم إلا إذا قاوموا القوة الإسرائيلة التى ستحاصرهذه السفن , وبالتالى المنظمات الإنسانية من الممكن أن تساعدهم على العودة لا أكثر ولا أقل ,
مكملا , أن القافلة ” حنظله ” ليس هناك فرق بينها وبين سابقيها موضحاً السيناريو الذى ستمر به ” بأن وزير الجيش الإسرائيلى سوف يصدر تعليماته بمحاصرة السفينة وإقتيادها إلى ميناء , أسدود فى جنوب إسرائيل وترحيل من عليها , ومن يرفض يتم تطبيق عقوبة السجن عليه ” .
أم عن الموقف المصرى تجاه القافله فمابين التعاطف والإعتبارات السيادية لعبت مصر دوراً محوريا فى ملف غزه بحكم الجغرافيا والسياسة ورغم أن مصر لا تعارض علنا مثل هذه القوافل الأ أنها تفضل أن يتم التنسيق عبر القنوات الرسمية على سبيل المثال الهلال الأحمر المصرى والذى يعتبر هو همزة الوصل الموثقة فى الحالات الإنسانية , كما أن مصر لا تسعى إلى التصعيد مع إسرائيل فى الوقت نفسه تفتح المجال جزئيا أمام التضامنات المدنية , مدام الأمر لا يمس الأمن القومى أو يخرج عن السيطرة الإعلامية .
وفى تصريح خاص للواء “عبد الحميد خيرت” رئيس المركز المصرى للبحوث والدراسات الأمنية لموقع نافذة الشرق حول موقف مصر تجاة قافلة حنظلة , قد أكد على أن الدولة المصرية لاتعترض على إيصال المساعدات لغزة بأى وسيلة سلمية لدعم الفلسطينيين الذين يعانون العديد من المخاطر كـ الإبادة والتهجير , وبإعتبار أن مصر قد تحملت كامل المسؤلية لدخول المساعدات الإنسانية بإعتبارها دولة حدودية , إلا أن الجانب الإسرائيل قابل مثل هذه المواقف بتعنت كبير.
مشيرا إلى أن موقف مصر فى موقف فى تحرك سابق متمثل فى ” قافلة الصمود ” والتى تحركت نحو معبر رفح مطالبه بفتح المعبر وما صاحبه من زخم إعلامى عالمى ضد الموقف المصرى , بتوقيت كان يتسم بالخطورة فقد صادفه الحرب الإسرائيلية الإيرانية .
مكملا : بأن التصرف المصرى لم يكن قاسياُ كما يبدوا للكثيرين ولكن أتى فى ضوء معطيات تعلقت بالأمن القومى المصرى .
مضيفا : أن هناك العديد من المؤامرات التى تستهدف أمن وإستقرار مصر تأتى المخاوف من وضع مصر بين خيارين الواجب القومى , والمسؤلية الإنسانية .
وفى النهاية قد لا تكسر ” حنظلة ” الحصار فعليا ولكن بالتأكيد تكسره معنويا ,الرهان فى الوقت الحالى على إختبار ضمير العالم هل سيظل فى صمته إذا ما تم إحتجاز أطباء , وحقوقيين , ومثقفين , لكونهم أردوا إيصال مساعدات إلى مدينة تحت الحصار منذ عام 2007 , الجميع فى إنتظار وصول ” حنظله ” إلى ميناء غزه أو منعها فالبحر يبقى على إحتمالات كثيرة , ولعل أكثر ما نحتاجه جميعا الآن هو عين تراقب وصوت يتحدث , وضمير لا يصمت.