كتب : محمود حجازي
المبادئ العالمية الثابتة، نشأت على الديمقراطية وعلى أسس قوية لحماية الإنسان وحماية حقوقه، ولكن يتم التلاعب دائما بهذه المبادئ من قبل الكثير من الأقوياء والمنتصرين في حروب هذا العالم، حتى يتسنى لهم التحرك بحرية وفرض سياساتهم الجائرة على بقية الدول خصوصا «الضعيفة»، النموذج الأقوى لهذا الأمر كان الولايات المتحدة الأمريكية، الدولة التي تعد الأقوى في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، تلاعبت بكل المبادئ، صممت ثوبا للديمقراطية يليق بها فقط وبالدول الأوروبية، ولكن أين الديمقراطية في تصنيف المقاومة ضمن قوائم الإرهاب؟ وأين الديمقراطية في دعم من يحصد أرواح البشر؟ وأين الديمقراطية في سلب حرية البشر؟ وأين الديمقراطية في جعل جيل كامل من الأطفال يعيش حياته في الحروب؟، وإذا كانت الولايات المتحدة تضع المقاومة ضمن قوائم الإرهاب لماذا تتفق معها؟ ولماذا تتفق مع جماعات أخرى مصنفة إرهابيا كالحوثيين؟ ولماذا وضعت كل هذه المبادئ في مرمى الريح منذ تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة؟
باحث أمريكي: اتفاق واشنطن المباشر مع حماس هو ضربة مباشرة من ترامب لنتنياهو
منذ أيام، أكدت حركة حماس، وكذلك وفد الإدارة الأمريكية، أنه جرت مفاوضات مباشرة بينهما في الدوحة، وأنه تم إحراز كبير، ليتم بعدها الإعلان عن إفراج المحتجز الأمريكي، عيدان ألكسندر، لتكشف بعدها مصادر إسرائيلية عديدة أن إسرائيل لم تكن جزءاً من هذه ولم تطلع عليها، وإنما أبلغت قبل يوم من تنفيذ الاتفاق بإطلاق سراح «الكسندر».
وعند النظر فيما قالته حماس بشأن الموافقة على إطلاق سراح عيدان ووصفها بأنه «بادرة حسن نية»، ستشير معظم التوقعات إلى هذه المفاوضات كان بها أيضا وعود قوية وربما تكون مصيرية من قبل واشنطن لا تعلم إسرائيل عنها شيئاً، وربما لن تستطيع الاعتراض عليها مستقبلا.
وقبل المفاوضات المباشرة بين واشنطن وحماس، لا يمكن تناسي إعلان ترامب بشأن اتفاق الإدارة الأمريكية بشكل مباشر مع جماعة أنصار الله الحوثي، والتأكيد أنه تم الاتفاق على وقف إطلاق النار، وأن الحوثيين تعهدوا بعدم المساس بالسفن الأمريكية الحربية أو التجارية.
ولذلك، تواصلت «نافذة الشرق»، مع مايكل مورجانِ، الإعلامي الأمريكي والباحث السياسي في مركز لندن للبحوث السياسية والاستراتيجية، الذي أطلق تعليقا قويا، بدأه بـ : «الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، أثبت أن السياسية لعبة قذرة».
وأوضح «مورجان»: «الاتهامات التي طالت حماس منذ سنوات عديدة، والهجمات الإعلامية والسياسية والعسكرية، التي دعمتها واشنطن ضد حماس وضد الحوثيين في السنوات الماضية، وضد جماعات الإخوان المسلمين كجماعة خرجت من جعبتها وتحولت إلى منظمات جهادية والإرهابية، كان يشير إلى أن العداوة ستظل قائمة بين هذه الأطراف، وأن واشنطن لن تخضع أو تتفق مع أي من هؤلاء».
وأكد «مورجان» أن الجميع اندهش بعدها من خروج واشنطن عن مبادئها لتتفق مع هذه الجماعات، مضيفا أن الحقيقة تقول الإدارة الحالية توحي بأنها تلعب على ما تنتفع به.
وفي تحليله الخاص لـ «نافذة الشرق»، أكد «مورجان» أن سبب اتفاق ترامب مع الحوثيين هو أنه رأى أنهم يعدون خطرا على التجارة الأمريكية، وأنه لن يستفيد شيئا من استمرار تنفيذ الضربات الأمريكية عليهم، بالإضافة إلى أنه أدرك بعدها أنه ربما يتم الزج به في هذا الصراع بسبب دولة الاحتلال، التي على رأسها بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الاحتلال».
وحول الاتفاق مع الحوثيين بغض النظر عن الهدف منه وعن اختلاف السياسيين بشأن هذه الجماعة، وصف «مايكل مورجان» التراجع عن المبدأ ذاته بـ : «يعتبر شيئا حقير جدا أنك تتعاون مع منظمات إرهابية».
وأشار «مورجان» إلى أن ترامب في هذه الفترة يسير بمبدأ: «دع الأصدقاء قريبين والأعداء أقرب إليك كنوع من الأمان»، متابعا: « ولكني أرى أنك لو جعلت الأعداء قريبين منك خصوصا لو كانوا جماعات إرهابية، فهم قنبلة موقوتة ستنفجر فيك في أي لحظة وستطيح بك أول شخص»
واستشهد «مورجان» بما فعله تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن، الذي تم دعمه من قبل الولايات المتحدة لأجل التخلص من الاتحاد السوفييتي مذكرا بأن هذا التنظيم انقلب على الولايات المتحدة نفسها بعدما توقف الدعم.
وأكد «مورجان» أن هذا الاتفاق شيء غير أخلاقي وخطير، لأنه معنى أن هناك اتفاق بين الولايات المتحدة وهذه المنظمات، فسيكون هناك تغيير جلد لهذه المنظمات وربما تتحول هذه الجماعات عما قريب إلى مؤسسات دولية.
وبشأن تغيير أمريكا للمبادئ العالمية ووضعها لنظام عالمي جديد بصفتها أقوى دولة في العالم، أكد «مورجان» أنه لم يتم تغيير المبادئ العالمية لأنها ستظل ثابتة، ولكن المشكلة تكمن في أن الدول الكبرى كالولايات المتحدة وغيرها تغيرت مبادئهم بشكل كبير جدا.
واختتاما لتحليله للاتفاق الأمريكي مع «الحوثي»، قال مورجان إن السلام مع الحوثيين ليس خوفا منهم، ولكنه تم توقيعه لتجنب الهجمات القادمة، خاصة مع الدعم الاقتصادي أو مع المبادرات الاقتصادية، والصفقات الاقتصادية القادمة للولايات المتحدة مع الخليج، مشيرا إلى أنه لو لم يتم السلام مع الحوثيين ستكون هناك خسائر كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة لأنهم يمثلوا خطرا مباشرا على أهم الاتفاقيات الاقتصادية بالنسبة للولايات المتحدة.
أما بالنسبة للاتفاق المباشر بين واشنطن وحماس، فنوه الباحث الأمريكي أنه جاء بعدما أيقن دونالد ترامب، أنه تم اللعب به، خصوصا بعدما اكتشاف الجاسوس الإسرائيلي، وهو مستشار الأمن القومي، مايكل والتز، حيث اكتشف أنه يخطط ويجري محادثات سرية مباشرة مع بنيامين نتنياهو في ملف إيران، وعلى نفس النهج اكتشف ترامب أن بنيامين نتنياهو يتلاعب به في قضية المحتجزين خصوصا المحتجز الأمريكي».
وأضاف «مورجان»: «كان نتنياهو يقول دائما لترامب أن حماس جماعة لا تؤتمن، ويجب أن يتم إسكاتها والهجوم عليها، وكل ذلك بهدف إطالة أمد الحرب يبن إسرائيل وحماس والهرب من العقوبات المفروضة عليه، بالإضافة إلى زيادة حدود الاحتلال في المنطقة، ولكن ترامب عندما أدرك هذا الأمر، تعامل مع حماس بشكل مباشر لإخراج المحتجز الأمريكي عيدان ألكسندر، من هذا الصراع للفوز بالمصلحة الأمريكية».
وأشار الباحث الأمريكي إلى أن هذه هي إحدى الضربات التي وجهها ترامب لنتنياهو بشكل مباشر وفضحت نوايا الأخير بشأن عدم رغبته في إيقاف تلك الحرب.
ولفت مايكل مورجان، إلى هذا الاتفاق يشبه تماما اتفاق السلام الذي أبرمته إدارة ترامب مع جماعة طالبان الأفغانستية في في الدوحة في فبراير 2020، وتم الاتفاق معهم وقتها على تأمين عساكر الجيش الأمريكي وتعهد طالبان بعد المساس بهم وتأمين خروجهم، حيث خرج ترامب بعدها وأعلن أنه توصل إلى صفقة ونقاطها الأساسية: «أن تخرج الولايات المتحدة من أفغانستان في غضون 14 شهراً، مقابل موافقة طالبان على عدم السماح لأفغانستان بإيواء الإرهابيين، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة وحلفاؤها وقوات حلف شمال الأطلسي سيستكملون انسحاب جميع القوات المتبقية من أفغانستان خلال الأشهر التسعة والنصف المتبقية، متابعا: «وكانت النقطة الثالثة أن تطلق الولايات المتحدة سراح 5000 سجين من طالبان، مقابل أن تفرج طالبان عن 1000 سجين».
واختتم «مورجان» حديثه لـ «نافذة الشرق» قائلا: «لا ننكر أن ترامب أن رجل صفقات ولكن هناك بعض الصفقات في الشرق الأوسط ستكون كالقنبلة الموقوتة التي تطيح بترامب نفسه، ولا نعلم ربما يتأنى ترامب في التقدم السريع الذي يحرزه منذ توليه الإدارة الأمريكية، ولكن هل هذا التأني سيأتي في وقته أم بعد فوات الآوان؟ هذا ما سيقرره المستقبل القريب».