كتبت / علياء الهواري
في تطور مفاجئ أعاد اليمن إلى واجهة الأحداث الإقليمية، نفذت إسرائيل غارة جوية في صنعاء أسفرت عن اغتيال رئيس وزراء الحوثيين أحمد الرهوي، في عملية وُصفت بأنها تحمل رسائل استراتيجية أبعد من حدود اليمن. وبينما أعلنت تل أبيب أن العملية “مجرد البداية”، تصاعدت التساؤلات حول دلالات هذا الاغتيال وتأثيراته على مستقبل الصراع في المنطقة الممتدة من غزة إلى البحر الأحمر.
في هذا السياق، أجرينا حوارًا مع الدكتور أكرم هواس، الباحث في العلاقات الدولية الذي قدم قراءة معمقة لمغزى العملية الإسرائيلية، وانعكاساتها على اليمن والإقليم بأسره، في ظل مشهد متشابك يربط غزة بصنعاء، والبحر الأحمر بالقرن الأفريقي
برأيكم، ما الرسائل التي أرادت إسرائيل إيصالها عبر اغتيال أحمد الرهوي في صنعاء؟ وهل يمكن اعتباره تدشينًا رسميًا لجبهة حرب جديدة؟
الاغتيال السياسي دائمًا ما يحمل رسالة سياسية، وفي الحالة اليمنية، فإن العملية تعني إنذارًا مباشرًا بإمكانية إزالة النظام الحوثي من العاصمة، وفتح المجال أمام تغييرات جذرية في البنية السياسية اليمنية. لكن إلى أي مدى يمكن اعتبار ذلك تدشينًا لجبهة حرب جديدة؟ هذا يتوقف على حجم التفاعل الداخلي اليمني ضد الحوثيين، إضافةً إلى مواقف القوى الإقليمية، سواء في الخليج أو في القرن الأفريقي، حيث تشابكات الأمن والسياسة تلعب دورًا حاسمًا
إسرائيل وصفت العملية بأنها “مجرد البداية” هل نحن أمام استراتيجية طويلة المدى لإشعال الساحة اليمنية، أم ضربة تكتيكية مرتبطة بحرب غزة؟
مصطلح “مجرد البداية” لا ينفصل عن الرسالة السابقة: إنه إنذار استراتيجي للحوثيين. صحيح أن التدخل الإسرائيلي يرتبط في جوهره بدور الحوثيين في حرب غزة، لكنه أيضًا يبعث برسائل إلى دول الخليج، ومصر، وحتى القرن الأفريقي. البعد الأعمق يتمثل في سعي إسرائيل لبناء تواجد عسكري داعم لمشروعها السياسي في الهيمنة الإقليمية.
كيف نفسر صمت حركة حماس عن العملية، بينما حرصت تل أبيب على إبرازها كجزء من معركتها مع محور المقاومة؟
حماس لا مصلحة لها في التورط خارج الساحة الفلسطينية الحركة تحاول اليوم الانفصال عن إرثها المرتبط بالإخوان المسلمين، وكذلك الابتعاد عن المشروع الإيراني للمقاومة. أي تدخل في الملف اليمني سيكون بمثابة “انتحار سياسي”؛ لأنه يُنظر لليمن في الخطاب العربي والدولي من زاوية طائفية مرتبطة بالمشروع الإيراني.
حتى داخل فلسطين، تركز حماس على حرب غزة لتكسب شرعية شعبية عالمية جديدة، بينما يشترط المجتمع الدولي ومعه إسرائيل إخراجها من المشهد الفلسطيني كليًا مقابل أي حديث عن دولة فلسطينية مستقبلية.
ما التأثير المحتمل لاغتيال شخصية بحجم رئيس وزراء الحوثيين على البنية الداخلية للجماعة؟ وهل قد يتحول إلى ورقة لتعزيز شرعيتهم تحت شعار “المقاومة”؟
المشهد اليمني معقد للغاية. هناك حكومة في العاصمة متهمة بالطائفية، وأخرى في الخارج تُسمى بالشرعية، بينما لا تحظى أي منهما باعتراف دولي متكامل. اليمن معزول سياسيًا، وأي اغتيالeven لرئيس وزراء الحوثيين لن يغير كثيرًا في ميزان الشرعية الدولي.
لكن داخليًا، سيحاول الحوثيون استثمار الحدث لتوسيع سردية الشرعية الثورية. غير أن البعد الطائفي، والدور الخليجي، يحدان من قدرتهم على تسويق صورة “رئيس وزراء شهيد” خارج إطارهم المحلي.
إلى أي مدى يمكن أن تدفع إيران الحوثيين نحو تصعيد عسكري ضد إسرائيل، خصوصًا في البحر الأحمر؟
الاغتيال بحد ذاته قد لا يشكل نقطة انطلاق لتصعيد شامل. لكن السيطرة على باب المندب ليست قضية جديدة، بل محور صراع إقليمي منذ سنوات. أي تصعيد إضافي سيعتمد على توازنات دقيقة بين الطموح الإيراني، ومستوى التمدد الإسرائيلي، وحجم القلق العربي والدولي.
المعادلة تشمل أيضًا أمن دول القرن الأفريقي، ومصالح مصر المرتبطة بقناة السويس.
وبالتالي، فإن كل خطوة إيرانية ستُحسب بدقة، تجنبًا لفتح جبهة شاملة لا يمكن ضبطها.
هل يعيد هذا التطور السعودية والإمارات إلى الواجهة كأطراف عسكرية فاعلة في اليمن؟
حتى الآن، يظل التدخل العسكري المباشر مستبعدًا. لكن السعودية والإمارات لم تنسحبَا من الساحة اليمنية، بل أعادتا تشكيل دورهما بطرق مختلفة، خصوصًا في سياق صراع الهيمنة على باب المندب.
غير أن أي تصعيد كبير في المواجهة الإيرانية الإسرائيلية قد يدفع الرياض وأبوظبي للعودة بشكل أكثر انخراطًا، إلى جانب أطراف إقليمية أخرى.
مع دخول إسرائيل المباشر على خط الصراع اليمني، هل يمكن القول إن فرص السلام أو التسوية باتت معدومة؟
التطورات الأخيرة تقلص فرص أي تسوية سياسية في اليمن والمنطقة عمومًا. التدخل الإسرائيلي المباشر يعد مؤشرًا خطيرًا على مسار الأحداث، ويزيد من تعقيد المشهد. فاليمن لم يعد مجرد ساحة نزاع داخلي، بل أصبح عقدة في شبكة صراعات إقليمية ودولية تمتد من غزة إلى البحر الأحمر.
ما هي التداعيات الأوسع لهذه العملية على معادلات الإقليم؟ هل نحن أمام إعادة رسم خرائط التحالفات والصراعات؟
الجواب يتوقف على رد الفعل الإيراني، وطبيعة تفاعل الدول الإقليمية، خصوصًا مصر، الخليج، ودول القرن الأفريقي. لا يمكن تجاهل الطموحات الإثيوبية للوصول إلى البحر، أو النزاع مع إريتريا، أو التوترات في الصومال. كل هذه العناصر تجعل المنطقة مسرحًا مفتوحًا لإعادة رسم الخرائط.
ولا نغفل أيضًا أثر سياسات الرئيس الأميركي ترامب، التي تضيف عنصرًا من “السريالية” إلى المشهد الدولي، ما يزيد من هشاشة التوازنات.
اغتيال أحمد الرهوي لم يكن مجرد عملية عسكرية في صنعاء، بل محطة تكشف عن انتقال الصراع الإقليمي إلى مرحلة أكثر تعقيدًا. فاليمن، الذي عانى من عزلة سياسية وحروب داخلية، أصبح اليوم ساحة مباشرة في مواجهة إسرائيلية إيرانية محتدمة، لها انعكاساتها على الخليج، القرن الأفريقي، وممرات التجارة الدولية.
وبحسب رؤية د. أكرم هواس، فإن القادم مرهون بتوازنات القوى الإقليمية وردود الفعل الإيرانية مع احتماليات مفتوحة تعيد رسم خريطة الصراع من غزة إلى البحر الأحمر. لكن المؤكد أن الحديث عن سلام قريب في اليمن أو المنطقة لم يعد إلا ترفًا سياسيًا في ظل نذر حرب قد تشتعل على أكثر من جبهة في آن واحد.