كتب: عبدالله عمارة
أعلنت السلطات الإسرائيلية مؤخرا ، موافقتها النهائية على المشروع الاستيطاني المثير للجدل المعروف بـ”E1″ شرق القدس المحتلة، رغم التحذيرات الدولية من تداعياته الخطيرة على مستقبل حل الدولتين
وأكد رئيس بلدية مستوطنة “معاليه أدوميم” غاي يفراح، أن الإدارة المدنية الإسرائيلية منحت الضوء الأخضر للمخطط، معبراً عن سعادته بالموافقة على بناء حي “E1”
موافقة نهائية على المشروع المثير للجدل
كما منحت اللجنة العليا للتخطيط التابعة للإدارة المدنية الموافقة النهائية على المخطط الذي كان وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش قد أعلن إقراره في 14 أغسطس الجاري، في خطوة وصفها بأنها “تقوض تماماً إمكانية قيام دولة فلسطينية”.
وشدد سموتريتش، الذي يتولى أيضاً منصباً في وزارة الدفاع، على أن القرار “خطوة مهمة تمحو عملياً وهم حل الدولتين”، مضيفاً: “الدولة الفلسطينية تُمحى عن الطاولة ليس بالشعارات بل بالأفعال، فكل مستوطنة، وكل وحدة سكنية هي مسمار آخر في نعش هذه الفكرة الخطيرة”
مشروع “E1” يعزل القدس ويفصل الضفة إلى شطرين
أوضح الدكتور نزار نزال، المحلل السياسي الفلسطيني والخبير بالشأن الإسرائيلي، أن منطقة “E1” تقع في وسط الضفة الغربية، وتنفيذ المشروع الاستيطاني فيها يعني “عزل مدينة القدس كلياً عن محيطها العربي، وفصل الضفة إلى شطرين: جنوبي يضم بيت لحم والخليل، ووسط وشمالي يشمل رام الله وسلفيت ونابلس وجنين وقلقيلية وطولكرم وطوباس”.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، أن تنفيذ المشروع “يعني ضم نحو 12% من مساحة الضفة الغربية وتحويلها إلى منطقة استعمارية كاملة، خالية من الوجود الفلسطيني”، مشدداً على أن “هذه المصادرة الشاملة تجعل من المستحيل مستقبلاً إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافياً”.
الدعم الأميركي وتغيير الموقف تجاه المشروع
وأشار نزال إلى أن الولايات المتحدة كانت قد رفضت في السابق تنفيذ هذا المشروع “لأنها لم تكن معنية بحسم الصراع، بل كانت تدير الملف في إطار إدارة النزاع وليس حسمه”، لافتاً إلى أن “اليوم يسيطر على الإدارة الأميركية تيار الإنجيليين والصهيونية المسيحية، وهو ما يوفر بيئة خصبة لدعم إسرائيل في تنفيذ المشروع”.
وأكد أن إسرائيل “تسعى إلى ضم 12% من مساحة الضفة في منطقة E1، و12% أخرى على طول الخط الأخضر بين أراضي 1967 وأراضي 1948، إضافة إلى 27% من منطقة الأغوار”، موضحاً أن “الظرف الدولي الحالي يسمح لواشنطن بدعم حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة في فرض وقائع جديدة على الأرض مرتبطة بالاستعمار والاستيطان اليهودي”.
بناء 3400 وحدة استيطانية يقطع أوصال الضفة الغربية
ولفت نزال إلى أن المشروع يتضمن “بناء 3400 وحدة استيطانية جديدة، رغم أن المنطقة المستهدفة ليست واسعة ولا ذات عمق كبير”، موضحاً أن “الأراضي الممتدة من القدس حتى داخل أراضي 1948 سيتم مصادرتها للبناء، ما يؤدي إلى عزل شمال الضفة ووسطها عن جنوبها”.
وأوضح أن “المخطط يقسم الضفة فعلياً إلى ثلاث كتل منفصلة جغرافياً، بحيث يتم فصل الجنوب عن الوسط والشمال، ثم فصل الشمال عن الوسط، ما يعني إحكام السيطرة الإسرائيلية على الضفة وتحويلها إلى كانتونات معزولة”.
حرب غزة بيئة مواتية لتمرير المشروع
وأكد نزال أن “الحرب الإسرائيلية على غزة وما رافقها من بروباجاندا إسرائيلية للتأثير على الأنظمة الأوروبية، والدعم الغربي اللامتناهي، إلى جانب العجز العربي، خلقت بيئة مناسبة لإسرائيل لتنفيذ المشروع”.
وأضاف: “عشرات الآلاف من الشهداء والمصابين في غزة، وتدمير القطاع بالكامل، مع الصمت الغربي والتواطؤ والدعم الأميركي، جعل الأجواء العامة مثالية أمام إسرائيل لتمرير مخطط E1 وتنفيذه على الأرض”.
حكومة اليمين الإسرائيلي في حالة “سعار”
أكد الدكتور إسماعيل تركي، خبير العلاقات الدولية، أن حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف “ينتابها حالة سعار بسبب توالي الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية”، مشيراً إلى أن حكومة بنيامين نتنياهو تحاول القضاء على عناصر قيام الدولة على أرض الواقع “من خلال ضم مزيد من الأراضي، وفصل ما تبقى منها، والاستمرار في عمليات التهجير القسري”.
أهمية منطقة “E1” في المخطط الاستيطاني
وأوضح تركي في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، أن منطقة “E1” تمثل “أهمية استراتيجية بالغة في الخطة الإسرائيلية لفصل الأراضي الفلسطينية ومنع التواصل الجغرافي”، لافتاً إلى أنها تقع بين مستوطنة “معاليه أدوميم” شرق القدس والقدس نفسها.
وأضاف أن هذه المنطقة “تبلغ مساحتها نحو 12 كيلومتراً مربعاً، وتشكل حلقة الوصل الأخيرة المتبقية التي تسمح بالتواصل الجغرافي بين شمال ووسط الضفة الغربية وجنوبها”.
وأشار إلى أن أي بناء استيطاني في المنطقة “سيقطع التواصل بين القدس الشرقية وشمال الضفة وجنوبها، ما يجعل من المستحيل عملياً إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ومترابطة جغرافياً”، وهو ما وصفه الفلسطينيون بـ”الفصل العنصري”.
التحول في الموقف الأميركي تجاه المشروع
وتابع تركي أن الولايات المتحدة كانت قد مارست “ضغوطاً كبيرة على إسرائيل لتجميد المشروع في فترات سابقة، خاصة خلال إدارة الرئيس باراك أوباما، للحفاظ على احتمالية حل الدولتين وتجنب خطوات أحادية تعرقل المفاوضات”.
لكنه شدد على أن “الوضع اليوم مختلف، إذ تحظى إسرائيل بدعم أميركي غير محدود، بينما تُظهر الإدارة الأميركية الحالية موقفاً أقل حزماً تجاه الاستيطان”.
وأضاف أن إسرائيل “تستغل انشغال المجتمع الدولي بالحرب في غزة لفرض وقائع جديدة على الأرض، في ظل غياب ضغط دولي كافٍ لردعها”.
بناء 3400 وحدة استيطانية لفصل الضفة الغربية
وبيّن تركي أن المشروع يهدف إلى “بناء أكثر من 3400 وحدة سكنية في المنطقة”، موضحاً أنه بمجرد اكتمال البناء “ستتصل مستوطنة معاليه أدوميم بمدينة القدس مباشرة، ما سيؤدي إلى إنشاء كتلة استيطانية ضخمة تفصل شمال الضفة عن جنوبها”.
وأكد أن هذا الفصل “سيمنع التواصل الجغرافي المستقبلي بين المدن والقرى الفلسطينية، ويحول الضفة إلى مجموعة من الجيوب المعزولة، وهو ما يجعل من الصعب إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة متصلة جغرافياً على حدودها”.
دلالات التوقيت واختبار الموقف الدولي
وشدد تركي على أن توقيت الموافقة على المشروع “يحمل دلالات بالغة الأهمية”، مبيناً أن إسرائيل “استغلت انشغال العالم بالحرب في غزة وتداعياتها الإنسانية لتمرير قرار حساس كهذا”.
وأضاف أن التوقيت “يخدم عدة أهداف، منها استغلال انشغال العالم بالحرب، واختبار الموقف الدولي، وخاصة الدول العربية المنشغلة بجهود التهدئة في غزة”.
وأوضح أن إسرائيل “تحاول من خلال المضي في المشروع أن ترسم صورة مفادها أنها لا تولي أي اهتمام للموقف الدولي الرافض للاستيطان، وأنها ترد عملياً على الأصوات والمواقف الشجاعة التي اعترفت أو تنوي الاعتراف بالدولة الفلسطينية”.
غياب الردع الدولي يعمّق الأزمة
وختم تركي بأن المجتمع الدولي، “رغم إدانته المتكررة للاستيطان، لم يتخذ خطوات عملية مؤثرة لردع إسرائيل”، وهو ما يشجعها على المضي قدماً في سياساتها الأحادية.
وأكد أن القرار “يضع المزيد من العقبات أمام أي جهود مستقبلية لإحياء عملية السلام على أساس حل الدولتين، ويزيد من تعقيد المشهد ويمنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967”.