كتب: عبدالله عمارة
قال الدكتور إسماعيل تركي، الخبير في العلاقات الدولية، إن استضافة القاهرة اجتماع مجموعة العشرين لبحث الأمن الغذائي يُعد حدثًا بالغ الأهمية، لكونه الاجتماع الأول من نوعه الذي تستضيفه مصر لمناقشة قضية الأمن الغذائي العالمي.
وأوضح في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، أن الاجتماع يأتي في توقيت حرج تتزايد فيه التحديات المتعلقة بتوفير الغذاء، سواء نتيجة تزايد حدة النزاعات الإقليمية، أو التغيرات المناخية، أو الاضطرابات الاقتصادية، مشيرًا إلى أن اختيار القاهرة لاستضافة هذا الحدث يكتسب دلالات سياسية واقتصادية كبيرة تستدعي الملاحظة.
وأشار إلى أن اختيار مصر لاستضافة اجتماع بهذا الحجم لمجموعة العشرين ليس مجرد ترتيب لوجستي، بل يحمل رسائل متعددة، أولها تقدير للدور المحوري المصري، مؤكدًا أن هذا الاختيار يُعد اعترافًا دوليًا بمكانة مصر المتنامية وثقلها الإقليمي والدولي.
وأضاف أن مصر، بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي وعلاقاتها المتشعبة، أصبحت لاعبًا لا غنى عنه في معالجة القضايا العالمية الملحة، كما تُنظر إليها من القوى الكبرى على أنها تمثل ركيزة أساسية للأمن والاستقرار ومحورًا كبيرًا للسلام في الإقليم.
وأكد الدكتور إسماعيل تركي أن استضافة حدث بهذا الحجم تعكس ثقة المجتمع الدولي في قدرة مصر على تنظيم واستضافة الفعاليات الدولية الكبرى بكفاءة واقتدار، وهو ما يُمثل دلالة ثانية لاختيار القاهرة لهذا الحدث المهم.
وأضاف أن الأهمية الثالثة تتعلق بالمكانة الإفريقية والعربية لمصر، موضحًا أن مصر تُعد جسرًا يربط بين إفريقيا والعالم العربي، واستضافتها لهذا الاجتماع تضع القضايا التي تهم هاتين المنطقتين الحيويتين على طاولة النقاش العالمية بشكل مباشر.
وأشار إلى أن مصر استطاعت في الفترة الأخيرة أن تكون الصوت العالي الشجاع للدفاع عن قضايا إفريقيا وحقها في التنمية والعدالة بصفة خاصة، والمدافع عن قضايا الجنوب بصفة عامة.
وشدد على أن الدلالة الرابعة تتمثل في التأكيد على دور مصر الإقليمي والدولي في قضايا الأمن الغذائي، موضحًا أن مصر لم تتوانَ عن أداء دورها الفعال في معالجة قضايا الأمن الغذائي، خاصة تجاه محيطها الإفريقي والعربي.
وقال إن مصر تقوم بدور حيوي كبوابة لإفريقيا، تسعى من خلاله لتعزيز التعاون في مجالات الزراعة المستدامة، ونقل التكنولوجيا، وتبادل الخبرات لمواجهة تحديات الأمن الغذائي في القارة السمراء.
وأضاف أن مبادرات مثل “100 مليون صحة”، وإن لم تكن مباشرة في مجال الأمن الغذائي، فإنها تعكس توجهًا مصريًا نحو بناء قدرات بشرية قادرة على الإنتاج والمساهمة في الاقتصاد، وهو ما ينعكس على الأمن الغذائي طويل الأمد.
وأوضح أن مصر شريك أساسي في جهود تحقيق الأمن الغذائي بالمنطقة العربية، من خلال مشروعات البنية التحتية، ومحطات معالجة المياه لإعادة استخدامها في الزراعة، وتوسيع الرقعة الزراعية، وبناء المناطق اللوجستية لاستقبال وتخزين الحبوب والمواد الغذائية، إلى جانب دعم المشاريع الزراعية المشتركة والتنسيق لمواجهة الأزمات.
وأشار إلى أن مصر قدمت – وما تزال – مبادرات لتعزيز الزراعة الذكية، وتحسين كفاءة استخدام المياه، وتطوير سلاسل الإمداد لضمان وصول الغذاء للجميع، موضحًا أن ذلك يظهر بوضوح في مشروعات مثل “مستقبل مصر” و”دلتا مصر الجديدة”.
وذكر الدكتور تركي أن الرؤية المصرية لحل أزمة الغذاء تستند إلى عدة محاور رئيسية، أولها تعزيز الإنتاج المحلي من خلال استصلاح الأراضي، وتحديث طرق الري، وتوفير الدعم للمزارعين، مستشهدًا بـ”المشروع القومي لاستصلاح المليون ونصف فدان” كخير دليل.
وأوضح أن المحور الثاني يتمثل في تنويع مصادر الاستيراد، لتقليل الاعتماد على عدد محدود من الدول، مشيرًا إلى أن المحور الثالث هو التحول نحو الزراعة المستدامة، بينما يتمثل المحور الرابع في تعزيز الشراكات الدولية وتبادل الخبرات لمواجهة أزمات الغذاء.
وأكد أن التوصل إلى ميثاق دولي للتعامل مع أزمات الغذاء الطارئة يُعد من أبرز الطموحات التي يمكن طرحها على طاولة مجموعة العشرين، موضحًا أن مثل هذا الميثاق سيوفر إطارًا قانونيًا وأخلاقيًا لضمان التنسيق السريع والاستجابة للأزمات الغذائية.
وأضاف أن الميثاق المقترح سيسهم في ضمان وصول المساعدات الغذائية للمناطق الأكثر احتياجًا دون عوائق سياسية، إلى جانب إيجاد آليات لتبادل المعلومات والإنذار المبكر بالأزمات المحتملة، وتوفير آليات تمويل مستدامة تدعم برامج الأمن الغذائي، خاصة في الدول الأكثر فقرًا.
وأكد أن الاجتماع الحالي يمثل فرصة ذهبية لمصر والدول النامية لطرح هذه الفكرة ومناقشة آليات تنفيذها، خاصة في ظل التحديات المتزايدة التي تتطلب استجابة جماعية موحدة، لافتًا إلى أن مصر تملك خبرة تفاوضية قوية في هذا المجال.
وأشار إلى أنه يمكن الاستشهاد بـ”ما تم في استضافة مصر لقمة المناخ كوب 27″، حيث تمكنت مصر من طرح صندوق الأضرار والخسائر، وألزمت الدول الكبرى بدفع تعويضات للدول الفقيرة المتضررة من تداعيات التغيرات المناخية، وهو ما تحقق فعليًا في قمة شرم الشيخ.
واختتم الدكتور إسماعيل تركي تصريحاته بالتأكيد على أن الدول النامية، ومصر بصفتها صوتًا مدافعًا عن قضايا الجنوب، تتطلع من مجموعة العشرين إلى تحقيق عدد من المطالب، أبرزها زيادة الاستثمارات في الزراعة، وتوفير تمويل أكبر للمشاريع الزراعية، وتيسير نقل التكنولوجيا، وإزالة الحواجز التجارية.
كما أشار إلى أهمية مساعدة الدول النامية على التكيف مع التغيرات المناخية، وتوفير آليات تمويلية ميسّرة دون مشروطية سياسية تضر باقتصادات هذه الدول وتزيد من مديونيتها، مؤكدًا أن مصر، من خلال استضافة هذا الاجتماع، تعيد التأكيد على التزامها الحقيقي بقضايا الأمن الغذائي العالمي، وتُقدم نفسها كشريك فعال في صياغة الحلول المستقبلية، وسط ثقة متزايدة من المجتمع الدولي في قدراتها التنظيمية والسياسية.