عبد الرحمن السيد
بعد سلسلة من الأزمات التي عصفت بسوق السيارات المصري، جاء قرار البنك المركزي بخفض سعر الفائدة بنسبة 1% في مايو الماضي، ليثير تساؤلات عديدة حول إمكانية أن يُشكل هذا التحرك بداية لانفراجة طال انتظارها في واحد من أكثر القطاعات تضررًا بفعل التقلبات الاقتصادية الأخيرة. فهل يكون خفض الفائدة طوق النجاة لسوق يعاني من الركود وتراجع المبيعات؟ وهل بدأت ملامح الانتعاش تظهر بالفعل؟ أم أن الطريق لا يزال محفوفًا بالتحديات؟
برامج التمويل تتنفس الصعداء
بحسب خبراء مصرفيين، فإن خفض سعر الفائدة انعكس بشكل مباشر على برامج التمويل الاستهلاكي المقدمة من البنوك، لا سيما تلك الموجهة لشراء السيارات. حيث إن خفض الفائدة يعني تقليل تكلفة التمويل على العميل، وبالتالي انخفاض الأقساط الشهرية المطلوبة لسداد القرض. وهذا بالضرورة يعزز من جاذبية شراء سيارة لمن لديه استعداد لذلك في ظل رفض آخرين بسبب مسألة الفوائد الربوية، خاصة في ظل ارتفاع أسعار السيارات خلال العامين الماضيين.
وبالفعل، بدأت بعض البنوك في مراجعة شروط برامج التمويل، وتقديم عروض ترويجية تشمل أسعار فائدة مخفضة ومدد سداد أطول، إلى جانب مزايا أخرى مثل تحمل جزء من التأمين أو المصاريف الإدارية.
تراجع الأقساط.. ولكن بشروط
رغم هذا، إلا أن انخفاض الفائدة لم يترجم بشكل فوري إلى تراجع كبير في الأقساط الشهرية، وذلك لأسباب تتعلق بأسعار السيارات المرتفعة من الأساس. حيث إن هناك تراجع نسبي في القسط الشهري بسبب خفض الفائدة، لكنه ليس تراجعًا جذريًا. أسعار السيارات لا تزال مرتفعة، والفائدة ما زالت مرتفعة تاريخيًا حتى بعد الخفض، لكنها بداية مشجعة.
ويبلغ متوسط الفائدة على قروض السيارات من نحو 22% إلى ما بين 20% و20.5% بعد قرار المركزي، وهو ما قد يوفر في المتوسط بين 10 إلى 15 ألف جنيه على إجمالي مدة التمويل، حسب قيمة القرض.
عقبات لا تزال تعرقل التعافي
يقول أسامة أبو المجد رئيس رابطة تجار السيارات، في تصريحات خاصة لـ نافذة الشرق، إنه رغم الإيجابية النسبية التي أضفاها خفض الفائدة، إلا أن ثمة تحديات كبرى لا تزال تواجه تعافي سوق السيارات في مصر، وعلى رأسها:
ارتفاع أسعار السيارات الجديدة بسبب عوامل تتعلق بسعر الصرف، وتكلفة الاستيراد، والشحن العالمي.
قلة المعروض من السيارات نتيجة مشاكل الاستيراد، واشتراطات تسجيل الوكلاء، وإجراءات الإفراج الجمركي.
تراجع القوة الشرائية للطبقة الوسطى، التي تمثل الشريحة الأكبر من المستهلكين المحتملين.
القيود التمويلية السابقة التي حدّت من قدرة الأفراد على الاقتراض، ما خلق حالة من الإحباط تجاه فكرة شراء سيارة بالتقسيط.
ويضيف قائلًا: “خفض الفائدة خطوة مهمة، لكنها وحدها لا تكفي لإنعاش السوق. نحن بحاجة إلى حزمة متكاملة تتضمن تسهيلات جمركية، وسياسات لتشجيع الصناعة المحلية، وتنظيم السوق بشكل أكبر”.
السيارات المستعملة والكهربائية.. بدائل تحت المجهر
ومع استمرار الضغوط على سوق السيارات الجديدة، تتجه الأنظار إلى بدائل أخرى، مثل السيارات المستعملة، والسيارات الكهربائية. وقد لوحظ في الشهور الأخيرة زيادة في الإقبال على السيارات المستعملة التي تقدم بأسعار أقل، وخيارات تمويل أسهل.
كما بدأت بعض شركات التوزيع الترويج للسيارات الكهربائية، باعتبارها مستقبل القطاع، خاصة مع سعي الحكومة نحو التوسع في البنية التحتية الخاصة بالشحن، وتوفير حوافز للشراء.
لكن “السيارات الكهربائية ما زالت بعيدة عن فئات كثيرة من المستهلكين بسبب سعرها، وصعوبة الصيانة، وضعف ثقافة الشراء، لكن مع الوقت وزيادة الدعم الحكومي، قد تتحول لبديل واقعي”.
السيناريوهات المتوقعة في النصف الثاني من 2025
يتفق معظم الخبراء على أن النصف الثاني من عام 2025 سيكون بمثابة اختبار حقيقي لمدى قدرة السوق على التعافي. فمع توقعات بمزيد من الخفض في أسعار الفائدة خلال اجتماعات لجنة السياسة النقدية المقبلة، وتحسن طفيف في مؤشرات التضخم، قد تشهد حركة المبيعات انتعاشة تدريجية.
انفراجة مشروطة.. والمستهلك في الانتظار
في المجمل، يمكن القول إن قرار خفض الفائدة أعاد الأمل لسوق السيارات، لكنه لا يمثل الحل السحري لكافة التحديات المتراكمة. إذ لا يزال السوق بحاجة إلى منظومة دعم أوسع تشمل التسهيلات الجمركية، وتشجيع التصنيع المحلي، وتنظيم سوق المستعمل، وتوسيع قاعدة التمويل.
وحتى يحدث ذلك، يبقى المستهلك في موقع الترقب، يوازن بين الرغبة في الشراء، والخوف من الالتزامات، منتظرًا تحسنًا أكبر في الأسعار والشروط التمويلية. وبين هذا وذاك، يبقى قرار خفض الفائدة “جرعة إنعاش أولى” لسوق أنهكته الصدمات.
سوق السيارات في مصر وتحدياته
شهد سوق السيارات المصري خلال السنوات الأخيرة اضطرابات متكررة، أثّرت بشدة على حركة البيع والشراء، وأدت إلى حالة ركود غير مسبوقة. بدأت هذه الاضطرابات مع أزمة تفشي جائحة كورونا التي عطّلت سلاسل الإمداد العالمية، ثم تفاقمت مع الحرب الروسية الأوكرانية التي رفعت تكاليف الشحن وأسعار المواد الخام. ووسط هذه التحديات العالمية، واجه السوق المحلي أيضًا أزمة في توافر العملة الأجنبية، مما أدى إلى تعطل عمليات الاستيراد، وتضخم أسعار السيارات إلى مستويات غير مسبوقة.
في العام 2022، أُدرجت السيارات ضمن السلع غير الأساسية التي تُخضع لقيود على الاستيراد، الأمر الذي نتج عنه نقص حاد في المعروض، وفتح الباب أمام السوق السوداء، ورفع الأسعار بصورة تجاوزت حدود القوة الشرائية لغالبية المصريين. كما أدت الإجراءات التنظيمية التي أقرها جهاز حماية المستهلك، ومنها توثيق الوكلاء الرسميين، إلى تأخير الإفراج الجمركي عن السيارات، ما زاد من تعقيد المشهد.
وتزامن ذلك مع قفزات متتالية في سعر الفائدة على مدار عامي 2022 و2023، ضمن سياسة البنك المركزي لمواجهة التضخم، وهو ما رفع تكلفة الاقتراض، وقلص من جاذبية برامج التمويل البنكي لشراء السيارات. النتيجة كانت شبه توقف لحركة البيع، وانخفاض كبير في مبيعات السيارات سواء الزيرو أو المستعملة، مع تسريح بعض العمالة في المعارض والشركات.
هذه العوامل مجتمعة وضعت سوق السيارات المصري في “غيبوبة اقتصادية”، وجعلت أي تحرك إيجابي، ولو بسيط، مثل خفض الفائدة، يُنظر إليه كفرصة لإعادة الروح إلى قطاع يُعد من أبرز محركات النشاط الاقتصادي، ويتصل مباشرة بعدد كبير من الصناعات والخدمات المساندة، من قطع الغيار، إلى التأمين، والصيانة، وحتى البنوك.