كتب: عبد الرحمن السيد
في خطوة تحمل رسائل مزدوجة للأسواق والمستثمرين، قررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري في اجتماعها يوم الخميس 22 مايو 2025، خفض أسعار الفائدة الأساسية بواقع 100 نقطة أساس، ليصل سعر عائد الإيداع إلى 24% وسعر الإقراض إلى 25%، وسعر العملية الرئيسية إلى 24.5%، مع خفض مماثل لسعر الائتمان والخصم إلى 24.5%.
يأتي هذا القرار في سياق اقتصادي داخلي يشهد تراجعًا ملموسًا في معدلات التضخم، وتحسنًا نسبيًا في مؤشرات النمو، بالتزامن مع توجه عالمي أكثر تحفظًا في السياسة النقدية، نتيجة تصاعد التوترات الجيوسياسية ومخاطر تباطؤ سلاسل الإمداد العالمية.
قراءة في بيان “المركزي”
بحسب البيان الرسمي للبنك المركزي، فإن القرار يستند إلى متابعة دقيقة للتطورات الاقتصادية العالمية والمحلية، والتي شملت تباطؤًا في توقعات النمو العالمي، وتراجعًا في أسعار السلع الأساسية، واعتدالًا في معدلات التضخم محليًا، حيث سجل التضخم العام والأساسي في أبريل 2025 نحو 13.9% و10.4% على الترتيب، وهو ما يعكس – بحسب المركزي – فعالية السياسة النقدية التقييدية التي اتُبعت سابقًا.
وأكد البنك أن المؤشرات الأولية للربع الأول من العام تشير إلى تعافٍ اقتصادي مستمر، مع توقعات بأن يبلغ النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي 5%، مقابل 4.3% في الربع الأخير من 2024، كما انخفض معدل البطالة إلى 6.3%. هذه الأرقام، مع تراجع الضغوط التضخمية من جانب الطلب، دفعت المركزي إلى استكمال دورة التيسير النقدي التي بدأها في مارس الماضي.
الإدريسي: الخفض خطوة استراتيجية تعزز الاستثمار والإنتاج
الخبير الاقتصادي الدكتور علي الإدريسي اعتبر القرار “مطلبًا رئيسيًا لمجتمع الأعمال” الذي يسعى لتقليل تكلفة الاقتراض والتمويل، مؤكدًا أن استمرار خفض الفائدة سيخلق حالة من الانتعاش في البورصة، ويقلل من أعباء خدمة الدين الحكومي بنسبة تقارب 1% مع كل نقطة خفض.
وأشار الإدريسي، في تصريحات خاصة لـ “نافذة الشرق”، إلى أن القرار له انعكاسات مباشرة على الأسواق، لا سيما في قطاعي العقارات والسيارات، حيث يسهم انخفاض الفائدة في خفض تكلفة التمويل، بما يعزز الطلب ويُنعش السوق تدريجيًا، لا سيما مع استقرار سعر الصرف.
ورأى أن تجربة رفع أسعار الفائدة بنحو 8% العام الماضي لم تنجح في خفض التضخم بالقدر المأمول، والذي بلغ ذروته في 2024. ولذلك، يرى المركزي أن منح دفعة جديدة للاستثمار والإنتاج من خلال خفض الفائدة قد يكون أكثر فاعلية في كبح جماح التضخم عبر زيادة المعروض السلعي والخدمي.
بدراوي: دورة التيسير بدأت.. والمركزي يتقدم بثقة
من جانبه، قال النائب محمد بدراوي، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، إن قرار خفض الفائدة يأتي استكمالًا لدورة التيسير النقدي التي بدأها البنك المركزي في مارس الماضي، بعد نجاحه في خفض معدل التضخم من نحو 25% إلى 13.9%.
وأوضح بدراوي، في تصريحات خاصة لـ “نافذة الشرق”، أن خفض الفائدة بنسبة 1% فقط يعود إلى استمرار المخاطر الجيوسياسية والاضطرابات العالمية، ما دفع المركزي لاتباع نهج حذر في التيسير، لكنه أشار إلى أن استمرار استقرار الأوضاع الداخلية يُمكّن البنك من مواصلة سياسة الخفض في الاجتماعات المقبلة.
وتابع: “كلما استقر الاقتصاد محليًا، زادت قدرة المركزي على تقليص الفائدة بشكل أوسع، وهو ما يشجع المستثمرين على سحب أموالهم من البنوك وضخها في السوق، بما يزيد من حجم المشروعات والاستثمارات”.
رسائل ضمنية للسوق
ويشير النائب إلى أن قرار البنك المركزي كونه خطوة فنية لضبط أدوات السياسة النقدية؛ فهو يحمل في طياته رسائل تطمينية للداخل والخارج. فمن ناحية، يؤكد التزام الحكومة بخفض تكلفة التمويل والتيسير على القطاع الخاص، ومن ناحية أخرى، يعكس قدرًا من الثقة في تراجع الضغوط التضخمية، وقدرة الاقتصاد على امتصاص المخاطر.
وأوضح أن القرار أيضًا ينسجم مع خطط ضبط أوضاع المالية العامة التي تستهدف تقليص خدمة الدين، كما يأتي متسقًا مع توقعات السوق التي كانت ترجّح خفضًا تدريجيًا في الفائدة على مدار النصف الثاني من العام، في ضوء تحسن المؤشرات الكلية.
التضخم تحت السيطرة.. لكن التحديات قائمة
رغم إشارات المركزي الإيجابية بشأن مسار التضخم، إلا أن البيان لم يغفل التحديات. فالتوترات التجارية عالمياً، والتقلبات الجيوسياسية، وإجراءات ضبط المالية العامة المقررة، جميعها تشكل مخاطر صعودية قائمة قد تعرقل مسار خفض التضخم، بحسب رؤية اللجنة.
ومع ذلك، فإن اللجنة أكدت استعدادها الكامل لاستخدام كل أدوات السياسة النقدية المتاحة لتحقيق مستهدف التضخم البالغ 7% (±2 نقطة مئوية) في المتوسط بحلول الربع الرابع من 2026، بما يعكس مرونة وتفاعل السياسة النقدية مع المتغيرات.
مستقبل السياسة النقدية.. خفض تدريجي؟
في هذا الصدد، يقول الدكتور علي الإدريسي إن التقديرات تشير إلى أن المركزي قد يواصل دورة الخفض في الاجتماعات المقبلة، خاصة إذا استمرت مؤشرات التضخم في التراجع، واستمر تحسن سعر الصرف واستقرار سوق النقد. ومع ذلك، فإن الحذر سيبقى سمة قرارات اللجنة في ظل المشهد العالمي المضطرب.
ويرى النائب محمد بدراوي أن تخفيض الفائدة بواقع 100 نقطة أساس الآن، وليس أكثر، يعكس توازنًا دقيقًا بين دعم النمو والحيطة من المخاطر، خصوصًا في ظل التحديات الخارجية التي قد تُلقي بظلالها على الاقتصاد المصري، لا سيما في ملف التمويل الدولي والاستثمار الأجنبي.
واختتم بأن قرار خفض الفائدة ليس نهاية المطاف، بل بداية مرحلة جديدة من التفاعل الديناميكي بين السياسة النقدية والمتغيرات الاقتصادية. وإذا نجح البنك المركزي في موازنة أهداف النمو مع كبح التضخم، فإن السوق المصري قد يكون مقبلاً على دورة انتعاش قوية، تعزز جاذبيته الاستثمارية، وتدفع عجلة الإنتاج والتوظيف.
الخبير الاقتصادي الدكتور علي الإدريسي