كتبت بسمة هاني
شهدت بلدة كوشا في قضاء عكار شمال لبنان حادثة أمنية خطيرة، بعدما أقدم رئيس البلدية علي بردوع على استخدام سلاح حربي وإطلاق النار باتجاه أحد المواطنين، ما أدى إلى إصابته بجروح. الحادثة أثارت موجة غضب واسعة وسط صمت رسمي، وسط اتهامات باستخدام النفوذ والغطاء السياسي لحماية المعتدين.
قال الدكتور عبدالله نعمة، المحلل السياسي اللبناني والخبير في العلاقات الدولية، في حديث خاص لموقع نافذة الشرق، إن الحادثة الأخيرة التي وقعت في بلدة كوشا – قضاء عكار، تشكّل مؤشرًا خطيرًا على تفكك الدولة اللبنانية، وتحوّل بعض البلديات إلى مراكز نفوذ شخصي تستخدم العنف كأداة للهيمنة على المواطنين.
إطلاق نار واستخدام مفرط للقوة من قبل رئيس بلدية
وأوضح د. نعمة أن المعلومات المتوفرة تؤكد أن رئيس بلدية كوشا، علي بردوع، أقدم على استخدام سلاح حربي وأطلق النار مباشرة باتجاه المواطن محمد ديب، ما أدى إلى إصابته في قدمه ونقله إلى المستشفى. ولفت إلى أن ما زاد من خطورة الموقف هو تكرار الاعتداء لاحقًا، حيث عاد بردوع ليلاً مصطحبًا مجموعة من المسلحين، وقام بالاعتداء على أفراد من عائلة ديب، مستكملاً نمطًا من الترهيب العلني والمباشر.
تدخل محدود للقوى الأمنية وسط ضغوط سياسية
ونوه الدكتور نعمة إلى أن القوى الأمنية حضرت إلى مكان الحادث، إلا أن تعاطيها مع الموضوع أثار علامات استفهام كثيرة، خاصة بعد منع الضحايا من تقديم شكوى رسمية ضد رئيس البلدية لمدة تجاوزت السبع ساعات، وهو ما يشير – بحسب وصفه – إلى وجود غطاء سياسي وأمني يحول دون محاسبة المعتدي.
وأضاف أن تأخر فتح المحضر وتقييد الضحايا داخل المخفر، يعكس حجم التأثير الذي يمارسه رئيس البلدية على المؤسسات الرسمية، ما يطرح تساؤلات حول مدى استقلالية القوى الأمنية في هذه المنطقة.
خلفية سياسية تهديدية مرتبطة بالانتخابات البلدية
وشدد د. نعمة على أن جذور هذا التصعيد تعود إلى ما بعد الانتخابات البلدية الأخيرة، إذ أعلن بردوع فور فوزه عزمه على “محاسبة كل من لم يصوّت له”، وهو ما تحوّل لاحقًا إلى سلوك تهديدي فعلي تجاه السكان، من خلال الاعتداءات والتهديدات المباشرة.
وأشار إلى أن مثل هذا الخطاب الانتقامي يمثل انتهاكًا فاضحًا للعملية الديمقراطية، ويحوّل البلديات إلى منصات للانتقام السياسي بدلاً من أن تكون مؤسسات خدمية تمثّل المجتمع المحلي.
الرصاص في الشوارع ورسائل الترهيب
وأكد د. نعمة أن ما جرى لم يكن مجرد حادث فردي أو خلاف عابر، بل هجوم منظم بالسلاح وسط شوارع البلدة، رافقه تكسير سيارات، واعتداء على ممتلكات المواطنين، وتوثيقه بكاميرات مراقبة، ما يجعل من الصعب إنكار خطورة ما حصل.
وأضاف أن إطلاق النار العشوائي ألحق أضرارًا مباشرة بمنازل المدنيين والمزارع، بما في ذلك ألواح الطاقة الشمسية التي يعتمد عليها السكان، في وقت تعاني فيه المنطقة من أزمات اقتصادية ومعيشية خانقة. ولفت إلى أن هذا النوع من الاعتداءات يضاعف معاناة المواطنين، ويؤدي إلى فقدان الإحساس بالأمان، وغياب سلطة القانون.
صمت رسمي يُضاعف الأزمة
وانتقد الدكتور عبدالله نعمة ما وصفه بـ”الصمت الرسمي المريب” تجاه هذا النوع من الانفلات، محمّلًا المسؤولية إلى كافة السلطات، وعلى رأسها رئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة، وقيادة الجيش، ووزارة الداخلية.
وتساءل: “هل بات لرئيس البلدية الحق في ارتكاب ما لا يُسمح لغيره به؟ وهل يتمتع بحصانة سياسية تحميه من المحاسبة والمساءلة؟”، مضيفًا أن غياب الردع القانوني يفتح الباب أمام تكرار هذه المشاهد في مناطق أخرى.
دعوة لمحاسبة الفاعلين واستعادة هيبة الدولة
واختتم د. نعمة حديثه بتأكيده أن ما جرى في كوشا لا يجب أن يُمر مرور الكرام، بل ينبغي أن يشكّل محطة لمساءلة جدية، تبدأ بمحاسبة رئيس البلدية وكل من شارك في هذا الاعتداء، وصولًا إلى إعادة ضبط أداء القوى الأمنية في المناطق الطرفية.
وشدد على أن استمرار هذه السلوكيات من شأنه أن يقوّض ثقة المواطنين بالدولة، ويُكرّس ثقافة “الميليشيا البلدية”، بدلًا من دولة القانون.