إيفلين متى: التحويلات أصبحت أداة إنقاذ للاقتصاد.. وعلى الحكومة استثمارها بذكاء في الإنتاج والصناعة
كتب: عبد الرحمن السيد
شهد الاقتصاد المصري دفعة قوية خلال الأشهر الماضية، مع تسجيل تحويلات المصريين العاملين بالخارج قفزة غير مسبوقة بنسبة 77.1% خلال الفترة من يوليو 2024 إلى أبريل 2025، وفقًا لبيان صادر عن البنك المركزي المصري. وبلغ إجمالي التحويلات خلال هذه الفترة نحو 29.4 مليار دولار مقارنة بـ 16.6 مليار دولار في نفس الفترة من العام المالي السابق.
وفي ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها الدولة، يُنظر إلى هذه التحويلات على أنها شريان حياة للاقتصاد الوطني، خاصة في ظل شح العملات الأجنبية والضغوط التي تواجه ميزان المدفوعات.
في هذا السياق، تحدثت النائبة إيفلين متى، سيدة الأعمال وعضو لجنة الصناعة بمجلس النواب، لـ”نافذة الشرق”، مؤكدة أن هذه الطفرة في التحويلات ليست مجرد أرقام مالية بل تعكس مؤشرات أعمق مرتبطة بالثقة والاستقرار والسياسات النقدية الناجحة.
كيف حدثت القفزة الكبيرة في تحويلات المصريين بالخارج؟
توضح النائبة إيفلين متى أن القفزة غير المسبوقة في تحويلات المصريين بالخارج خلال الشهور الماضية ترجع إلى عدة عوامل مترابطة، أبرزها:
- توحيد سعر الصرف والقضاء على السوق السوداء بعد قرارات البنك المركزي الأخيرة، مما جعل التحويلات الرسمية أكثر جذبًا من القنوات غير الرسمية.
- الثقة المتزايدة في الجهاز المصرفي المصري بعد تسهيلات أُعلنت للبنوك في استقبال التحويلات، وسهولة صرفها بالدولار أو الجنيه دون عراقيل.
- الجهود المكثفة من الدولة في التواصل مع المصريين بالخارج، سواء عبر وزارة الهجرة أو السفارات، لطمأنتهم وتشجيعهم على ضخ مدخراتهم في الداخل.
- الاستقرار السياسي والأمني مقارنة ببعض دول المنطقة، مما شجع العاملين بالخارج على العودة للثقة في الاقتصاد الوطني.
وتؤكد متى، في تصريحات خاصة لـ “نافذة الشرق”، أن هذه العوامل خلقت بيئة محفزة وجاذبة، دفعت المصريين في مختلف دول الخليج وأوروبا وأميركا لتحويل أموالهم بشكل أكثر انتظامًا عبر القنوات الرسمية.
■ كيف تؤثر هذه التحويلات على الاقتصاد المحلي؟
تشير النائبة إلى أن تحويلات المصريين بالخارج تمثل ركيزة أساسية في دعم الاقتصاد الوطني، خاصة في أوقات الأزمات. وتوضح أن تأثيرها يمتد إلى عدة محاور:
زيادة الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة لدى البنك المركزي، مما يتيح له قدرة أكبر على مواجهة أي اضطرابات في السوق.
دعم سعر الجنيه المصري أمام الدولار، وتقليص الضغوط على أسعار الصرف، مما يُسهم في السيطرة على معدلات التضخم.
تحسين ميزان المدفوعات وتقليل العجز في الحساب الجاري، خصوصًا في ظل تراجع بعض موارد النقد الأجنبي التقليدية مثل السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر.
زيادة الاستهلاك المحلي، خاصة في قطاعات مثل العقارات والتعليم والصحة، حيث تمثل تحويلات المغتربين مصدرًا مهمًا لتمويل إنفاق أسرهم داخل مصر.
وتضيف متى: “هذه التحويلات لم تعد مجرد دعم اجتماعي للأسر، بل تحولت إلى أحد أعمدة الاستقرار المالي للدولة، وعلينا الحفاظ على هذا التدفق وتعزيزه عبر حوافز إضافية.”
كيف تستفيد الدولة من هذه العوائد في الوقت الراهن؟
ترى إيفلين متى أن الحكومة مطالبة الآن باتباع استراتيجية ذكية لاستثمار هذه التحويلات، بدلًا من الاكتفاء بدورها في دعم الاحتياطي النقدي فقط. وتقترح عدة محاور للاستفادة القصوى منها:
- توجيه نسبة من التحويلات إلى صناديق استثمارية مضمونة تتيح للمصريين بالخارج المساهمة في مشروعات إنتاجية وصناعية داخل مصر.
- إطلاق مبادرات عقارية موجهة للمغتربين بأسعار تنافسية وبالتقسيط بالدولار، مما يحفزهم على ضخ أموالهم داخل السوق العقاري المصري.
- توفير أدوات ادخار جديدة بالدولار والعملات الأجنبية مع عوائد مجزية، تضمن استمرار تدفق الأموال من الخارج بشكل مستقر.
- تشجيع تأسيس مشروعات مشتركة بين المصريين بالخارج والمستثمرين المحليين، في قطاعات حيوية مثل الطاقة والصناعات الغذائية والدوائية.
- الاستفادة من خبرات المصريين بالخارج، ليس فقط عبر تحويلاتهم المالية، بل عبر دمجهم في خطط التنمية عبر الاستثمار والمعرفة.
وتقول النائبة: “الفرصة كبيرة الآن للاستفادة من هذه العوائد، خاصة وأن الدولة تمر بمرحلة انتقال اقتصادي حاسمة، تحتاج فيها إلى ضخ سيولة من مصادر غير تقليدية، والمصريين بالخارج هم حائط الصد الحقيقي.”
أرقام تعكس التحول الكبير
في بيانه الرسمي، أعلن البنك المركزي المصري أن التحويلات ارتفعت بشكل ملحوظ خلال عدة فترات:
من يوليو 2024 إلى أبريل 2025: بلغت التحويلات 29.4 مليار دولار مقارنة بـ 16.6 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام السابق، بنسبة نمو 77.1%.
من يناير إلى أبريل 2025: ارتفعت التحويلات إلى 12.4 مليار دولار مقابل 7.2 مليار دولار، بمعدل نمو 72.3%.
في شهر أبريل فقط: بلغت التحويلات 3.0 مليار دولار مقارنة بـ 2.2 مليار دولار في أبريل 2024، بمعدل نمو 39% على أساس سنوي.
وتمثل هذه الأرقام بحسب متى، “رسالة واضحة على أن الاقتصاد المصري بدأ يستعيد جزءًا من الثقة المفقودة، وأن أبناء مصر بالخارج يملكون إرادة قوية للمساهمة في دعم وطنهم.”
وتمثل التحويلات الحالية من المصريين بالخارج فرصة نادرة للدولة المصرية لالتقاط الأنفاس في ظل الضغوط العالمية والإقليمية المتزايدة.
لكن كما تقول النائبة إيفلين متى، فإن “تحويلات الخارج ليست مجرد أموال عابرة، بل كنز استراتيجي يحتاج إلى إدارة رشيدة، وسياسات اقتصادية مرنة، لتحويله من مصدر دعم مؤقت إلى دعامة دائمة في بنية الاقتصاد المصري.”
وتؤكد أن النجاح في توظيف هذه العوائد بفعالية سيعزز مناعة الاقتصاد، ويمنح الدولة قدرة أكبر على مواجهة التحديات، واستعادة التوازن في سوق النقد والسيولة، داعية إلى استمرار الإصلاحات الجاذبة، وتوسيع المشاركة الاقتصادية للمصريين في الخارج.
يأتي ذلك في الوقت الذي تعاني فيه اقتصادات العالم من تحديات كبيرة بسبب الصراعات التي يشهدها الشرق الأوسط وآخرها الحرب بين إيران وإسرائيل والتي أعلن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب عن وقفها.