كتبت: علياء الهواري
في مشهد صادم هز الرأي العام الأميركي، اغتيل الناشط السياسي اليميني تشارلي كيرك (31 عاماً) أثناء مشاركته في مناظرة بجامعة وادي يوتا (Utah Valley University)، في حادثة فجرت جدلاً واسعاً حول تصاعد العنف السياسي وخطورة الاستقطاب الذي تعيشه الولايات المتحدة اليوم
كيرك، المؤسس المشارك لمنظمة Turning Point USA، كان أحد أبرز الأصوات المؤثرة بين الشباب المحافظ، ومعروفاً بدعمه الصريح للرئيس السابق دونالد ترامب ولإسرائيل ،ورغم صغر سنه، تمكن من بناء حركة سياسية واسعة جذبت آلاف الطلاب وحشد ما يقارب 30% من أصوات الشباب لصالح ترامب.
لحظة الاغتيال: رصاصة من السطح أمام الآلاف
وفقاً للروايات الرسمية، أطلق الجاني النار من سطح مبنى اللوسي سنتر” داخل الحرم الجامعي باستخدام بندقية bolt-action، لتستقر الرصاصة في عنق كيرك أمام آلاف الحضور المشهد تحول إلى فوضى عارمة، حيث سادت حالة من الذعر وهرع الحاضرون للخروج من القاعة وسط صرخات واستغاثات
السلطات الأمنية بدأت على الفور بتمشيط المكان وفحص كاميرات المراقبة، مشيرة إلى أن المشتبه به كان يرتدي ملابس داكنة، ولا تزال هويته ودوافعه قيد التحقيق
من هو كيرك ولماذا كان مثيراً للجدل؟
يصف المحلل السياسي عاطف عبد الجواد كيرك بأنه “ظاهرة سياسية نادرة”، مشيراً إلى قدرته على تحويل المحافظين الشباب إلى قوة انتخابية حاسمة، ويضيف:
“كيرك لم يكن مجرد ناشط، بل رمزاً للتيار القلق من تغيّر التركيبة الديموغرافية في أميركا، وكان دعمه الصريح لإسرائيل وحملاته ضد اليسار داخل الجامعات نقطة استفزاز دائم لخصومه.”
أما المفكر السياسي د. توفيق حميد فيرى أن كيرك “أعاد تعريف طريقة استهداف الشباب في الحملات الانتخابية”، مضيفاً أن “اغتياله يترك فراغاً حقيقياً داخل الحركة المحافظة التي تحتاج اليوم إلى إعادة بناء خطابها على أسس أكثر انفتاحاً”.
هل هو فعل فردي أم انعكاس لمناخ عام؟
حتى اللحظة، لم يُعلن رسمياً عن دوافع الجريمة أو ارتباط الجاني بتنظيمات سياسية، لكن عبد الجواد يحذر من اختزال الحادث في كونه “حادثاً فردياً”، مؤكداً أنه جزء من مناخ أوسع من الاستقطاب والعنف الرمزي الذي يحوّل الخلافات الفكرية إلى صدامات مسلحة.
ويوافقه د. حميد الرأي، معتبراً أن ما جرى “انعكاس مباشر لجو الرفض المطلق للآخر”، وأن تحميل اليسار وحده المسؤولية كما يزعم ترامب والجمهوريون هو “استثمار سياسي للأزمة أكثر منه قراءة موضوعية للواقع”.
أثر الحادث على الأجيال الناشئة
يحذر عبد الجواد من أن الحادث “يرسّخ ثقافة الخوف داخل الجامعات”، مضيفاً أن الطلاب قد يختارون الصمت على المشاركة السياسية خشية التعرض للعنف.
د. حميد يشارك هذا القلق، قائلاً:
“إذا استمر الأمر على هذا النحو، فنحن أمام جيل يتربى على الخوف لا على النقاش الحر، وهذا يهدد مستقبل الديمقراطية الأميركية.”
تداعيات انتخابية وسياسية
من المرجّح أن يوظّف الحزب الجمهوري الحادث لتشديد خطاب الأمن الداخلي والدفاع عن حرية التعبير، وربما سيستفيد ترامب انتخابياً من تصوير أنصاره كضحايا للعنف السياسي. لكن عبد الجواد يشكك في قدرة المشرعين على تجاوز الانقسام الحزبي لإقرار تشريعات جدية تحد من انتشار السلاح أو تعالج جذور العنف.
على الصعيد الدولي، يرى عبد الجواد أن الحادث “يضرب سمعة أميركا كحامية للديمقراطية”، لكنه يضيف:
“رغم ذلك، ما زالت الولايات المتحدة بلد الفرص والتعددية، لكن معالجة العنف أصبحت ضرورة وجودية للحفاظ على صورتها أمام العالم.”
سيناريوهات مستقبلية: بين الوحدة والانفجار
يقدّم اللواء حسام صلاح، الخبير العسكري، ثلاثة مسارات محتملة:
أفضل سيناريو: استجابة مؤسسية سريعة، كشف الفاعل، وإطلاق مبادرات ضد خطاب الكراهية، ما قد يحوّل الحادث إلى لحظة “توحيد وطني” مؤقتة.
أسوأ سيناريو: تصعيد انتقامي من اليمين، واندلاع موجة عنف داخلي، واستغلال الحادث لفرض قيود على الحريات أو تشديد القوانين بشكل قمعي، وربما توظيفه لزيادة الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل.
سيناريو متوسط: ضجة إعلامية كبيرة تتراجع تدريجياً، استمرار الانقسام دون انفجار شامل، واستمرار الحركة التي أسسها كيرك بوجوه جديدة.
اغتيال تشارلي كيرك ليس مجرد حادث عابر، بل ناقوس خطر يقرع أبواب الديمقراطية الأميركية، ويطرح سؤالاً وجودياً:
هل تستطيع الولايات المتحدة حماية حرية التعبير دون أن تتحول ساحاتها إلى ميادين اقتتال؟
الإجابة ما زالت معلقة، لكن المؤكد أن ما بعد اغتيال كيرك لن يكون كما قبله، وأن أميركا تقف اليوم أمام مفترق طرق بين تصعيد خطير أو ميلاد عهد جديد من الحوار والاعتدال.