رغم دخان حرب إيران وإسرائيل.. لماذا تشتري البنوك المركزية كميات قياسية من المعدن الأصفر؟

عبد الرحمن السيد

-وسط أجواء مشتعلة في الشرق الأوسط وتصاعد دخان الحرب بين إيران وإسرائيل، تواصل البنوك المركزية في العالم سباقًا غير معلن نحو تجميع كميات غير مسبوقة من الذهب. فالمعدن الأصفر، كما يصفه خبراء المال، لم يعد ملاذًا آمنًا للمستثمرين الأفراد فحسب، بل أصبح أداة استراتيجية لحماية الاقتصاد الكلي في زمن الأزمات، وتحوطًا فعليًا من التضخم وتقلبات الأسواق.

سباق عالمي نحو الذهب

كشف تقرير حديث لوكالة “بلومبيرغ” أن نسبة قياسية من البنوك المركزية حول العالم تخطط لزيادة احتياطياتها من الذهب خلال الاثني عشر شهرًا المقبلة. التقرير، الذي استند إلى استطلاع أعده مجلس الذهب العالمي بالتعاون مع مؤسسة “يوغوف”، شمل 72 سلطة نقدية دولية، أشار إلى أن 43% من البنوك تنوي شراء المزيد من الذهب، مقارنة بنسبة 29% فقط في العام السابق، وهو ما يمثل أعلى مستوى منذ 8 سنوات.

اللافت أن 0% فقط من البنوك المركزية تتوقع خفض احتياطياتها من الذهب، في دلالة واضحة على التحول الاستراتيجي نحو الذهب كملاذ لا غنى عنه في موازنة المخاطر الدولية المتصاعدة.

دوافع استراتيجية

وبحسب بيانات مجلس الذهب العالمي، فإن هناك ثلاثة دوافع رئيسية وراء هذا التوجه:

  1. الأداء القوي للذهب خلال الأزمات الجيوسياسية والاقتصادية
  2. رغبة البنوك في تنويع محافظها الاستثمارية
  3. التحوط من موجات التضخم المرتفعة عالميًا

ويُضاف إلى ذلك سعي البنوك إلى الحفاظ على استقرار عملاتها ودعم ثقة الأسواق في قدرتها على إدارة الاحتياطيات النقدية بكفاءة، خاصة في وقت تتصاعد فيه المخاطر الجيوسياسية مثل الحرب بين إسرائيل وإيران، والحرب الروسية الأوكرانية، والصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين.

آراء برلمانية: الذهب خيار آمن ولكن ليس أوحد

وتعليقًا على هذا الاتجاه، تقول النائبة ميرفت الكسان مطر، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، في تصريحات خاصة لـنافذة الشرق:”التوجه إلى المعدن الأصفر هو اختيار شخصي واستثماري بحت، فكل مستثمر يقرر بحسب أولوياته: هناك من يفضل البورصة، وهناك من يتجه إلى الذهب، وآخر يفضل الإيداع البنكي. لا يمكن القول إن هناك استثمارًا أفضل من غيره وقت الأزمات، فالأمر يتوقف على نوع المخاطرة التي يستطيع المستثمر تحملها.”

وتضيف:”لكن بالنسبة للبنوك المركزية، فالأمر مختلف. أغلب بنوك العالم تحاول تعزيز احتياطياتها بالذهب كوسيلة لتأمين نفسها من مخاطر مستقبلية، ودعم موقفها الاقتصادي في حال وقوع اضطرابات مفاجئة.”

الذهب والصراع الإقليمي

من جانبه، يرى النائب محمد بدراوي، عضو مجلس النواب والخبير الاقتصادي، أن تصاعد أسعار الذهب في الوقت الراهن أمر متوقع، مؤكدًا أن هناك علاقة مباشرة بين الذهب والصراعات الدولية، ويقول لـنافذة الشرق:”الذهب يرتبط بقوة بالصراعات القائمة، وعندما تشتد الأزمات كما نرى اليوم في الشرق الأوسط، يكون الذهب هو أول المستفيدين. طبيعي أن ترتفع أسعاره، ومن الطبيعي كذلك أن يتزايد الإقبال عليه، سواء من المستثمرين الأفراد أو من البنوك المركزية.”

وأضاف بدراوي أن الحرب بين إيران وإسرائيل تسببت في حالة من الذعر الاقتصادي لدى العديد من القوى الكبرى، ما دفعها إلى تعزيز احتياطياتها الذهبية كنوع من الحماية.

أرقام قياسية في الشراء

ووفق بيانات مجلس الذهب العالمي، فإن البنوك المركزية قامت بتجميع أكثر من 1000 طن من الذهب سنويًا خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وهو رقم يتجاوز بكثير المتوسط السنوي البالغ ما بين 400 إلى 500 طن خلال العقد السابق.

ويرى محللون أن هذا التسارع في الشراء مرتبط بشكل وثيق بحالة “عدم اليقين” الجيوسياسي التي تخيم على العالم، حيث تبحث البنوك عن أصول مستقرة يمكن الاعتماد عليها في حال اهتزت أسواق العملات أو تعثرت أدوات الدين.

الذهب مقابل الدولار: هل نحن أمام تغيير قواعد اللعبة؟

التحول اللافت نحو الذهب أثار أيضًا تساؤلات حول مستقبل الدولار كعملة احتياطية أولى في العالم، خاصة أن العديد من البنوك المركزية – لاسيما في آسيا والشرق الأوسط – بدأت في تنويع احتياطياتها بعيدًا عن الدولار، والاعتماد على الذهب واليوان الصيني.

ويرى مراقبون أن هذا التوجه يعكس تآكل الثقة في النظام المالي العالمي القائم على الدولار، لا سيما بعد استخدام الولايات المتحدة للعملة كسلاح اقتصادي في فرض العقوبات، مثلما حدث مع روسيا.

الأسواق تراقب والمستثمرون يترقبون

على المستوى الفردي، لا يزال الذهب يمثل ملاذًا آمنًا للمستثمرين، لكنه ليس الخيار الوحيد، كما تقول النائبة ميرفت مطر. فالمعادلة تتوقف على قدرة الفرد على تحمل المخاطر، وتوزيع استثماراته بطريقة ذكية.

لكن على مستوى البنوك المركزية، فإن المعادلة أكثر حساسية، إذ يتعلق الأمر باستقرار عملة الدولة، وقدرتها على التدخل في الأسواق عند الحاجة. وهنا يظهر الذهب كخيار استراتيجي طويل الأجل، وليس مضاربة قصيرة المدى.

نهاية غير قريبة

مع استمرار التصعيد العسكري في الشرق الأوسط، والتضخم الذي لا يزال يؤرق الاقتصاد العالمي، فإن التوقعات تشير إلى أن الطلب على الذهب سيظل مرتفعًا خلال الأشهر المقبلة. وقد تستمر البنوك المركزية في الشراء بمعدلات غير مسبوقة، ما لم تهدأ حدة التوترات أو تُعالج الاختلالات الاقتصادية الكبرى.

وفي هذا السياق، يبقى الذهب، رغم قدمه، هو الأداة الأكثر حداثة في إدارة الأزمات الحديثة، وأحد أهم مفاتيح التوازن المالي في عالم يزداد اضطرابًا.

زألقى التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران بظلال ثقيلة على الاقتصاد العالمي، إذ أدى إلى حالة من الذعر في الأسواق، وارتفاع أسعار النفط والذهب بشكل ملحوظ. فمع كل ضربة عسكرية أو تهديد بإغلاق مضيق هرمز، تتسارع تحركات المستثمرين نحو الأصول الآمنة، وعلى رأسها الذهب. كما أن المخاوف من تعطل إمدادات الطاقة من الخليج دفعت الدول إلى إعادة النظر في سياساتها النقدية والاحتياطية. البنوك المركزية، بدورها، وجدت في الذهب ملاذًا مستقرًا في وجه تقلبات العملة والتضخم المتوقع، خاصة في ظل تراجع ثقة الأسواق في قدرة النظام العالمي على احتواء هذا النوع من الصراعات.