ساويرس ينتقد تدخل الجيش فى الاقتصاد.. وبكرى يغضب.. وردود الشارع تثير الجدل

كتب: محمد عبدالوهاب

لم تكن تصريحات رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس الأخيرة مجرد تعليق عابر، بل فتحت بابًا واسعًا للنقاش حول دور المؤسسة العسكرية في الاقتصاد المصري، ومدى تأثير ذلك على بيئة الاستثمار والمنافسة الحرة.

ساويرس، خلال لقائه في جامعة هارفارد، انتقد صراحة انخراط الجيش في أنشطة اقتصادية مدنية مثل إنتاج الجمبري والبسكويت والمياه المعدنية، معتبرًا أن هذا الدور لا يتماشى مع المهمة الأساسية للمؤسسة العسكرية، والمتمثلة في حماية الأمن القومي. وأوضح أن المستثمرين ينفرون من دخول السوق في ظل وجود منافس “محصن” من الأعباء المالية مثل الضرائب وتكاليف العمالة، الأمر الذي يُفقد السوق توازنها الطبيعي.

انتقادات سابقة ومستوى متكرر من الجدل

هذه ليست المرة الأولى التي يوجه فيها ساويرس انتقادات مماثلة، فقد عبّر سابقًا عن رفضه لما وصفه بـ”المنافسة غير العادلة” بين القطاع الخاص والشركات التابعة للدولة أو الجيش، مؤكدًا أن الدولة يجب أن تكتفي بدور “المنظم” أو “الحَكَم”، وليس “اللاعب”.

وأشار ساويرس إلى أن دخول الدولة إلى ميدان النشاط الاقتصادي بهذا الشكل يخل بمبادئ العدالة، خاصة حين لا تكون هناك شروط تنافسية متكافئة. وأكد أن الهدف ليس الهجوم على الجيش، بل تحسين المناخ الاقتصادي والاستثماري في البلاد.

ردود فعل سياسية: مصطفى بكري في المواجهة

تصريحات ساويرس أثارت حفيظة النائب مصطفى بكري، الذي شن هجومًا لاذعًا عليه عبر سلسلة تغريدات. اعتبر بكري أن حديث ساويرس يمثل “إهانة غير مقبولة” للمؤسسة العسكرية، التي تحملت على عاتقها إنقاذ البلاد من الانهيار، وتقوم بدور مزدوج في الحماية والتنمية.

وأكد بكري أن الجيش المصري لا ينافس القطاع الخاص، بل يتعاون معه، مستشهدًا بوجود آلاف الشركات الخاصة التي دخلت في شراكة مع القوات المسلحة في مشروعات قومية كبرى. كما أشار إلى أن الجيش بدأ بالفعل في تقليص نشاطه الاقتصادي بعد إنجاز المهام التي كلف بها خلال فترات حرجة.

وخص بكري بالذكر شركة أوراسكوم المملوكة لعائلة ساويرس، والتي قال إنها استفادت من مشروعات حكومية كبرى بقيمة تصل إلى 75 مليار جنيه خلال 7 سنوات، محققًة أرباحًا ضخمة.

علاء مبارك يدخل على الخط

الرد لم يقتصر على السياسيين، بل شهد السجال دخول علاء مبارك، نجل الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي استغل الفرصة لتوجيه هجوم مباشر على بكري. اتهمه بالكذب، وساق مثالًا من كتاب نشره بكري في وقت سابق زعم فيه أن مبارك استخدم شرم الشيخ كمركز لتهريب الأموال، وهو ما وصفه علاء بأنه “أكذوبة رخيصة”.

وطالب مبارك بتطبيق القانون على بكري، كما تساءل بسخرية: “إلى متى سيُترك هذا الشخص يسيء دون محاسبة؟”.

ساويرس: محبتي للجيش لا تعني الصمت

في محاولة لامتصاص الغضب، نشر ساويرس تدوينات متتالية عبر منصة “إكس”، أوضح فيها أن تصريحاته نابعة من حرصه على مكانة الجيش ودوره الريادي، وليست تقليلًا من شأنه. وقال: “حديثي الأخير جاء لمحبتي وتقديري وحرصي على جيش مصر العظيم ورغبتي أن يكون في صدارة جيوش العالم”.

وأضاف أن بعض الجهات تحاول تأويل كلامه بشكل مغرض لاتهامه بعدم الوطنية، مؤكدًا أن الجميع يعرف مواقفه الوطنية ودعمه لمصر في مختلف الأوقات.

الاقتصاد بين الدولة والقطاع الخاص

تأتي تصريحات ساويرس في سياق نقاش أوسع حول مستقبل الاقتصاد المصري، والدور الذي يجب أن تلعبه الدولة في السوق. في ظل الوضع الاقتصادي الصعب، يرى البعض أن تدخل الدولة كان ضروريًا لإنقاذ مشاريع وخطط تنموية عاجلة، بينما يرى آخرون أن بقاء الدولة كلاعب رئيسي في السوق يضر بمناخ الاستثمار، ويقوض جهود جذب المستثمرين المحليين والأجانب.

وقد دعت مؤسسات مالية دولية، مثل صندوق النقد الدولي، إلى تقليص دور الدولة في الاقتصاد المصري، وتحفيز القطاع الخاص. وهذا ما يجعل تصريحات ساويرس تتقاطع مع رؤية هذه المؤسسات، لكنها تثير كذلك حساسيات سياسية وأمنية داخلية.

التصريحات التي أدلى بها نجيب ساويرس، وردود الفعل عليها، تعكس حجم التعقيد الذي يواجه الاقتصاد المصري عند تقاطع السياسة بالعسكر بالمال. وبينما يرى البعض أن حديث ساويرس ضروري لإصلاح اقتصادي حقيقي، يرى آخرون أنه تجاوز “الخطوط الحمراء” في ما يخص مؤسسة يُنظر إليها كصمام أمان للدولة. لكن ما هو مؤكد أن النقاش لن يتوقف هنا، بل قد يتجدد كلما طُرحت تساؤلات حول العلاقة بين التنمية والأمن، وبين السوق والدولة.