سيدة المسرح العربي سميحة ايوب ماتت معنويا قبل وفاتها فعليا

محمد صفوت

استيقظ الوسط الفني صباح الثلاثاء الثالث من يونيو على خبر صادم بوفاة الفنانة سميحة ايوب عن عمر يناهز 93 عاما.
هذا هو الخبر أما كواليسه فكانت وفقا لمصدر مقرب منها أن سيدة المسرح العربي كانت حزينة جدا في الأعوام الأخيرة كونها ابتعدت نسبيا عن الفن بعد انخفاض مستوى الأعمال التي تعرض عليها، وأنها دائما ما قالت إذا عرض عليها عمل جيد ستوافق على الفور بل إنها قالت لنفس المصدر حينما زارتها في منزلها قبل شهر من وفاتها أنها حزينة على وحدتها على الدوام وأعربت لها من تعحبها بشدة من فكرة الفيلم الذي انتجه المهرجان القومي للمسرح المصري في نسخته الأخيرة بعنوان ” سيدة المسرح العربي” إذ كانت فكرة المخرج أشرف فايق تقوم على بداية الفيلم بشاب يقوم بتوصيل الطرود إلى بيتها ولا يعرف شكلها وأنه حينما تم فتح الباب له قال لمديرة المنزل هل انتي الأستاذة سميحة ايوب وهو ما جعل الفيلم يظهرها في ثوب السخرية من كونها أصبحت غير معروفة برغم مشاركتها في أكثر من 250 عملا فنيا تنوعت بين السينما والمسرح والتلفزيون .

تاريخ عريض لنجمة نجوم المسرح :
خاضت النجمة سميحة ايوب أطول مسيرة فنية في تاريخ الفن هي و الراحلة أمينة رزق إذ بدأت مسيرتها الفنية في سن الخامسة عشرة من خلال فيلم «المتشردة» عام 1947 وآخر ظهور لها في عام 2024 حينما شاركت في فيلم “ليلة العيد” مع يسرا وسيد رجب ويسرا اللوزي، واللافت أن الفيلم يعرض عبر منصة “شاهد VIP” مع حلول عيد الأضحى.
سميحة ايوب حطمت العديد من الارقام الصعبة فهي صاحبة أطول مسيرة فنية متواصلة في تاريخ المسرح العربي بمشاركتها في أكثر من 170 عملاً مسرحياً، من أبرزها: «رابعة العدوية»، «سكة السلامة»، «دماء على أستار الكعبة»، و«دائرة الطباشير القوقازية».
كما كانت أول امرأة تدير المسرح القومي في مصر فتولت إدارة المسرح الحديث بين عامي 1972 و1975، ثم إدارة المسرح القومي المصري من 1975 حتى 1985 ، و ليس هذا فحسب بل كانت أول امرأة تخرج مسرحية في الوطن العربي.
ويقول أبنها الدكتور علاء محمود موسى “كانت أمي تحب جدا عمل الأدوار الصعبة والدينية وكانت تتمنى في نهاية مسيرتها أن تقوم بأعمال وطنية ودينية لكنها كانت غير سعيدة بقلة إنتاج الأعمال الوطنية والدينية مثلما كان في فترات سابقة ، هي وهبت حياتها حرفيا للفن وحزنت بشدة من ضعف مستوى الأعمال التي عرضت عليها وكان الفنان محمد صبحي يتمنى أن تعمل معه في مسرحياته الأخيرة وحينما كنت أسألها عن السبب كانت تتهرب من الإجابة بذكاء وكانت سعيدة بأن آخر نسخة من مهرجان المسرح القومي كانت بأسمها لكنها كانت مستغربة جدا ولا اقول غاضبة من الفيلم الذي تم إنتاجه عنها وكأنها غير معروفة للجيل الجديد برغم مسيرتها الطويلة”

وضحت الفنانة سميحة ايوب كثيرا ماليا من أجل تقديم فن من العيار الثقيل مهنيا إذ كان راتبها حينما كانت مديرة المسرح القومي 95 جنيهاً فقط ، واضطرت للمشاركة في أعمال درامية وسينمائية لتأمين مال إضافي يمكنها من الاستمرار في عملها في المسرح ، ومع ذلك رفضت أدواراً مهمّة والكثير من الإغراءات للعمل في المسرح الخاص أو التجاري ، كما كانت لديها تقاليد صارمة تلتزم بها في المسرح، وكانت ترفض مثلاً الخروج عن النص أو إلقاء “الإفيهات”.
كانت تربطها بالفنانة سناء جميل علاقة صداقة متينة وكثيرا ما قالت عنها اختي في المسرح .
ولم تخلُ حياة سميحة أيوب من الأزمات مع الزملاء حيث هاجمتها زميلتها عايدة عبدالعزيز بضراوة واتهمتها بأنها لم تساعدها وحاربتها بشدة حينما كانت تدير المسرح القومي إذ ظهرت عايدة عبدالعزيز في لقاء تلفزيوني لتهاجم سميحة أيوب بعنف وتؤكد أنها رفضت منحها الأدوار بحجة أن الجمهور لا يريدها، كما أنها كان في استطاعتها أن تساعدها ولم تساعدها، ما تسبب في بكاء عايدة عبدالعزيز.
والغريب أن رد فعل الفنانة الراحلة سميحة أيوب كان صادما وقالت لها بأن تتوجه إلى دولة الكويت وتبقى هناك رفقة أسرتها وأنها ستمنحها الراتب المخصص لها في كل شهر، وهو ما رفضته زميلتها وقررت مهاجمتها لسنوات طويلة.

وقال النجم محمد رياض رئيس المهرجان القومي للمسرح وهو شديد التأثر برحيلها بعدما أطلق أسمها على آخر دورة للمهرجان : “قررنا تكريم سيدة المسرح العربي الفنانة الراحلة سميحة أيوب في محفل يوم الثقافة المقبل، كما سيتم صناعة جائزة تحمل اسمها ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح في نسخته المقبلة.”
وكتب الفنان محمد رياض على صفحته الشخصية بموقع فيسبوك: “البقاء والدوام لله رحلت سيده المسرح العربي رحلت الام الحنون والأستاذة الكبيره احترمت فنها فاكتسبت حب واحترام وتقدير العالم العربي، الرجاء الدعاء لها”.

أما على صعيد السينما فكان من ابرز أفلامها «أرض النفاق»، و«بين الأطلال»، و«فجر الإسلام».
وسعدت النجمة سميحة أيوب بالعمل في فيلم “تيتة رهيبة” لأنه اعادها للعمل بالسينما بعد إنقطاع لمدة 18 عاما حتى جاءها اتصال من المخرج سامح عبد العزيز، قال لها: “عايز أشرب معاكى فنجان قهوة، ماكنتش أعرفه، قلت له: أنت أخرجت إيه، قال لى: الفرح، قلت له: لا تعالى، واشتغلت معاه تيتة رهيبة” ، وأشاد كل النقاد والمتخصصين بشدة أتقانها للدور وكأنه كما يقال سينمائيا “متفصل عليها الدور”.
لم تكتفي بذلك بل قدمت العديد من المسلسلات الناجحة مثل الساقية والهروب والمحروسة 85 و الضوء الشارد و أوان الورد وأميرة في عابدين والمصراوية و مزاج الخير .
اللافت أن آخر مشاركة فنية لسميحة أيوب على صعيد التلفاز
من خلال مسلسل «حضرة العمدة» في الموسم الرمضاني 2023 .

معاناة المرض:
عانت سميحة أيوب خلال الأعوام الأخيرة من مشاكل صحية مزمنة وأهمها :

  • ضعف في عضلة القلب
  • مشاكل في الرئة والجهاز التنفسي
  • آلام مستمرة في العظام نتيجة التقدم في السن
  • إرهاق جسدي عام تطلب فترات طويلة من الراحة
  • وانتشرت أنباء عن إصابتها بسرطان الثدي قبل أن تتمكن من العلاج منه.

وعلى الرغم من تدهور صحتها على فترات، كانت ترفض تماماً الظهور بمظهر الشخص المريض الضعيف، وكانت تقول دائماً: «أنا قوية ، والمسرح هو علاجي الحقيقي» ولذلك كانت تحضر الكثير من الفعاليات الثقافية المختلفة ومنها تكريم الفنان رشوان توفيق في المسرح القومي وكانت تمزح معه يومها قائلة “أول ما شوفته في الشغل وهو يمثل ، قلت ايه الواد الأمور ده لكن مشكلته أنه كان محترم جدا وكان يعرف عنه حياءه الشديد”.
كانت ترفض أي مساعدة مالية أو صحية من أي شخص أو جهة ، وكانت حينما تشعر الإرهاق تظل في منزلها وحيدة دون ونيس ، وربما ذلك ما يفسر وفاتها وحيدة في منزلها بالزمالك.

وتقول عنها الممثلة والمذيعة لقاء سويدان : “كل كلمة كانت تقولها لنا النجمة سميحة أيوب كانت بمثابة شعار ودراسة فنية عميقة ، هي تمثل تاريخ طويل وكبير وذاكرة سينمائية كبيرة وشخصية لها ثقل في العالم الفني لا يمكن تعويضها ، كانت قريبة جدا من ربنا ولهذا اتمنى من الجميع الدعاء لها ، كانت تختار أعمالها واحترمت نفسها واحترمت فنها لذا كانت النجمة الكبيرة سميحة أيوب ، من حوالي أسبوع قبل موتها وهي مريضة وآخر لقاء جمعني بيها من فترة، كانت إنسانة جميلة وأم لنا كلنا”

كيفية دخول سيدة المسرح العربي لعالم الفن :
بدأت مسيرة سميحة أيوب الفنية وهي في الـ 14 من عمرها، عن طريق كذبة، حيث كانت طالبة في المدرسة ولديها صديقة أخبرتها أنها ذاهبة إلى اختبارات معهد الفنون المسرحية ، لم تكن سميحة تعرف كيف ستخبر أهلها بذهابها، لكن صديقتها طلبت منها إخبارهم أن أستاذتهم شعرت بالإعياء، لذلك كان عليهن إيصالها والاطمئنان عليها.
وبالفعل ذهبت سميحة أيوب مع صديقتها إلى المعهد،ولم يكن لديها مشاهد لتقديمها أمام تلك اللجنة ولكن أمام إصرارهم وتشجيعهم قدمت قطعة محفوظات باللغة الفرنسية من تلك المقطوعات التي كانت تدرسها في مدرسة “سان جوزيف”،وفي النهاية طلبوا منها أن تنضم إلى المعهد كطالبة مستمعة، وحينما تصل إلى الـ16 من عمرها، ستتحول إلى طالبة نظامية تحصل على 6 جنيهات كمكافأة تشجيعية. وقبلوها كمستمعة نظرا لصغر سنها حيث كانت أقل من ستة عشر عاما وهو شرط القبول.
بعدها ذهبت سميحة أيوب والتقت بخالها لتخبره بالأمر، حيث كانت تعلم أن أسرتها سترفض ما حدث، وبالفعل شجعها خالها، ودخل في شجار مع والديها، وطلب منها أن تأتي للعيش معه في هذه الفترة.
وبعدها شاهدت عمالقة السينما والمسرح ومن بينهم يوسف وهبي ، جورج أبيض ، فتوح نشاطي ، زكي طليمات ، د. محمد صلاح الدين ، وتخرجت الفنانة سميحة ايوب من المعهد عام 1953، حيث كانت دوما التلميذة النجيبة للفنان المسرحي الكبير زكي طليمات ، و وصفته ايضا بأنه «الأب الروحي لمسرحها».
بينما عملت مع العملاق يوسف وهبي في بداياتها وتأثرت بأسلوبه الكلاسيكي في الأداء.
ولجأت سميحة أيوب إلى اسمين مستعارين في بداية مشوارها، حيث عملت في فيلم “شاطئ الغرام” تحت اسم “ناهد فريد”، وبعدها في فيلم “عذراء الربيع” تحت اسم “سميحة سامي”.
لكنها بعد ذلك قررت مواجهة عاصفة غضب العائلة وقررت إطلاق اسمها الحقيقي في كافة الأعمال.

وقال عنها الفنان محسن منصور مدير عام المسرح الحديث : “ربنا يرحمها ويصبرنا ، كل شيء بميعاد وهي توفت في أيام مباركة ، سيدة المسرح العربي كان ليا الشرف إني اشتغلت معاها في المسرح والدراما وإني سافرت معاها وكرمتني شخصيا في مهرجان شرم الشيخ ،عاشرتها فنيا وإنسانيا وكان عندها إقبال رهيب جدا على الحياة وعطاء وطيبة غير محدودة».

3 زيجات في حياة النجمة سميحة ايوب : البداية وهي في الـ16 من عمرها، حينما تزوجت من محسن سرحان، رغم رفض عائلتها الشديد بسبب فارق العمر بينهما ، لكن سميحة أيوب أصرت على قرارها رغم تعرضها للضرب من العائلة، وأخبرت شقيقتها قائلة “قوليلهم يوافقوا أحسن ما أعملكم فضيحة”، وبالفعل رضخوا في النهاية لرغبتها.
لكنها تفاجأت بغيرة لا تصدق من زوجها، دفعته إلى حبسها في غرفتها في ليلة الدخلة، بعدما ذهب لإحضار بعض الاحتياجات، لكنه طلب منها ترك المدعوين للزفاف، والتوجه إلى الغرفة وأغلق عليها بالمفتاح.
وصرحت بعدها في لقاء تلفزيوني قائلة “محسن سرحان كرّهني في الرجالة”، لتنتهي الزيجة بعد أن أنجبت منه ابنها الأول.
بعدها تزوجت سميحة أيوب من محمود مرسي، بعد قصة حب طويلة، لكن الزيجة لم تستمر بينهما طويلا بسبب انشغالها الدائم في العمل، ما دفعها للتعليق في لقاء سابق قائلة “اطلقنا واحنا بنحب بعض.. عشان بشتغل كتير وكنت ظالماه”،
أما زيجتها الثالثة فجمعتها بسعد الدين وهبة، حيث استمرت حياتهما الزوجية لنحو خمسة وثلاثين عاما، رفضا فيها الإنجاب.
وكانت لها علاقة خاصة بحفيدها يوسف، حيث وصفته بأنه «الرجل الوحيد الذي قهرها» لحبها الشديد له.

وقال عنها الفنان أحمد عبد العزيز : “أي فنان احب المسرح من المؤكد أنه أحب العظيمة سميحة أيوب ، فنانة كانت تعرف أبجديات المسرح وكيفية احترام خشبة المسرح والجمهور ، هي سيدة المسرح العربي فعلا لأنها كانت حرفيا غول مسرح وكانت تنتقي جدا ألفاظها في العمل وليس لها في الأيفيهات أو الخروج عن النص ، هي بمفردها كانت معهد متنقل لتعلم اصول المسرح”

وكانت سميحة أيوب فخورة جدا بدورها الهام في مسرحية “المومس الفاضلة” للكاتب والفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، كما لعبت سميحة أيوب دور ألكترا في مسرحية “الندم” – تحمل أيضا اسم “الذباب” لسارتر.
وأعادت عرض المسرحية حين زار سارتر مصر عام 1967.
وقررت سميحة أيوب في تلك الليلة أن تهرب من المسرح بعد عرض المسرحية لأنها كانت تخشى ردة فعل جان بول سارتر المعروف بأنه يملك صراحة قد تبلغ درجة الوقاحة ، لكن سميحة أيوب فوجئت بسارتر يصعد على خشبة المسرح ويقبّل يدها عند نهاية العرض. وقال لها عبارة لا تنساها : “وأخيراً وجدت أكترا فيك القاهرة” ، وهذا الموقف تقول عنه أنه أكبر تكريم فني لها وكانت تتحدث عنه في كل لقاء لها مع الصحفيين أو الإعلاميين.
كما حصلت على «جائزة النيل في الفنون» عام 2015 كأعلى وسام ثقافي في مصر ، وتم إطلاق اسمها على القاعة الكبرى في المسرح القومي تقديراً لمسيرتها الفني.

وكانت اقوى عبارة خلال جنازة الفنانة سميحة ايوب من قبل الفنانة رانيا محمود ياسين التي انفجرت من الحزن وقالت باكية”برحيل سميحة أيوب كده جابت ضرفها، خلاص الشغلانة جابت ضرفها بعدها مفيش حاجة ومفيش مسرح”.
نالت سميحة أيوب عدد من التكريمات الرسمية ، على نطاق مصر حظيت على “وسام الاستحقاق” من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر عام 1966 ثم شهادة تقدير من الرئيس أنور السادات عام 1979.
على المستوى العربي نالت “وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى” من الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد عام 1983 وهو من أطلق عليها لقب “سيدة المسرح العربي” ، وعلى الصعيد الأوروبي منحها الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان “وسام الاستحقاق بدرجة فارس” عام 1977.
أما أعظم تكريم لها فقد كان خلال مشاركتها في احتفالية “عيد الشرطة” في يناير 2024 حينما نالت شرف توجيه سيادة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تحية مباشرة لها من على خشبة المسرح، فردّت عليه قائلة: “إحنا بنحبك يا ريس، وشعبك بيحبك. شكراً على الأمن والأمان اللي إحنا عايشين فيه”.

ربما تأثرت سيدة المسرح العربي بضعف ظهورها الفني مؤخرا خاصة وأنها كانت معروفة بعزة النفس ليفقد الفن المصري بشكل عام والمسرح بشكل خاص شخصية ضحت بكل جهدها وصحتها من أجل إعلاء راية الفن المحترم الراقي.