عبد الرحمن السيد
في ظل ما تشهده الساحة المصرية من تداول متكرر للشائعات المرتبطة بقطاع الاتصالات، برزت خلال الأيام الماضية مزاعم حول اعتزام الدولة فرض رسوم بقيمة 10 قروش على استقبال المكالمات الهاتفية، وهو ما أثار جدلاً واسعًا بين المواطنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن النائب أحمد بدوي، رئيس لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، حسم الجدل سريعًا مؤكدًا في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق” أن هذه الأنباء عارية تمامًا عن الصحة، وأن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لم يصدر أي قرار في هذا الشأن.
بدوي شدّد على أن “فرض رسوم على استقبال المكالمات غير مطروح من الأساس”، لافتًا إلى أن لجنة الاتصالات في البرلمان تُعد شريكًا رئيسيًا في أي قرارات جوهرية تخص القطاع، ولها حق الاعتراض والتدخل عند الحاجة. وأضاف أن الدولة ماضية بقوة في تنفيذ خططها لتطوير وتحديث البنية التحتية للاتصالات بما يتواكب مع المعايير العالمية، معتبرًا أن الشائعات المتداولة تستهدف “تصدير الإحباط للمواطنين والتشويش على الإنجازات المحققة”.
شائعات متكررة منذ 2021
ليست هذه المرة الأولى التي تطفو فيها هذه المزاعم على السطح. ففي عام 2021، أصدر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء بيانًا رسميًا نفى خلاله صحة ما تردد بشأن فرض رسوم على متلقي المكالمات بقيمة 10 قروش لكل دقيقة. وجاء التأكيد حينها على أن تكلفة أي مكالمات هاتفية يتحملها دائمًا القائم بالاتصال فقط، دون تحميل الطرف المستقبل أي أعباء إضافية.
وفي 2023 تكررت الشائعة نفسها بنفس الصيغة تقريبًا، ليصدر المركز الإعلامي نفيًا جديدًا، مشددًا على أن أي قرار بفرض رسوم جديدة لا يمكن أن يتم بشكل منفرد من شركات الاتصالات، بل يتطلب موافقة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بصفته الجهة المختصة.
ويُظهر هذا النمط من التكرار أن الشائعة أصبحت أشبه بـ”فقاعة موسمية” تطفو كل عام أو عامين، الأمر الذي يثير التساؤلات حول دوافع مروجيها وتوقيتها، خصوصًا أنها ترتبط بقطاع حيوي يمس الحياة اليومية للمواطنين.
سياق اقتصادي وضغوط قائمة
ورغم نفي البرلمان والحكومة، فإن تداول مثل هذه الأخبار يجد بيئة خصبة في ظل الزيادات التي شهدتها أسعار كروت شحن الهواتف المحمولة خلال عام 2024. فبعد طلب شركات المحمول من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات السماح برفع الأسعار لتخفيف الضغوط المالية الناتجة عن ارتفاع التكاليف، تمت الموافقة على زيادات فعلية انعكست على السوق.
أمثلة على الزيادات الأخيرة:
كارت 10 جنيهات: أصبح سعره 13 جنيهًا ويمنح رصيدًا 9.1 جنيه.
كارت 15 جنيهًا: ارتفع إلى 19.5 جنيه ويمنح رصيدًا 13.65 جنيه.
كارت 20 جنيهًا: بلغ 26 جنيهًا ويمنح رصيدًا 18.2 جنيه.
كارت 29 جنيهًا: وصل إلى 38 جنيهًا ويمنح رصيدًا 26.6 جنيه.
هذه الزيادات، رغم أنها تمت وفق إجراءات رسمية وبتنسيق مع جهاز تنظيم الاتصالات، خلقت حالة من الغضب الشعبي، ودفعت بعض المواطنين للاعتقاد بأن هناك زيادات أخرى قادمة، الأمر الذي يجعل أي شائعة لاحقة قابلة للتصديق بسرعة.
الجهاز القومي يحسم الجدل
الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أصدر من جانبه بيانات واضحة في أوقات سابقة، نفى فيها فرض أي ضرائب أو رسوم جديدة على كروت الشحن أو استقبال المكالمات. كما دعا المواطنين إلى عدم دفع أي مبالغ تزيد على الأسعار الرسمية المعلنة من الشركات، والإبلاغ عن التجار المخالفين.
وفي واقعة سابقة، أشار الجهاز إلى أن شركة فودافون مصر قدمت عرضًا يتيح للمشتركين الحصول على دقائق مجانية تعادل 100% من قيمة الكارت مقابل زيادة نسبتها 15% من الثمن، وهو ما استغله بعض التجار لفرض زيادات غير قانونية. وأكد الجهاز حينها أن باقي الشركات لم تغيّر أسعارها، وأن أي زيادات خارج هذا الإطار تُعد استغلالًا.
قطاع الاتصالات.. ركيزة للتنمية
على جانب آخر، فإن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يُعتبر من أهم القطاعات الداعمة للتنمية المستدامة في مصر، حيث يسهم في توفير المعلومات والبيانات اللازمة لقرارات الاستثمار والإنتاج والتشغيل. ويتميز القطاع بقدرته على النمو المتسارع بمعدل لا يقل عن 15% سنويًا.
وبحسب تقرير وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، تبلغ الاستثمارات العامة الموجهة للقطاع خلال خطة 2025/2026 نحو 13 مليار جنيه، منها 9 مليارات بتمويل من الموازنة العامة للدولة. وتستهدف الخطة تطوير نظم الاتصالات، توطين صناعة تكنولوجيا المعلومات، تعزيز الأمن السيبراني، استقطاب تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتحويل مصر إلى مركز إقليمي للخدمات الرقمية.
مؤشرات الأداء المستهدفة
تتضمن خطة 2025/2026 رفع نسبة مستخدمي الإنترنت في التعاملات الحكومية إلى 31%، وزيادة نسبة التغطية بمراكز الإبداع بالمحافظات إلى 60%. كما تستهدف الخطة رفع عدد أبراج شبكات الهاتف المحمول إلى 40 ألف برج، وتدريب أكثر من 600 ألف شاب في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
أما على صعيد العوائد، فتسعى الخطة إلى رفع قيمة الصادرات الرقمية إلى 8.5 مليار دولار سنويًا، منها 6 مليارات صادرات خدمات التعهيد. وهذه المؤشرات تؤكد أن القطاع ماضٍ في مسار تصاعدي، ما يعزز مكانة مصر إقليميًا كوجهة جاذبة للخدمات التكنولوجية.
قراءة في المشهد العام
يمكن القول إن الشائعة الأخيرة لم تأتِ من فراغ، بل استندت إلى حالة من القلق الشعبي جراء زيادات الأسعار السابقة. إلا أن نفي البرلمان، ورد الجهاز القومي، وبيانات الحكومة، مجتمعةً، بعثت برسالة واضحة: “لا رسوم على استقبال المكالمات”.
ويبقى التحدي الأبرز أمام الدولة هو تعزيز الثقة بين المواطن والجهات الرسمية، عبر تسريع وتيرة الرد على الشائعات، وإطلاق حملات توعية متكررة تشرح السياسات الخاصة بالقطاع، خصوصًا أن الاتصالات باتت شريانًا رئيسيًا لكل جوانب الحياة اليومية من تعليم وصحة وخدمات مالية.
تؤكد الوقائع أن الحديث عن رسوم على استقبال المكالمات ليس سوى شائعة متجددة تعود كل فترة لإثارة الجدل. وبينما يحرص البرلمان على توضيح الصورة، ويشدد الجهاز القومي على مراقبة السوق ومنع أي استغلال، فإن الحكومة تسير في مسار استثماري طموح يجعل من قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ركيزة أساسية لمستقبل الاقتصاد المصري.